icon
التغطية الحية

"كسر عضم" علمنا كيف نبرر مجزرة التضامن

2022.05.15 | 08:38 دمشق

ksrrr.jpg
كسر عضم (يوتيوب/ كلاكيت)
+A
حجم الخط
-A

في كل سنة، تختار الصفحات الإعلامية المتخصصة بالدراما السورية على وسائل التواصل الاجتماعي واحداً أو اثنين من المسلسلات الرمضانية، لتبدأ تعزف على أسطوانتها المشروخة، التي تبشّر بعودة الدراما السورية إلى السكة التي فقدتها منذ عصرها الذهبي، وهذا السنة كان "كسر عضم" أحد هذه المسلسلات.

هذه الصفحات الإعلامية تملأ محتواها على مدار العام بصور ومشاهد من المسلسلات القديمة الراسخة بذاكرة الجمهور السوري، لتستثمر بالنوستالجيا الجمعية التي يعيشها السوريون، لينجم عن رواية نقدية شعبوية، تتعامل مع كل ما هو قديم في الدراما السورية بوصفه تحفة إبداعية يعجز الزمن عن تكرارها، لتتمكن هذه الصفحات من الاستمرار بعملها من خلال اجترار المحتوى ذاته، الذي لا تنتفض عليه سوى في شهر رمضان.

ومع اختيار مسلسل تدعمه وتروج له؛ مسلسل اختياره لا يبدو بريئاً فعلياً، فهو غالباً أكثر المسلسلات توافقاً مع البروباغندا التي تسوق لها البروباغندا الإعلامية للنظام السوري في وقته. وبعد رمضان تتلاشى آثار المسلسلات "الاستثنائية" تدريجياً، لتعود هذه الصفحات إلى خطابها الممجوج حول الحنين للعصر الذهبي بالدراما.

مسلسل "كسر عضم"

المسلسل الذي تم اختياره هذه السنة هو "كسر عضم" للمخرجة رشا شربتجي، الذي أثار الكثير من الحبر منذ بداية شهر رمضان، بسبب الخلافات حول حقوق الملكية الفكرية، وأسلوب الطرح الذي اعتبره بعضهم جريئاً ومتخطياً للخطوط الحمراء.

وذلك على الرغم من كون كل ما ورد في "كسر عضم"، يبدو متطابقاً مع رواية النظام السوري الإعلامية في الفترة الأخيرة، التي تحمّل مسؤولية معاناة الشعب السوري على بعض المسؤولين الفاسدين في الدولة –بالإضافة لعقوبات قيصر والمؤامرات الخارجية- وتطالب المواطنين بأن يتحولوا إلى عناصر مخابرات مجندين في خدمة النظام، تقع على كاهلهم مهمة كشف الفساد ومحاربته؛ ليكونوا تماماً كالشخصيات الإيجابية في المسلسل.

علاوةً على ذلك، فإن المسلسل لم يأت بأي شيء جديد درامياً، فهو يكرر الرواية المعهودة عن الصراعات الداخلية في عمق أجهزة الدولة، بين رجال الأمن المثاليين ورجال الأمن الفاسدين، والتي ينتصر فيها الخير/ النظام في نهاية المطاف.

رداءة أخلاقية

إلا أن مسلسل "كسر عضم"، يتفوق بالرداءة الأخلاقية على كل المسلسلات الأخرى التي تتوافق معه بالأفكار والتوجهات، بالملامح التي رسمت بها شخصية البطل الإيجابي؛ نقصد شخصية "الرائد مروان"، التي أداها خالد القيش، الذي بات في الفترة الأخيرة بحد ذاته صورة نمطية عن رجل الأمن المثالي في الدراما السورية.

إذ إن شخصية "الرائد مروان" تنطق وتتصرف في العديد من المواقف بطريقة سلبية للغاية، ومع ذلك يتم التصفيق والتهليل له ويتم توصيفه طوال الوقت باعتباره نموذجاً للرجل المثالي الذي يجب أن يتم الاحتذاء به.

من هذه المواقف، طريقة تعامله مع ضحية التحرش خلال عمله الجنائي، حيث يقوم بإلقاء محاضرة على الفتاة التي تم التحرش بها ليحملها مسؤولية الجريمة، لأنها ترتدي ثيابا لا تتوافق برأيه مع معايير المجتمع!.

لكن الصورة الأسوأ التي ظهر بها كانت في الحلقة قبل الأخيرة، بمشهد اعتقاله لـ"سامر" (يزن السيد)، الذي تزامن عرضه مع نشر الفيديو الذي يوثق جريمة مجزرة التضامن، والذي بدا بدوره كوثيقة درامية تعكس الفكر السائد لدى أجهزة النظام السوري والتي تؤدي لهذا النوع من العنف الممنهج.

في المسلسل يتم تصوير شخصية "سامر" كنموذج عن الشر المطلق والفساد المعشش في أجهزة الدولة، فمن موقعه في وحدته الأمنية الصغيرة في المدينة الجامعية، يمارس كل الفساد الممكن، من تجارة مخدرات ومتاجرة بأجساد الطالبات؛ وكان واضحاً منذ لقائه الأول بشخصية "الرائد مروان" أن نهاية الشخصية ستكون على يد رجل الأمن المثالي هذا، حين يصل المسلسل إلى خط النهاية وينتصر الخير.

تبرير العنف والإذلال

لكن الطريقة التي صوّر بها المشهد الختامي للشخصيتين كانت صادمة للغاية، إذ إن "الرائد مروان" لا يكتفي باعتقال "سامر" عند إثبات إدانته، وإنما يتعمد إذلاله لينهال عليه ضرباً ويجبره على الزحف نحو السيارة المجهزة لاعتقاله، وهو يقوم بالدوس عليه طوال الطريق!، ويزيد المشهد رداءة وقوف طالبات المدينة الجامعية على الشبابيك وهن يطلقن الزغاريد التي تعلن انتصار الخير على الشر!.

هذا المشهد هو درس جديد تقدمه لنا الدراما السورية؛ درس يعلمنا كيف يتم تبرير العنف والإذلال. فوفقاً للمنطق الذي يستعرضه المسلسل، يكفي اختلاق حكايات نشيطن بها ضحايا مجزرة التضامن ليتحول الجاني إلى بطل مثالي يصفق له الجموع.

وهذا هو دور الإعلام الذي يجيد رسم النظريات ولا يتوانى عن تجريم وتخوين كل شخص لا يتطابق موقفه السياسي مع هوى النظام، ليأتي دور الدراما بعد ذلك كله، لتعلمنا كيف نصفق للجندي ورجل الأمن والسجان والجلاد.

لقد كانت ردة الفعل الأولى للنظام السوري بعد صفعة وثائق مجزرة التضامن، مرسوماً رئاسياً للإفراج عن المعتقلين المحكومين بقضايا إرهاب، التي لم تؤدّ إلى القتل!.

مجزرة التضامن

ونجم عن ردة الفعل هذه سلسلة من الضربات التي أدت إلى انهيار الصورة الحريرية التي يرسمها النظام لنفسه في إعلامه الرسمي والبديل، والتي كانت آخر مفارقاتها الصورة الحضارية التي ظهر بها بشار وأسماء الأسد في دار الأيتام؛ فحشود أهالي المعتقلين وأسئلتهم ودموعهم كان لها أثر أكثر وطأة من مجزرة التضامن ذاتها على الشارع السوري في الداخل اليوم؛ لنشهد في الأيام الأخيرة على تشكل وعي جديد عند شرائح جديدة من السوريين، بدأت تدرك الخلل في بنية الحكاية التي يرسمها النظام السوري في إعلامه والدراما التي ينتجها؛ فمنشورات بعض الموالين على "فيس بوك" تعكس ذلك، حيث بدأت تتسلل إلى الفضاء العام آراء تستهجن كيفية تعامل النظام السوري مع المعتقلين، حتى لو سلمنا بتجريمهم، فكيف يتم سوقهم إلى معتقلات تنقطع فيها أخبارهم عن أهلهم؟ وكيف تتم محاكمتهم على جرائمهم دون اللجوء للقضاء، وإعطاء المعتقل فرصة الدفاع عن نفسه؟.

هذه الأسئلة لم يكن النظام السوري يتخيل أن الأوساط المؤيدة قد تطرحها يوماً، وفي الغالب ستتم الإجابة عنها في العام المقبل، في مسلسل يقدم لنا درسا جديدا لكيفية فهم شخصية المواطن المثالي ورجل الأمن المثالي، وسيتم التسويق للمسلسل على أنه يمثل عودة الدراما السورية لعهدها الذهبي؛ تماماً كما يحدث في كل عام.