قيصر الحق السوري، وقيصر المافيا الروسي

2019.12.22 | 16:17 دمشق

qanwn_qysr.jpg
+A
حجم الخط
-A

"لو أرادت أميركا إنهاء نظام الأسد، لما احتاج ذلك إلى أكثر من اتصال هاتفي". عبارة تكررت على لسان كثيرين، مستشهدين بما حدث عام 2005، عندما تم إخراج "القوات السورية" من لبنان؛ إلا أن ما حدث في سوريا عام 2011 له طبيعة مختلفة؛ فإضافة إلى كون المسألة سورية داخلية، سرعان ما شهد السوريون وقوف المافيا الروسية جدارَ صدٍ لحماية إجرام نظام الاستبداد، للحَؤول دون أية مساءلة أو حساب.

زاد في الحصانة أن الدماغ السياسي الأمريكي وقتها، كان مغلقاً ومبرمجاً تحت تأثير ما حدث في العراق؛ فتغيير النظام في دولة أخرى خطيئة قاتلة في السياسة الخارجية الدولية، والأمريكية ضمناً. زد على تلك الحسابات الداخلية، الخدمات الوظيفية الجليلة التي كانت منظومة الأسد السياسية والأمنية قد قدّمتها- ليس فقط لأمريكا- بل لدول كثيرة. وفي الحسابات الباردة، لا بد من القول إن إشاحة أمريكا طرفها عن التدخل الميليشياوي والعسكري الإيراني والروسي، قد أطالا بعمر النظام، وعمر الوجع السوري.

استمرت أمريكا بالاستتار بالفيتو الروسي الذي حمى النظام؛ ولكنه في عهد الرئيس "أوباما" وصلت آلاف من الصور لمعتقلين سوريين قضوا تحت التعذيب في معتقلات النظام. وفي عهده، وبعد عرض الصور في الكونغرس الأمريكي بمجلسيه، تمت صياغة ما سُمِّي قانونَ قيصر. عمل أوباما شخصياً مع بعض أعضاء الكونغرس على دفن ذلك القانون. وفي عهده أيضاً، وبعد خطّه الأحمر الشهير، استخدم نظام الأسد السلاح الكيماوي ضد شعب سوريا. واستمر استخدام الروس للفيتو في مجلس الأمن، كي يحولوا دون أي عقوبة على منظومة الاستبداد والإجرام.

صحيح أن النهج التقليدي في السياسة الخارجية الأمريكية مسألة ثابتة بغض النظر عن الأشخاص القائمين عليها؛ أكانوا رؤساء أم وزراء؛ إلا أن بنية وطموحات ومصالح بعض الإدارات تتميّز بنهجها سياسة معينة تعكس ذاتية الشخوص القائمين عليها. فأبو حسين أوباما تمكن من أن يلبي كل ما تمناه ملالي طهران. وكانت حجته الاتفاق النووي مع إيران.  كاد بموقفه ذاك أن ينسف حتى العلاقة مع إسرائيل الرافضة لأي قدرة نووية إيرانية. ولو كان نتنياهو يتمتع بالثقة والشعبية إسرائيلياً، لكان موقف إسرائيل ككل تجاه تصرف أوباما مغايراً لما رأيناه. ومعروف أن من بين الأثمان التي دفعها أوباما لإيران- إضافة إلى الإفراج عن المئة مليار دولار- كان بيعها سوريا، وإيقاف قانون قيصر؛ كما شاءت إيران.

والآن وبعد رحيل أوباما، وبعد جهود جبّارة قام بها شباب ثوري سوري على الساحة الأمريكية السياسية، وجهود جالية سورية ونافذين في الكونغرس الأمريكي؛ إضافة إلى أشخاص يؤمنون بعقوبة الظالم المستبد ومرتكب الجرائم؛ وعبر ذكاء بعض القائمين على إنجاح القانون من خلال ربطه بقرار الميزانية الأمريكية لعام 2020,، نجحت الجهود، ومرّ القرار ممهوراً بتوقيع الرئيس الأمريكي العارف تماماً أي شخص كان أوباما.

القانون لا يعبّر عن غرام الإدارة الأمريكية بالسوريين وثورتهم؛ وما هو مصمم كي يسقط النظام، ولو كانت أمريكا مصممة على إسقاط النظام، لما احتاجت أو انتظرت قانون قيصر أو غيره كما يُعتَقَد تقليدياً؛ ولكن هذه الطروحات تنسجم مع ما يُسمى "نظرية المؤامرة" ذائعة السيط؛ إلا أنه حتى الإجرام لا بد من توفر الأدوات القانونية لمحاكمته، مهما كنت كبيراً أو قويًا.

ومن هنا تجد أي إدارة أمريكية /قانون قيصر/ جزءاً من منظومتها القانونية رغبت في ذلك أم لم ترغب؛ وبذا ستكون مساهمة هذا القانون هي الأكبر بالردع وبالمحاكمة. من جانب آخر، لا يمكن أن يكون الهدف من ذلك القانون أذى الشعب السوري. لقد لحق الأذى بهذا الشعب بغير وارد القانون. وبوجوده حتماً سينتهي الأذى بوقت أقصر من عدم صدوره، لأن المآل الأخير له يرسم نهاية المنظومة الاستبدادية القائمة عبر الردع والمحاسبة لها ولمن يمدها بالعون على الظلم والاستبداد والجريمة. هذا النظام لا يستطيع أن يعيش أو يتعايش مع ما يطلبه أو يتطلبه تنفيذ هذا القانون. ومن باب التبسيط؛ إذا كان النظام يعيش على النار؛ فالقانون يطلب منه إطفاء هذه النار.؛ بناءً على ما تقدم، سنجد أن روسيا بوتين، بعقليتها المافياوية، التي تعيش على البيع والشراء والابتزاز، ستتيقن أخيراً أن كلفة حماية هذا النظام أكثر من الجني منه؛ وسننتظر منها الإسراع بالتصديق عليه؛ ولكنها لن تستطيع بيعه حتى بأبخس الأثمان. ولن تتمكن من حمايته من السحب إلى محكمة الجنايات، لأنها قد تكون برفقته؛ ولن يفيدها الفيتو. ومن هنا ستكون أول من يسعى للتخلص منه، وبأي ثمن.  

أخيراً- ولو من باب التفاؤل- قيصر الحق السوري، وبعد صبر وجهد ومعاناة وجولات، سيوقف باطل قيصر المافيا؛ فالحق في النهاية يعلو ولا يُعلى عليه؛ والشر مهزوم مهما طال الزمن.

كلمات مفتاحية