كتاب "فلاحو سوريا" كيف ساهم حافظ أسد في إضعاف القضية الفلسطينية

2020.05.10 | 00:02 دمشق

438.jpg
+A
حجم الخط
-A

تناولت في الجزء الأول تعريفاً سريعاً بكتاب "فلاحو سوريا: أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأنًا وسياساتهم"، وركزت على كيفية تعاطي نظام البعث مع القضية الفلسطينية، حتى وصول حافظ أسد إلى السلطة، حسبما وردت في هذا الكتاب، واليوم نكمل في ذات الموضوع، من عام 1971 إلى ما بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993.

الأسد يحظر فتح والانتساب لها

عام 1971 حظر حافظ الأسد على السوريين الانتساب لحركة فتح، وقيد حركة الفدائيين المنتسبين إليها أو للفصائل الأخرى في البلد، ومنع المقاتلين الفلسطينيين من مؤازرة رفاقهم في معاقلهم الأخيرة بالأردن، الذين تعرضوا لهجوم مدفعي وبالدبابات من الجيش الأردني، وفي هذه المعركة قتل 700 فدائي من أصل 3000، فيما فر الباقون إلى الضفة الغربية، ما أدى إلى غضب شعبي عربي ضد الأردن، فركب حافظ الأسد الموجة وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الأردن، ولكنه ما لبث أن أعادها بعد اغتيال وصفي التل من قبل منظمة أيلول الأسود في القاهرة، وضغط كثيراً على حركة فتح للقيام بمصالحة النظام الأردني.

حماية الفلسطينيين أم تحقيق المصالح

في أيار عام 1973 عندما بدأ الجيش اللبناني بقصف المخيمات الفلسطينية، قام النظام بإغلاق حدوده أمام اللبنانيين، وبالتالي بعد خوف اللبنانيين الموارنة من توقف التجارة والاستيراد، أوقفوا قصف المخيمات الفلسطينية، واستهدافَ جماعة المحرومين، التي كان يتزعمها رجل الدين الإيراني موسى الصدر.

يقول الباحث إن إغلاق الحدود لم يكن بالدرجة لحماية المقاومة الفلسطينية، بل من أجل إجبار لبنان على التنسيق الأمني، ومراقبة إعلامه.

عام 1974 تم الاعتراف عربياً بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للعشب الفلسطيني، وأصبحت تتلقى مساعدات كبيرة من دول الخليج، وأصبحت تتلقى أسلحتها مباشرة من الاتحاد السوفييتي، وتحالفت مع الأحزاب والجماعات اليسارية والقومية التي كانت قد تجمعت في الكتلة الوطنية اللبنانية تحت قيادة كمال جنبلاط.

دعم عملاء إسرائيل

بعد انطلاق الحرب الأهلية اللبنانية في نيسان عام 1975، دخل الجيش السوري إلى لبنان إلى جانب الجبهة اللبنانية العميلة لإسرائيل، ضد المقاومة اللبنانية التي كانت كفتها راجحة في هذه الحرب، وسهلت للكتائب اليمينية اللبنانية القيام بالعديد من المجازر بحق الفلسطينيين، كما في تل الزعتر.

وطلب الأسد من موسى الصدر الانسحاب من الكتلة الوطنية اللبنانية التي يقودها كمال جنبلاط، بعد أن عجز الأسد عن السيطرة على جنبلاط، فيما كان سبب وقوف الأسد إلى جانب الموارنة هو رسالة تلقاها من الأمريكيين داعين إياه "لحل متوازن في لبنان" مقابل إقناع إسرائيل بالترحيب بهذا الدخول.

جبهة الصمود والتصدي

بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل وزيارة السادات لتل أبيب عام 1978، حصل تقارب بين عرفات والأسد، وشكلوا جبهة أسموها "جبهة الصمود والتصدي" بمشاركة ليبيا والجزائر واليمن الجنوبي، "ومع أن سوريا لم تقم بأي فعل عسكري خلال الحملة الإسرائيلية ضد المواقع الفلسطينية في جنوب لبنان عام 78، إلا أنها تولت الدفاع عن المخيمات الفلسطينية ضد الغارات الجوية بواسطة صواريخ سام".

عدم إيفاء الأسد بالتزاماته

وقبل الغزو الإسرائيلي للبنان عام 82 تعهد الأسد بتقديم الدعم الجوي وجند المشاة للمقاومة الفلسطينية، ولكنه لم يفِ بهذه التعهدات، بل إنه سحب صواريخ سام من المخيمات الفلسطينية، حتى قبل خمسة عشر يوماً من تدمير إسرائيل لسلاح الجو السوري في لبنان، مع تسعين طائرة سورية، ولم يرد الأسد على إسرائيل، بل أجاب أنه لن يخوض حرباً لا يحدد هو وقتها، وقال للمبعوث الجزائري "هذه الحرب ليست حربي". وحينها وصف ياسر عرفات الأسد أنه كالأصفار الاثنين وعشرين العربية الأخرى، حيث اكتفى بالتفرج على ما يجري من قصف وحصار على الفلسطينيين في بيروت، إضافة إلى تحريض الأسد على الانشقاقات في منظمة التحرير، كانشقاق العقيد سعيد مراغة، أبو موسى.

مساران سري وعلني

يقول بطاطو في هذا السياق إن حافظ أسد اتبع مسارين أحدهما علني وآخر سري، بينما كان يشجع في السر أطراف فتح على الانشقاق كان في العلن يرسل الرسائل لتهدئة جميع الأطراف وحثهم على الوحدة، وتقدير الظروف التي تعيشها سوريا ومنظمة التحرير.

لم يستطع أبو موسى أن يحظى بشعبية بين الفلسطينيين، رغم انضمام الجبهة الشعبية القيادة العامة وقوات الصاعقة إليه، ولذلك رأى النظام أنه لا يمكن الخلاص من عرفات إلا بالقضاء عليه، كما ورد في النشرة السياسية الأسبوعية للجيش والقوات المسلحة السورية.

القضاء على عرفات هدف إسرائيلي سوري

ورغم اشتداد الحصار الإسرائيلي على بيروت والحشد السوري ضد منظمة تحرير فلسطين، استطاع ياسر عرفات أن يتسلل إلى طرابلس تلك المدينة الكارهة لحكم الأسد، حيث قاوم لأسابيع التفوق العددي والعتاد للجيش السوري مع القوات الفلسطينية التابعة بالأساس للنظام السوري والمنشقة حديثاً عن فتح، كفتح الانتفاضة، قبل أن يخرج باتفاق أميركي مع كل مقاتليه من لبنان. يقول بطاطو عن هذه المرحلة إن بعض ضباط المدفعية العلويين كانوا لا يقصفون ياسر عرفات، بل يلقون نيرانهم في البحر، كما أن ما جرى أثبت أن القضاء على ياسر عرفات هو هدف تلاقت عليه الإرادة السياسية للنظام وإسرائيل.

منع وحدة الصف الفلسطيني

بعد أن خرج ياسر عرفات من لبنان التقى بالرئيس المصري حسني مبارك الذي كان يعيش عزلة بعد اتفاقية كامب ديفيد، وضغط النظام على الجزائر كي لا تستضيف انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، وكان يضغط بكل الاتجاهات من أجل إزاحة ياسر عرفات عن رأس منظمة تحرير فلسطين، إلا أن الأخير فاجأهم عام 85 بعقد المؤتمر في العاصمة الأردنية عمان التي كان خرج منها قبل سنوات، ولم يستطع الكثيرون حضور الاجتماع، لأن دمشق أعلنت أن من يحضره ممن يقيم فيها لن يعود إليها ثانية، ورغم إعادة انتخاب عرفات، إلا أن الكاتب يقول إن حافظ الأسد نجح في منع عرفات من استعادة وحدة الصف في منظمة التحرير.

حركة أمل والاتفاق مع إسرائيل

بين عامي 85 و88 اندلع ما سمي حرب المخيمات، التي كان رأس الحربة فيها حركة أمل، التابعة للنظام، حينها قال ياسر عرفات إن هناك اتفاقاً سرياً بين أمل وإسرائيل على إبعاد الفلسطينيين من جنوب لبنان، وحماية الحدود الشمالية لإسرائيل.

حركة أمل التي تدرب عناصرها على يد منظمة التحرير الفلسطينية قامت بتوجيه من النظام بحصار خانق للمخيمات الفلسطينية، وشن حرب على الفلسطينيين على نحو متقطع، ما أدى لمقتل نحو ثلاثة آلاف فلسطيني، بعضهم جوعاً، وأضعافهم من الإصابات، في عدة مخيمات صيدا وبيروت، يقول الكاتب إنه وكدليل على الاتفاق بين أمل وإسرائيل إنه عندما تفوق الفلسطينيون على أمل في التلال المشرفة على صيدا عام 86 قام الجيش الإسرائيلي بقصف الفلسطينيين.

إعادة توحيد الصف الفلسطيني

أعادت حرب المخيمات توحيد الصف الفلسطيني، حيث عادت الجبهتان الشعبية والديمقراطية لمنظمة التحرير، بعد انسحابهما منها عقب لقاء عرفات بمبارك، وأغلقت دمشق الصحف الفلسطينية الصادرة حتى عن حركات تابعة لها.

عام 89 حينما بدأ ميشيل عون حربه مع السوريين لم يخفِ عرفات تأييده لعون، إلا أن هزيمة عون وحرب الخليج وتعزيز السيطرة السورية على لبنان أدوا إلى إنهاء الوجود الفلسطيني المسلح والمستقل في لبنان.

دعم النظام لحماس الإخوانية!

بعد توقيع ياسر عرفات اتفاقية أوسلو عام 93، بدأ النظام بالانفتاح على حركة حماس الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين، رغم العداء الكبير الذي يكنه للإخوان المسلمين.

يقول الكاتب إن حافظ الأسد وسياساته القائمة على خلط الأوراق، وضرب الكل بالكل في لبنان لم تزد العروبة إلا تشرذماً، رغم كل ما كان يقوله عن تحقيق الوحدة العربية.