
تهدف روسيا إلى الاحتفاظ بموطئ قدمها الاستراتيجي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث دفعتها التطورات الكبرى الأخيرة لإعادة معايرة نهجها لحماية مصالحها في المنطقة، وإعادة تموضع قواتها في قاعدة حميميم الجوية التي تطورت في السنوات الأخيرة لتصبح جسراً جوياً للقارة الأفريقية، في حين يبقى مستقبل الوجود العسكري الروسي في البلاد غامضاً وموضع مفاوضات مع الحكومة السورية الجديدة.
كان سقوط نظام الأسد بمنزلة ضربة قاصمة لهيبة روسيا، التي نصبت نفسها كضامن للاستقرار في سوريا. وإن خسارة القاعدة الجوية في حميميم في اللاذقية والقاعدة البحرية الروسية في طرطوس من شأنها أن تشكل مشكلة استراتيجية بالنسبة لموسكو، حيث تُستخدم المحطتان كمركزين لوجستيين لأنشطة البلاد في البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن عملياتها في جميع أنحاء أفريقيا.
قال ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي يوم الخميس الفائت إن موسكو تجري محادثات "بناءة" مع هيئة تحرير الشام وتأمل في الاحتفاظ بوجودها العسكري في المنطقة.
وتقوم الحجة الروسية بحسب بوغدانوف على أن "القواعد أقيمت هناك بناء على طلب السلطات السورية بهدف محاربة الإرهابيين وتنظيم داعش. وأفترض أن الجميع يتفقون على أن المعركة ضد الإرهاب وما تبقى من تنظيم داعش لم تنته بعد".
يتعين على موسكو التفاوض مع القيادة الجديدة في سوريا بشأن مستقبل وجودها العسكري. كما أن هناك تساؤلات حول مصير الاتفاقيات الموقعة مع الحكومة السابقة، بما في ذلك تلك المتعلقة بالقواعد العسكرية الروسية.
بعد تدخلها الدموي في سوريا عام 2015 لمنع سقوط نظام بشار الأسد، دفعت روسيا فاتورة كبيرة على مدار 5 سنوات وزجت بقوات برية وجوية كبيرة، وكان المكسب الروسي الوحيد والكبير في سوريا هما قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية وهي المنفذ الروسي الوحيد في العالم للبحر المتوسط.
رصد تلفزيون سوريا انسحاب القوات الروسية خلال اليومين الماضيين من جميع المقار والقطع العسكرية في سوريا وتوجهها إلى قاعدة حميميم، التي تشهد تحركات تشير إلى تخفيض عدد القوات حالياً ونقلها إلى خارج سوريا، وفي الوقت نفسه تمترس الجنود الروس في القاعدة إلى حين تقرير مصير الوجود الروسي.
وانسحبت القوات الروسية من القنيطرة والجنوب السوري، ومطار الشعيرات وقاعدة تدمر وقاعدة التياس ومطار الشعيرات في حمص، ومن مطاري القامشلي وقاعدة صرين في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في الشمال السوري، وتوجهت جميع القوات بمرافقة وحماية إدارة العمليات العسكرية إلى قاعدة حميميم.
مشاهد من انسحاب القوات الروسية من مطار القامشلي
سيكون الوجود الروسي في سوريا الجديدة موضع مفاوضات كبيرة، ومن الممكن أن تعرض موسكو على الحكومة السورية الجديدة أموالاً أو إمدادات طاقة أو ذهباً أو ألماساً تستخرجه من أفريقيا، ومن المحتمل أن تعيد موسكو لسوريا ممتلكات الأسد وما سرقه من ذهب وأموال طائلة، وكذلك لا ننسى أن عتاد الجيش السوري روسي بالكامل وتعرض لتدمير واسع من جراء الغارات الإسرائيلية المستمرة من الساعات الأولى لسقوط الأسد، والحكومة الجديدة بحاجة لترميم مقدرات الجيش السوري الجديد.
وفي المقابل سيكون لتركيا كلمة في المفاوضات بين موسكو وسوريا، حيث تتشابك المصالح التركية الروسية بطريقة معقدة منذ سنوات، كما أن سوريا تجري مفاوضات مع الولايات المتحدة وفي هذا الجانب أوراق لدى السلطات السورية الجديدة، لكن من الممكن أن تقع السلطات الجديدة في نقيضين إذا ما اعترضت واشنطن على الوجود الروسي، وبالتالي ستكون مجبرة على تعويض المكاسب التي من المفترض أن تدفعها موسكو، والمذكورة أعلاه.
ما العتاد الروسي المتبقي في سوريا؟
رصد تلفزيون سوريا قاعدة حميميم الجوية بطائرة درون قبل يومين، كما التقطت شركة ماسكار المختصة بصور الأقمار الصناعية لقطات أحدث يوم أمس.
وفيما يلي عرض للعتاد الروسي الموجود في قاعدة حميميم:
- 4 طائرات سوخوي 34
- 7 طائرات سوخوي 24
- 4 طائرات سوخوي 30
- طائرة أنتونوف 72 (Antonov An-72)
- 3 طائرات أنتونوف 32
- 3 طائرات إليوشن 76
- وصلتا يوم أمس طائرتان أنتونوف 124 بحسب صور الأقمار الصناعية، وتعد أكبر طائرة نقل ثقيلة في العالم، وقادرة على حمل حوالي 150 طناً من البضائع.
- 5 طائرات مروحية من طراز Mi-8
- 5 طائرات مروحية من طراز Ka-52: 2 في الهنغارات و3 يتم تجهيزها للشحن
- رادار 91N6E الخاص بمنظومة الدفاع الجوي S 400، ويظهر في الصورة مركوناً وموضباً للشحن
- 3 بطاريات دفاع جوي من طراز S 400: وبمقارنة صور تلفزيون سوريا بتاريخ 12 الشهر الجاري وصور "ماكسار" في تاريخي 13 و 14 الشهر الجاري، يظهر أنه تم نقل البطاريات الثلاث من مواقعهن.
ورصدت كاميرا تلفزيون سوريا عمليات تحصين وتدشيم في كامل محيط مبنى المطار المدني.
قاعدة طرطوس البحرية
تعتبر القاعدة النقطة الوحيدة التي تمتلكها روسيا في البحر المتوسط، ما يمنحها ميزة استراتيجية لمراقبة المنطقة وتوسيع نفوذها العسكري.
تسهم القاعدة في ضمان وجود دائم للأسطول الروسي في المنطقة، مما يعزز قدرة روسيا على تنفيذ عمليات بحرية واسعة النطاق، وتسهم في تعزيز الوجود الروسي أمام قواعد الناتو في المنطقة، خصوصاً في تركيا وقبرص.
منذ تدخل روسيا في الحرب السورية عام 2015، أصبحت القاعدة جزءًا لا يتجزأ من الجهود العسكرية الروسية لدعم النظام السوري، وتم استخدامها كمحطة لوجستية لإمداد القوات الروسية العاملة في سوريا بالسلاح والعتاد، من البحر الأسود مروراً بالمضائق التركية ومن ثم إلى الساحل السوري.
في عام 2017، وقعت روسيا ونظام الأسد اتفاقية تسمح لروسيا بتوسيع القاعدة وتحويلها إلى منشأة عسكرية متكاملة، تضمنت الاتفاقية عقد إيجار لمدة 49 عاماً، مع إمكانية التمديد.
وبحسب التقارير، غادرت السفن الروسية القاعدة في طرطوس قبل سقوط نظام الأسد بأيام، متجهة لإجراء مناورات في البحر الأبيض المتوسط. إلا أنها تظل قريبة من الساحل السوري، وهو ما قد يشير إلى محاولات موسكو الحفاظ على وجودها.
وتظهر صور الأقمار الصناعية حتى 10 كانون الأول الجاري، وجود فرقاطتين متمركزتين قبالة الساحل السوري، ولا توجد سفن عسكرية روسية كبيرة في الأحواض.