قُبلة أدونيس.. لا معنى في قلب الشاعر

2019.07.07 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في المنعطفات التاريخية التي تمر بها الأمم والشعوب ينبغي على المجتمع (جماعات وأفراد) أن يعرف تحت أي عنوان انخرط في هذه المرحلة الجديدة، ويجدر بالجميع في لحظة تاريخية أن يسألوا أنفسهم أو منظريهم وقادتهم كيف سنجيب مستقبلا الأجيال القادمة عن خوضنا تلك المرحلة ما كان موقفنا وكيف عبرنا تلك المنعطفات.

في الثورة السورية المستمرة لعقد تقريبا قُدم كل شي من قبل كل الثائرين وخاصة الخلص. منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ولدى هؤلاء إجابة واحدة للمستقبل بأنها كانت ثورة شعب يتيمة نقية كاشفة امتحنت بأحداثها ومنعطفاتها الجميع من نجح استمر وسننتصر ولو بعد حين ومن فشل ابتعد ومن كان ضدها فهو مستمر بالتضاد، وبعد سنوات الدم الطويلة أصبح الفرز حادا كما يراد له حقا، فإما ثائرا ترى في الثورة خلاصا أو غير ذلك، وتحت هذا المسمى يحشر كل من لم يكن ثائرا، وفي الثورات لا نوع ثالث، هي معادلة مفتوحة بإجابة مغلقة إما مع الثورة أو ضدها.

وكما كان عبد الباسط الساروت وأقرانه "مثلا" مع الثورة بطريقة فاقعة حادة، فالشاعر السوري أدونيس (علي أحمد سعيد) ضدها بذات الشكل ولا نحتاج منه لموقف يوضح فيه مواقفه، فقبلة الحب تلك التي كانت بينه وبين سفير نظام الأسد في لبنان علي عبد الكريم تكفي عن ازدحام في التصريحات والالتفاف وتطويع اللغة للمواربة. القبلة تلك تكفي فهي تعبير مكثف للغاية عن رضا وامتنان وإلا فما المعنى الذي يكمن في قلب الشاعر؟

الموقف الأخلاقي مطلوب على الأقل من أي سوري فضلا عن المثقفين، وأضعف المواقف هو الابتعاد عن القتلة والحيد عن طريقهم ولو بخطوة وتقريعهم ولو بشق كلمة

لا معاني كثيرة الآن، فالموقف الأخلاقي مطلوب على الأقل من أي سوري فضلا عن المثقفين، وأضعف المواقف هو الابتعاد عن القتلة والحيد عن طريقهم ولو بخطوة وتقريعهم ولو بشق كلمة، لا دعمهم، فكيف إذن لشاعر يتغنى باليسارية الثورية ويعيش في أم الديمقراطيات الأوروبية أن يقبل ويُقبل شريك قتل عند مليك تفيض من جنبات داره ريح الكراهية لكل ما هو سوري مقهور، منكسر، مهجر.. ثائر، أدونيس في بيروت وتلك ليست رحلة ستينية أو سبعينية يوم كانت بيروت ملجأ الأحرار والشعراء، إنها رحلة لعناق سفير الأسد لدى وزير لبناني لا يخجل من القول في القرن الواحد والعشرين إنه سليل عرق صاف والأخرين لا.

إنها رحلة لبلد يشارك أحد كياناتها السياسية الحاكمة بحرب تخاض ضد السوريين، حرب قتلت منهم مئات الألاف وشردت الملايين ودمرت حواضرهم الغناء ورفعت على مآذن مساجد أهلها رايات طائفية سوداء، تلك المساجد كانت هدفا للحرب وروادها كانوا هدفا للقتل والتشريد وتلك خرج منها المتظاهرون يوما كما خرجوا من الجامعات ومن بين الأزقة والحواري. لكنها خرجة لم ترق للشاعر وكأن يوم خرج الناس من المساجد للتظاهر ضد نظام الأسد الممتد عشرات السنين كانت الميادين متاحة للتظاهر والمعامل والنقابات والجامعات وسواها.. وكأن دمشق وحمص وحلب ودرعا كانت مدنا لا تخلو من الـ"هايد بارك" وكأن قوات الأسد ليسوا سوى رسل سلام.

لا أعتقد أن في الثورة السورية من عول يوما على أن يكون الشاعر أدونيس شاعر الثورة أو داعمها ولا أعتقد أن كل التبرير الذي قدمه أدونيس وأمثاله كان يلقى من يسمعه فالشعب السوري الثائر كان فيه من الشعراء والمفكرين والمثقفين ما يكفي ولا حاجة لثورة أن تتوسل موقفا، لكن ثمة من رأى يوما أن أدونيس ومن مثله يخشون المجاهرة بمعارضة النظام لأن هذا قد يصنفهم مع من لا يرضون قيمه وشعاراته وأدبياته فلذلك لاذ بعضهم بالصمت أو اكتفى آخرون بشبه موقف وترك المعنى لذكائنا، ولكل هؤلاء نقول للثورة شعراؤها ولن ترضى بأنصاف الحلول في بحر الدم وللأخلاق أصحابها وللتاريخ مزابله، وبعض الصور والقبل لا تنسى.