كذبة عودة المهجرين.. مخيم اليرموك نموذجا

2021.12.08 | 05:28 دمشق

880x495_cmsv2_0c7845f6-b26b-5125-8c1b-1a5e53e39ec7-3164801-1200x630-c-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا تكف الدعاية السياسية والإعلامية للنظام في دمشق، بمساندة جهد سياسي روسي معتبر، عن الترويج لمزاعم بشأن ترحيب النظام، وبذله جهودا كبيرة لعودة المهجرين من نازحين ولاجئين إلى مناطقهم في سوريا والتي أرغموا على الخروج منها طيلة السنوات الماضية تحت وطأة القصف والحصار.

والواقع أنه منذ بدأت قوات النظام في استعادة المناطق التي خسرتها أمام المعارضة المسلحة اعتبارا من العام 2013 حين استعادت مناطق في ريف دمشق الجنوبي والشرقي مثل السبينة والسيدة زينب وحجيرة وغيرها، لم تسمح بعودة أهالي تلك المناطق إليها إلا بشكل محدود وانتقائي وعلى مراحل مديدة، وكذا الحال بالنسبة لبقية المناطق التي استعادتها تباعا في السنوات التالية، سواء في محيط دمشق أم في بقية المحافظات من حمص إلى حلب ودرعا.

ولعل أكثر المناطق التي أثار النظام حولها الغبار الإعلامي مؤخرا منطقة مخيم اليرموك في جنوبي دمشق ومعها الحجر الأسود المتاخم لها جنوبا، وكلا المنطقتين استعادتهما قوات النظام عام 2018 بعد معارك "إعلامية" مع تنظيم "داعش" ودمرت خلالها بالمدفعية والدبابات والطائرات، نحو 80 بالمئة من مباني المنطقتين كليا أو جزئيا، من دون دواع عسكرية، بل لغرض واضح وهو جعل المنطقتين غير صالحتين للسكن، وتاليا منع عودة سكانهما إليهما والذين ينوف عددهم عن المليون شخص. ومن المعروف أن عناصر "داعش" في تلك المنطقة كان محدودي العدد والتسليح ويخضعون لحصار محكم من النظام منذ سنوات.

بدأت آخر فصول "أفلام" النظام وإعلاناته الوهمية بشأن عودة المهجرين إلى مخيم اليرموك في شهر سبتمبر أيلول الماضي، حين صرح مدير الدائرة السياسية في منظـمة التحرير الفلسطينية، أنور عبد الهادي بأن المواطنين السوريين والفلسطينيين من قاطني مخيم اليرموك بدؤوا بالدخول إليه لتنظيف منازلهم، وإزالة الركام من داخلها ووضعه في الشوارع العامة لتقوم آليات محافظة دمشق بترحيله، وكل ذلك سيكون خلال شهر واحد على أن تتم بعدها العودة بشكل كامل. واستتبعت كذبة عبد الهادي بكذبة أخرى من طلال ناجي المسؤول البارز في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، إحدى أدوات النظام الفلسطينية الذي زعم أن رئيس النظام بشار الأسد أعطى شخصيا تعليمات للجهات المعنية بتسهيل عودة الأهالي من سوريين وفلسطينيين لمخيم اليرموك ابتداء من يوم 10/9/2021، من دون قيد أو شرط، وإلزام الجهات الحكومية المختصة بالتعاون مع الأهالي. وأردف ناجي أن الأسد وجه مؤسسة الأمانة العامة السورية للتنمية بـ"توفير البيئة المناسبة لفتح بعض المحال التجارية، ومساعدة أصحاب المحال ماديا للقيام بتخديم المخيم".

المحنة التي يعيشها من تبقى من الأهالي، وخيالهم الحالم بيوم العودة للمخيم، جعل البعض منهم ينساق للأمر، ليصطدموا مرة أخرى بالعوائق المصطنعة التي تضعها في طريقهم جهات عدة لدى النظام

وطبعا الأهالي المتابعون للفقاعات التي يطلقها بين الفينة والأخرى، مسؤولو النظام والمسؤولون الفلسطينيون العاملون بإمرته بشأن عودة المهجرين، أدركوا منذ البداية أن الأمر هزل وما هو بالجد، لأن الكذبة بعُرف الكذابين، لا تعرف من كبرها فقط، بل حين تتضمن أيضا تواريخ دقيقة ونقاطا تفصيلية كأن يوجه "رئيس" دولة بفتح محل سمانة في منطقة ما وفق ما جاء في كلام طلال ناجي.

لكن المحنة التي يعيشها من تبقى من الأهالي، وخيالهم الحالم بيوم العودة للمخيم، جعل البعض منهم ينساق للأمر، ليصطدموا مرة أخرى بالعوائق المصطنعة التي تضعها في طريقهم جهات عدة لدى النظام مثل الفروع الأمنية ومحافظة دمشق التي بات المخيم يتبع لها إداريا منذ عام 2018، بدل "اللجنة المحلية" التي كانت تديره، فضلا عن امتناع مؤسسات النظام عن تقديم أية مساعدة للأهالي لترميم بيوتهم ومناطقهم، بل إنها قامت بالسطو على الأموال التي وصلتها من السلطة الفلسطينية في رام الله (مليوني دولار) مقابل إزالة الأنقاض، فيما تواصل عرقلة جهود منظمة "الأونروا" التابعة للأمم المتحدة لإعادة تأهيل منشآتها في المخيم، فضلا عن جهود منظمة اليونسيف. وكانت قوات النظام دمرت عن عمد جميع مؤسسات الأونروا التعليمية والطبية والخدمية في المخيم والبالغ عددها 23 مبنى، من دون أي مبرر عسكري، وذلك بهدف عرقلة عودة الأهالي مستقبلا.

وتصطدم هذه العودة اليوم بتفصيلات معقدة للشروط الثلاثة التي وضعتها محافظة دمشق للعودة وهي أن يكون البناء سليماً وإثبات الملكية، والحصول على الموافقات الأمنية، حيث لم تمنح الموافقات إلا لبضع مئات من الأشخاص، أغلبهم من عائلات الفصائل الفلسطينية المتحالفة مع النظام من بين عشرات آلاف طلبات العودة.

وبطبيعة الحال، حتى لو تم تسهيل العودة إداريا وأمنيا، فإن تلك العودة غير ممكنة واقعيا نظرا للغياب التام للخدمات والبنى التحتية، والتلكؤ المقصود في إزالة الأنقاض حيث تعمل آلية واحدة أو آليتان في كل المخيم على إزالة الركام في حين أن معظم الشوارع الفرعية ما زالت مغلقة بالردم الذي قالت مصادر عدة إنه ما زال تحته جثث عشرات المدنيين ممن قتلوا خلال قصف النظام للمنطقة. ومقابل هذا التباطؤ في إزالة الردم، تنشط عمليات النهب والتعفيش والتي لم تتوقف منذ السيطرة على المخيم قبل نحو 4 سنوات حيث تشاهد باستمرار شاحنات كبيرة تخرج من مدخل المخيم الشمالي وهي محملة بالمواد المسروقة من حديد البناء المستعمل، وواجهات المحال التجارية، وما تبقى في المنازل من سيراميك وبلاط ورخام وأبواب خشب وحديد وأثاث منزلي. وقبل أيام، عمدت قوات النظام إلى وضع عدد من السواتر الترابية التي تعيق الحركة باتجاه المناطق المجاورة للمخيم، بهدف التضييق على العائدين وعدم تشجيع حركة العودة، علما أن العائلات التي عادت منذ عام 2018 (نحو 800 عائلة) تعتمد كليا على المناطق المجاورة لتأمين الاحتياجات الأساسية بما في ذلك مدارس الطلاب.

والخلاصة، أن سلطات النظام التي دمرت المخيم أساسا، (كما غيره من المناطق السورية التي احتضنت المعارضة للنظام) ونهبت ممتلكات الأهالي، ودفعت أكثر من نصف سكانه للرحيل خارج سوريا، تماطل منذ سنوات في عودة من تبقى من السكان، من دون أن تقدم لهم أية مساعدة مادية لترميم منازلهم، بل تستولي على المساعدات المقدمة إليهم من جهات خارجية، بينما تنشط إعلاميا فقط في الترويج لعودة سكانه.

وفي المقابل، يحاول النظام إرضاء حاضنته الشعبية على حساب بقية المناطق، وسمح للموالين له بنهب مناطق المعارضين، كما يسهل لهم الوصول إلى أموال "الدولة" حيث أعلنت حكومة النظام على سبيل المثال تخصيص نحو 30 مليار ليرة لتعويض المزارعين المتضررين من حرائق الساحل العام الماضي، بينما لم تخصص أية مبالغ لإعادة ترميم المناطق المدمرة بفعل "الإرهاب" كما يقول النظام، وترك عبء إعادة إعمار تلك المناطق على الأهالي أنفسهم المرهقين بتكاليف النزوح وغلاء المعيشة والملاحقات الأمنية.