كارثة إدلب والمعارضة الكارثية!

2019.12.24 | 17:23 دمشق

idleb2.jpg
+A
حجم الخط
-A

في الوقت الذي يتعرض فيه ريف إدلب الجنوبي والشرقي لعملية إبادة وتدمير شاملة من قبل النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، وبينما يبحث السوريون في الداخل والخارج عن سبل تخفيف مصاب أشقائهم النازحين والضحايا من أبناء هذه المنطقة، يتم الكشف عن رسالة من الخارجية السعودية موجهة إلى الائتلاف الوطني من أجل ترشيح أسماء لفئة المستقلين في الهيئة العليا للمفاوضات.

يحصل ذلك وكأن أمراً لا يحدث وكأن كارثة لا تقع...!

لكن ما سبق لا يعني شيئاً أمام الصدمة الأقسى التي أعقبت الكشف عن هذه الرسالة، وتجلت في صراع جديد انطلق بين الكثير من سياسي المعارضة من أعضاء الائتلاف وهيئة التفاوض، وكذلك من خارج المؤسستين، بحثاً عن الفوز بهذه المقاعد التي تحدثت عنها الرسالة !!

وبينما اعتقدت وسائل الإعلام الثورية التي كشفت عن الرسالة السعودية أن هذه الشخصيات ستتعامل مع الدعوة باعتبارها استهتاراً بالكارثة الإنسانية والسياسية التي تواجهها إدلب حالياً، وستتنافس على تسجيل موقف أخلاقي تجاهها، من خلال التعبير عن رفض هذه الدعوة وصولاً إلى إعلان الانسحاب من المفاوضات السياسية، وكذلك أعمال اللجنة الدستورية، ينبري هؤلاء للمطالبة بترشيحهم أو ضمان استمرار عضويتهم !

فبعد ساعات فقط من نشر نص الرسالة القادمة من الرياض، وقع ما لا يقل عن عشرة من أعضاء الإئتلاف الوطني وهيئة المفاوضات على رسالة مشتركة وجهوها لقيادة الائتلاف، يتساءلون فيها عن سبب استبعادهم أو عدم دعوتهم لمؤتمر الرياض ٣ الذي تتحدث الرسالة السعودية عن قرب انعقاده، في موقف أقل ما يمكن وصفه بالمستفز، من حيث اللامبالاة وعدم الاهتمام بما يجري من مذابح وعمليات تهجير وتدمير في ريف إدلب.

فبعد ساعات فقط من نشر نص الرسالة القادمة من الرياض، وقع ما لا يقل عن عشرة من أعضاء الائتلاف الوطني وهيئة المفاوضات على رسالة مشتركة وجهوها لقيادة الائتلاف، يتساءلون فيها عن سبب استبعادهم

اللامبالاة نفسها يمكن ملاحظاتها أيضاً في رد فعل معظم قيادات فصائل المعارضة العسكرية تجاه التطورات الميدانية الخطيرة هذه، وباستثناء إثنين من القادة ظهروا في جبهات القتال، كان لافتاً غياب وصمت البقية.

لقد انتظرت هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير، وهما الفصيلان الأكبر في المنطقة حتى يوم الإثنين 23 /12 لتعلنا النفير العام، بعد أن كانت قوات النظام قد سيطرت على جميع المدن والبلدات التي حددتها كأهداف مرحلية لهجومها الجديد، ولم يبق تقريباً سوى معرة النعمان تقاوم.

مرة أخرى أجد نفسي متحفظاً تجاه ما يشاع عن عمليات تسليم للمناطق (المحررة) نتيجة اتفاقات أو ضغوط يتزايد الحديث عنها وبلغت ذروتها خلال الأيام الماضية، وهذا التحفظ سببه الوعي بفارق القوة المادية بين طرفي المعركة، فصائل غير منظمة لا تملك سوى البسيط من السلاح والعتاد، مقابل قوتين دوليتين كبيرتين هما روسيا وإيران.

لكن هل كانت قيادات الفصائل على يقين أن المواجهة خاسرة وبالتالي لا معنى لتسجيل مواقف لن تقدم أو تأخر في شيء؟

إذا كان الأمر على هذا النحو فلماذا تركت هذه الفصائل المقاتلين من أبناء المنطقة ومن هبّ لنجدتهم يتحملون مسؤولية قرار المقاومة والدفاع عن أرضهم في معركة انتحارية إذاً ؟!

الواقع أن قادة الفصائل، أو أغلبهم على الأقل، كانوا يؤكدون في رد فعلهم المتأخر وتفاعلهم الضعيف مع تطورات المواجهة، ما قيل باستمرار عن وجود تفاهمات تقضي بإعادة فتح وتشغيل الطرق الدولية M4 و M5 تحت إشراف النظام والدول الضامنة، وأنهم كانوا مستسلمين على الأقل لهذه التفاهمات.

لكن ماذا عن المراحل القادمة، وهل لدى قادة المعارضة السياسية والعسكرية تصورات أو معلومات حول مصير ما تبقى من أراض تحت سيطرة الفصائل في شمال غرب سوريا؟

تصرفات قيادات المعارضة الأخيرة، إن كان من ناحية تجدد الصراع على عضوية الهيئة العليا للتفاوض (سياسياً، أو القصور الكارثي في التعاطي مع التطورات العسكرية (ميدانياً)، تشير إلى أن هناك قناعة لدى القادة أنه ما زال لديهم من المساحة والوقت ما يكفي بالفعل للحفاظ على المواقع والمقدرات والمكاسب من أجل استثمارها في المستقبل، ويبدو أن هؤلاء القادة يعتقدون أن النظام وحلفائه سيتوقفون عند النقاط التي وصلوا إليها مؤخراً.

لكن ماذا بشأن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها وزير الخارجية الروسي صباح الإثنين، حين أكد "أن النظام سيستعيد كل شبر من سوريا وأن روسيا ستدعمه في سبيل تحقيق ذلك" ؟!

ما يريد سيرغي لافروف قوله من هذا التصريح، الواضح أصلاً وغير القابل للتفسير أو التأويل، أن موسكو مصممة على إنهاء المعارضة العسكرية بشكل كامل، بغض النظر عن التوقيت

ما يريد سيرغي لافروف قوله من هذا التصريح، الواضح أصلاً وغير القابل للتفسير أو التأويل، أن موسكو مصممة على إنهاء المعارضة العسكرية بشكل كامل، بغض النظر عن التوقيت، وأنها عندما تحقق ذلك، فإن المعارضة السياسية لن يكون لها قيمة، كما أن أي مفاوضات لن تكون ضرورية بعد ذلك.

بمعنى أدق وأكثر مباشرة، فإن الوزير الروسي يقول: لتحتفظ الفصائل التي فضلت عدم الزج بكل إمكاناتها في المعارك حتى الآن بما تمتلكه من قوة تظن أنها ستكون مفيدة في تعزز فرصها السياسية في المستقبل، فإنه لن يكون أمامها أي فرصة في البقاء ولا مستقبل..

ولتتصارع القوى السياسية على عضوية هيئات ولجان ومؤتمرات تظن أنه من الحنكة والذكاء كسبها الآن من أجل ما هو قادم، فما هو قادم لا مكان فيه لقوى المعارضة التي لا تقبل إلا بسلطة النظام وحكمه مجدداً، طالما أنه لم يبق لديها ما تفاوض عليه بعد أن فرطت بآخر ما تملك!

تدفع المعارضة اليوم، كما فعلت خلال السنوات الماضية، ثمن استسهالها ولا مبالاتها وانقساماتها وخلافاتها وصراعاتها العبثية وارتهانها ودخولها في اصطفافات إقليمية، ليس فقط خسائر عسكرية وسياسية، بل والأهم خسارة قيمية في مكانتها وسمعتها، وصولاً إلى فقدان الثقة الشعبية بها بشكل يكاد يكون كاملاً، ومع ذلك، وهذه هي الطامة التي لا يمكن استيعابها، تستمر في ما هي عليه دون أي مراجعة للذات أو محاولة إنقاذ ما يمكن انقاذه!