كارثة الطائرة الروسية وإسقاط إيران

2018.09.21 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لم يكن إسقاط طائرة "إيل- 20" الروسية ومقتل الجنود ال15 الذين كانوا على متنها حدثا عابرا، بل يمكن النظر إليه كواقعة تؤسس لما بعدها لناحية إعادة بلورة الأولويات في سوريا، وصبها في اتجاه يكرس إسقاط إيران وحزب الله كمدخل لإنتاج آفاق الحل السياسي.

كان لافتا أن لا أحد أنكر أن الطائرة قد أسقطت بنيران أسدية، ولكن التفريق الذي حرصت روسيا على إنشائه بين المسؤولية الفعلية والمباشرة وبين التسبب بالحادث اتخذ طابعا سورياليا، فالأسد أسقطها ولكن إسرائيل هي التي تسببت بذلك إثر قيامها بغارة على موقع للنظام السوري في اللاذقية بهدف منع تسليم أسلحة دقيقة إلى حزب الله.

كشفت المواقف الروسية عن تخبط عميق لأن الطرفين هم من حلفائها، ولكن إسرائيل عملت عبر وزارة الحرب على فتح الباب أمام تأويل إضافي للحدث تمثل في اتهام ايران وحزب الله بالشراكة في صناعة مشهد كارثة الطائرة الروسية.

تتلاقى التصريحات الإسرائيلية مع تصعيد أميركي واضح ضد إيران ظهر بالتزامن مع مناخ الاضطراب الذي انتشر بعد حادثة الطائرة الروسية، تعلن فيه الخارجية الأميركية أن تهديد إيران ممتد من البحرين إلى اليمن ولبنان، وأنها أكبر راعية للإرهاب.

تكشف نظرة سريعةعلى واقع العلاقات الإسرائيلية الروسية في سوريا عن وجود تنسيق كامل بينهما في ما يخص الضربات على النظام السوري وإيران

تكشف نظرة سريعةعلى واقع العلاقات الإسرائيلية الروسية في سوريا عن وجود تنسيق كامل بينهما في ما يخص الضربات على النظام السوري وإيران، حيث أعلنت اسرائيل أنها وجهت حتى الآن أكثر من 200 ضربة إلى أهداف إيرانية وسورية. يعني ذلك  أن اتهام روسيا لإسرائيل بالمسؤولية عن الحادث لا يتناقض وحسب مع جو التعاون الوثيق بينهما بل مع طبيعته كذلك، إذ إن روسيا لم تكن تبلغ الأسد ولا إيران وميليشياتها بالغارات الإسرائيلية وبتوقيتها مع أنها كانت تعرف كل تفاصيلها بدقة وبشكل مسبق.

ما حدث في واقعة إسقاط الطائرة يرد وفق القراءة الروسية لغياب الدقة في التنسيق، وهذا العنوان يكشف عن أبعاد تلتقي مع مآلات تصريحات وزارة الحرب الإسرائيلية واتهامها لإيران وحزب الله بالتسبب في التشويش على الدقة في التنسيق الإسرائيلي الروسي.

كل هذا المناخ يعلن بوضوح أن الفوضى في الميدان السوري ترتبط بإيران وحزب الله، فكل الأطراف الفاعلة في المشهد السوري حاليا تبحث عن تسويات وترتيبات، كما أن الحدود بينها وبين بعضها البعض مرسومة ومرعية باتفاقات موثقة، بينما يمثل الوجود الإيراني مناخا من التلاعب والتوتير وانعدام الضبط.

من هنا لا يكون الاضطراب الذي ظهر في جو العلاقات الإسرائيلية الروسية حقيقيا وجديا، بقدر كونه الباب الذي يفضي إلى تسريع تخلي روسيا عن إيران من ناحية، ومنع تحويل لبنان إلى ساحة إيرانية بديلة عن الساحة السورية، بالتوازي مع مناخ أميركي حاد ضد إيران مع اقتراب موعد تنفيذ قرار فرض العقوبات على تصدير النفط الإيراني.

وربما يكون تصريح نصر الله مؤخرا الذي عبر فيه عن ارتياحه بشأن اتفاق إدلب بين روسيا وتركيا تعبيرا واضحا عن أن إيران باتت تستشعرأن الميدان السوري قد ضاق عليها، وأنها تبحث تاليا عن مخرج لبناني ما. لعل محاولاتها المتكررة والمحمومة لنقل سلاح نوعي عبر سوريا الى حزب الله في لبنان، يؤكد أن البحث عن ساحة بديلة عن الساحة السورية يشكل حاليا أحد أولوياتها.

لا يكون الاضطراب الذي ظهر في جو العلاقات الإسرائيلية الروسية حقيقيا وجديا بقدر كونه الباب الذي يفضي إلى تسريع تخلي روسيا عن إيران

يعلم الجميع أن الحضور الإيراني في المنطقة كان قائما على صناعة الابتزاز حيث تطلق عبر ميليشياتها  جملة توترات في المنطقة وتفاوض على وقفها مقابل جملة من المكاسب. كان هذا الأسلوب ناجحا لأنه كان يجري في حدود معينة، وربما يكون مقتل إيران الذي يطبخ حاليا عائدا إلى أنها وسعت دائرة ابتزازها وتهديدها بشكل لم يعد من الممكن القبول بأي نوع من المقايضة معه، فقد تحولت إلى تهديد دولي ما استدعى تاليا بروز حلف دولي ضدها.

ليس من قبيل الصدفة تزامن التصريحات الأميركية والإسرائيلة ضد إيران في ظل رعاية أميركية لاتفاقات روسية تركية تقزم الطموحات الإيرانية وتقصيها عن المعادلة العسكرية، وتمنعها من أن تكون طرفا في أي حل سياسي مستقبلي في سوريا.

الرعاية الأميركية لاتفاق إدلب الروسي التركي، والإعلان عن اتصال وزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو المناهض الشرس لإيران بالجانب التركي يرجح أن الحرب الأميركية ضد إيران تحتاج إلى مدخل تركي. قد يتمثل هذا المدخل في الضغط في سبيل وقف شراء تركيا للنفط الإيراني، تمهيدا لإنضاج ظروف عقد معاهدة مع  إيران، تقضي على مشروعها النووي وبرنامجها لصناعة الصواريخ البالستية، وفق ما أعلنه المبعوث الأميركي الخاص بشأن إيران برايان هوك.

حادث إسقاط الطائرة  صار جزءا من خطاب شيطنة إيران.إصرار بوتين على رفض مقارنته بحادث إسقاط طائرة روسية على يد القوات التركيةعام 2015 واعتبار الحادث الحالي عرضيا ومأساويا في حين كان الحادث السابق قائما على التعمد، يشي بأن مناخ التوتر الروسي ضد اسرائيل ليس جديا.

هكذا يرجح أن تنجح زيارة قائد سلاح الجو الإسرائيلي إلى موسكو وعرضه لنتائج التحقيق الذي يتهم إيران وحزب الله بالتسبب في إسقاط الطائرة الروسية إلى دفع روسيا إلى تبني وجهة النظر الإسرائيلية ضد إيران وحزب الله.