كراهية المسلمين في أوروبا.. ظاهرة متصاعدة

2019.10.06 | 21:02 دمشق

20190610_123301cl.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا يعودُ الانتشار الواسع لمصطلح "إسلاموفوبيا" في وسائل الإعلام العالمية إلى مرحلة ما بعد 11 أيلول، ولا إلى تنظيم "الدولة" الذي تفنّنَ في ارتكاب أبشع الجرائم وتصدير أسوأ صورة ممكنة عن الإسلام، ولا إلى موجة تدفُّق اللاجئين إلى أوروبا عام 2015 فحسب؛ بل يمكن القول إنّ هذه الوقائع الكبرى قد أحيَتْ مصطلح "الإسلاموفوبيا" من جديد، وجعلتْه يتصدّر العناوين الصحافية، وجدولَ أعمال السياسيّين أثناء لقاءاتهم.

 لقد تأخّر دخول هذا المصطلح إلى قاموس "أوكسفورد" البريطاني حتى عام 1920، بينما استخدمه الفرنسيّون منذ أوائل القرن السادس عشر، كما استخدمه فولتير في كتاباته عن الإسلام. وبما أنّ المصطلح يعني حرفياً "رُهاب الإسلام"، فقد بدأتْ مصطلحاتٌ أُخرى تظهرُ وتنافسه مثل "كراهية المسلمين" (Anti-Muslim Hatred) الذي يتضمّن الإسلاموفوبيا لكنه أوسع منها، إذ هو يمتدّ إلى مجموعة من الظواهر المرتبطة مع بعضها مثل الخوف من المسلمين، والأحكام الـمُسبَقة السلبيّة تجاههم، واتّهامهم بالإرهاب واضطهاد المرأة، والتمييز ضدّهم، والاعتداءات اللفظية والجسدية الواقعة عليهم.

ومن أجل مقاربة هذا الموضوع، اخترتُ كتاب "المواقف المعادية للمسلمين في النرويج" (*)، الصادر عن منظمة (MinoTenk) المتخصّصة في شؤون الأقليّات والتنوُّع والتعدّدية الثقافية، لنرَ كيف وصلت الأمور في بلدٍ لم يكن يوماً بلد هجرةٍ تقليدياً، ولم يستقبلْ إلا أعداداً قليلة من المهاجرين في السنوات الأخيرة.

بعد التعريفات والمقدّمات النظرية، يتناول الكتابُ تقريراً صادراً عن مركز دراسات (HL-senteret) بعنوان "المواقف تجاه اليهود والمسلمين في النرويج"، ويكشف التقرير الذي اعتمدَ على استطلاعاتِ رأيٍ لشرائح مختلفة من المجتمع عن ترابطٍ

تعود أسباب هذه الكراهية -حسب التقرير- إلى المتطرّفين الإسلاميين والإرهاب أولاً، وإلى خوف المجتمع النرويجي من الأجانب بشكل عام

بين معاداة السامية وكراهية المسلمين. كما كشفَ ما هو متوقّع عن تزايد كراهية المسلمين، إذ عبّر 34% من المشاركين في الاستطلاع عن مواقف مُسبَقة سلبيّة تجاه المسلمين، كما حمّلَ 48% منهم المسلمينَ أنفسَهم مسؤولية ازدياد الكراهية تجاههم. وأكّد 39% من المشاركين أنّ المسلمين يشكّلون تهديداً للمجتمع وثقافته، بينما قال 31% منهم إنّ المسلمين ينوون السيطرة على أوروبا، وأشار 20% إلى أنهم لا يرغبون في وجود مسلمٍ ضمن دائرة أصدقائهم أو جيرانهم. وتعود أسباب هذه الكراهية -حسب التقرير- إلى المتطرّفين الإسلاميين والإرهاب أولاً، وإلى خوف المجتمع النرويجي من الأجانب بشكل عام، وإلى الفروقات الثقافية. كما أشار التقرير إلى دور الإعلام ونقاشات السياسيّين في تحشيد الرأي العام ضد المسلمين، وخصوصاً تصريحات سياسيّي أقصى اليمين، مثل وصفهم المسلمين بـ "ذئاب في ثوب الحِملان".

الفصل الثاني من الكتاب مخصّص لظاهرة "التمييز"، ويقارب فيه الباحثون التمييز ضد المسلمين في المدارس وسوق العقارات وسوق العمل. ففي المدارس؛ غالباً لا يعرف الأطفالُ والفتيان المسلمون أنّ بعضَ ما يتعرّضون إليه من مضايقاتٍ لفظية وجسدية يرقى إلى درجة التمييز أو العنصرية، وأنه تصرُّف مخالف للقانون، وخصوصاً أنَّ التعريفات المدرسيّة للعنصرية تقتصر على ذكر أمثلة محدّدة مثل الهولوكوست. أما سوق العمل فهي المجال الأوضح للتمييز، فحسب وكالة الإحصاء المركزية يعاني المهاجرون بالعموم من صعوباتٍ كبيرة أثناء البحث عن عمل، ومَن يحصل منهم على عمل يكون في الغالب عملاً جزئياً وأقلَّ من مؤهلات الشخص وإمكاناته. وتعاني النساء المسلمات من صعوبات أكبر من الرجال المسلمين، بسبب ارتداء الحجاب والنظرة النمطية تجاه المرأة المسلمة التي تصُوّرها كمضطَهَدة وخاضِعة.

وعلى مستوى أوروبا ككلّ، نطالع التقرير الأوروبي للإسلاموفوبيا (EIR) لعام 2017 الذي أعدّه البرلمان الأوروبي بالتعاون مع جهات أخرى، ويخلصُ التقرير إلى القول: "يتعرّض المسلمون الأوروبيون للتمييز والأحكام المسبَقة في أماكن الدراسة والعمل والمجال العام، بطريقة تُقوّض موقعَهم في أوروبا وانتماءَهم إليها." كما أشار التقرير إلى أنّ كراهية المسلمين تشكّلُ تهديداً لقيَم الديموقراطية وحقوق الإنسان التي تربط أفراد المجتمع ببعضهم.

أما الفصل الثالث من الكتاب فقد خصّصه الباحثون لجرائم الكراهية ووسائل التواصل الاجتماعي، وتُعرَّف جريمة الكراهية بأنها: "الجريمة التي تعود خلفيّتُها إلى مواقف سلبيّة تجاه دين الآخر أو نظرته إلى الحياة، لون البشرة، الأصل القومي أو الإثني، الميُول الجنسية، أو خلل الوظائف العضوية". ويشير الباحثون إلى تزايد ملحوظ في جرائم الكراهية ضد المسلمين وممتلكاتهم في مناطق مختلفة من العالم، ففي الولايات المتحدة تزايدتْ أعمال التخريب الواقعة على المساجد بين عامي 2010 و2014، وفي بريطانيا تتعرّض المساجد لأفعال تخريب وكراهية ما بين 100 إلى 200 مرة في السنة، بينما تعرّضت 26% من مساجد السويد لأعمال تخريب حسب تقرير منظمة (Hate Speech International) لعام 2015. وفي النرويج سجّلت مراكز الشرطة 466 جريمة كراهية في عام 2016، وأشارت إلى أن الرقم الحقيقي أكبرُ من الرقم المسجّل بالتأكيد. ولاحظَ الباحثون تداخُلاً بين كلٍّ من جرائم الكراهية القائمة على أساس الدين والعِرق واللون والجنس، ففي حين أنّ أغلب مَن تعرّضوا إلى جرائم كراهية من الرجال ذوي الأصول الصومالية؛ كان بسبب لون البشرة، فإن أغلب من تعرَّضنَ إلى جرائم كراهية من النساء ذوات الأصول الصومالية؛ كان بسبب الهوية الدينية التي تتبدى من خلال الحجاب.

وفي العموم؛ نلحظ أن تزايد خطاب الكراهية والعنصرية قد ترافق في السنوات الأخيرة مع الزيادة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي فتحتِ المجال لـمَنْ هبَّ ودبّ، ولمختلف أنواع الخطابات التي يُمنَع نشرُها في الصحف ووسائل الإعلام. وهكذا حصلت الجماعات المتطرفة على حيّـزٍ مجانيّ تتجمّعُ فيه وتنشرُ أفكارها به، وتتواصل عِبْـره مع جماعاتٍ متطرفة أُخرى في أماكن مختلفة من العالم، وكلُّ ذلك ساعدها على استثارة العواطف وتحشيد المؤيدين بسرعة كبيرة. وتشير دراسةٌ لمركز أبحاث ألماني إلى أنّ صفحات حزب اليمين المتطرّف "البديل" (AfD) على الفايسبوك، تحظى بمتابعة وتفاعلٍ أكثر بكثير من صفحات الأحزاب الألمانية الأخرى. كما أنّ هنالك ترابطاً بين خطاب الكراهية على الفايسبوك والجرائم المرتكبة في الواقع، فكلما كان خطاب الكراهية منتشراً وحاداً في الصفحات المخصَّصة لمقاطعةٍ معينة، ازدادت نسبة الاعتداءات على اللاجئين في المقاطعة ذاتها.

وإلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي، بات الإعلام الرسمي وغير الرسمي يركّزان بشكل كبير على قضايا المهاجرين، وما يتعلّق بها من اندماجٍ واختلاف ثقافي وتطرُّف وإرهاب. ففي عام 2016؛ كان الإسلام والمسلمون أكثرَ موضوعٍ تمّتْ تغطيتُه في وسائل الإعلام النرويجية المرئية والمسموعة والمقروءة، وكانت 60% من الأخبار الدولية تغطي موضوعات المتشدّدين الإسلاميين والإرهاب و"داعش". وبسبب هذه التغطية الموسّعة لقضايا الإسلام والمسلمين والتي لا تتناسب أبداً مع نسبتهم من السكان، صار الناسُ يعتقدون أنّ عدد المسلمين في البلاد أكبر بكثير مما هو عليه

إنّ غاية مؤلّفي الكتاب وغاية كاتب المقال؛ ليستْ تعزيزَ نظرية "المؤامرة على الإسلام" لدى مَن يؤمنون بوجود مؤامرةٍ كهذه، بل التعريف بخطاب الكراهية وجرائم الكراهية والإشارة إليهما ونقدهما

في الحقيقة. ففي استطلاع للرأي حول نسبة المسلمين في النرويج، جاء المعدّل الوسطي لإجابات الـمُستطلَعين بـ 12% من السكان، وهو أكبرُ بأربعة أضعاف من النسبة الحقيقية التي لم تبلغ 3% بعدُ. وقد حدثَ الأمرُ ذاته في فرنسا، إذ أجابَ الفرنسيُّون في استطلاع مماثلٍ للرأي إن نسبة المسلمين في بلادهم تبلغ 31% من السكان، وهذا ما بفوق النسبة الحقيقية 7.5% بأربعة أضعاف.

وفي النهاية، أقولُ إنّ غاية مؤلّفي الكتاب وغاية كاتب المقال؛ ليستْ تعزيزَ نظرية "المؤامرة على الإسلام" لدى مَن يؤمنون بوجود مؤامرةٍ كهذه، بل التعريف بخطاب الكراهية وجرائم الكراهية والإشارة إليهما ونقدهما، ودفع مَنْ يتعرّضون إليهما إلى الخيَار القانوني فحسب، والتمسُّك بسلطة القانون الكفيلة وحدَها بحماية حقوق الأفراد ومصالحهم على اختلاف انتماءاتهم.

إن الردّ على كراهية المسلمين لا يكون بكراهية غير المسلمين، ولا يكون بكراهية "الغرب" بالعموم. كما أنّ ادّعاء المظلوميّة والتشبُّث بدور الضحية لا يُغنيان ولا يُسمنان من جوع. لنتذكّرْ أنّ وضعَ الأقليّات الدينية والإثنية وأمنَها وحقوقَها الثقافية هيَ من المواضيع المركزية في الديمقراطيات الحديثة، ومن أجل حماية حقوق المسلمين وحريّاتهم الدينية والشخصيّة؛ ثمةَ طريقٌ واحدٌ هو تعزيز قيَم الديمقراطية والعَلْمانية وحقوق الإنسان والدفاع عنها على الدوام.