قوات خليجية في شرق سوريا؟

2018.11.27 | 00:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قبل حوالي أسبوع، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ رتلاً من قوات تابعة لدولة عربية وصل منطقة خطوط التماس بين "قوات سوريا الديمقراطية" وتنظيم "داعش" في ريف دير الزور، وبقي فيها بضع ساعات فقط قبل أن يعود ويخرج منها. لم يذكر المرصد اسم الدولة العربية المفترضة، ولم يشر كذلك إلى مكان تمركز هذه القوات أو الى أين ذهبت بعد انسحابها من تلك المنطقة، لكنّه رجّح أن تكون تابعة لإحدى الدول الخليجية.

وفي سياق التعليق على هذا الخبر، قال بعض المحلّلين إنّ الهدف من وجود هذه القوات العربية هو طمأنة أهالي المنطقة على اعتبار أنّ قوات "قسد" التي تسيطر على مناطق في الرقة ودير الزور هي ميليشيات ذات غالبية كردية غير مرغوب بها من قبل الأهالي لاسيما بعد الاستعراض الذي قامت به إثر احتلالها لهذه المناطق ورفع شعارات لحزب العمّال الكردستاني وصور لزعيمه عبدالله أوجلان.

يرى آخرون أنّ وجود قوات عربية في هذا التوقيت مرتبط بمعارضة تركيا المتصاعدة للدور الذي تلعبه الميليشيات الكردية

لكن في المقابل، يرى آخرون أنّ وجود قوات عربية في هذا التوقيت مرتبط بمعارضة تركيا المتصاعدة للدور الذي تلعبه الميليشيات الكردية على وجه الخصوص، وليس بأي أمر آخر. مؤيدو هذا الطرح يذهبون إلى القول بأنّ القوات العربية هذه هدفها طمأنة الميليشيات الكردية إلى استمرارية الدعم المقدّم لها حتى في حال قررت الولايات المتّحدة الانسحاب أو فك التحالف معها. ويعتبر اتجاه ثالث أنّ هدف القوات العربية المشار إليها يرتبط بشكل أساسي بجهود الولايات المتّحدة في منع تقدّم النفوذ الإيراني في سوريا.

إذا ما تمعّنا بأسماء الدول العربية التي من المفترض بها أن ترسل تلك القوات، سنجد أنّ هذه الفرضيات مثيرة للسخرية. تعود فكرة تمركز قوات عربية في تلك المنطقة في الأساس إلى إدارة الرئيس الأميركي ترامب الذي سبق له ولمستشاريه أن طالبوا بوجود قوات عربية لتحقيق أمرين: الأوّل هو تحمّل الأعباء الملقاة على عاتق القوات الأميركية هناك، والثاني هو تحمّل التكاليف المالية المتعلقة ببقائهم وبالمهمّة التي تمّ تكليفهم بها.

هدّد ترامب حلفاءه الخليجيين حينها بأنّه سيسحب القوات الأميركية ما لم ينفذوا هذه الشروط. وبالفعل قامت السعودية والإمارات بتحويلات مالية متعلقة بهذه الالتزامات. ومن المثير للاهتمام أنّ معظم هذه الجهود ذهب في سياق يتعارض مع المصالح التركية وليس الإيرانية في سوريا. وعلى الرغم من أنّ السعودية كانت قد أبدت استعداداها لإرسال قوات قبل حوالي ثمانية أشهر، إلا أنّ كثيراً من الخبراء لم يأخذوا هذا الكلام على محمل الجد لوجود أسباب موضوعيّة تدحضه.

هدّد ترامب حلفاءه الخليجيين حينها بأنّه سيسحب القوات الأميركية ما لم ينفذوا هذه الشروط. وبالفعل قامت السعودية والإمارات بتحويلات مالية متعلقة بهذه الالتزامات

الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية والإمارات لا تمتلك الإمكانات البشرية التي تخوّلها إرسال قوات إلى سوريا، وإذا كانت المهمّة المطلوبة ذات طابع قتالي فعلى القارئ أن ينسى هذا الاحتمال تماماً. قوات هذين البلدين غارقة في الساحة اليمنية منذ سنوات، وبالرغم من التمتّع بالتفوق العسكري الساحق، وأفضلية القرب الجغرافي، فقد اضطرت إلى الاستعانة بحلفاء ومرتزقة للقيام بالمهام العسكرية الكبرى بالنيابة عنها، ومع ذلك فقد فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق هدفها.

فضلاً عن هذا، فإن الدول الخليجية غير متّفقة فيما بينها ليس حيال السياسيات الخارجية فقط، وإنما حيال السياسات البينية وهو ما يجعل فكرة إنشاء قوات مشتركة للانتشار في مناطق محددة من سوريا فكرة غير قابلة للتطبيق في الأصل. من الممكن نظرياً أن تقوم هذه الدول بالاعتماد على قوات مصرية وسودانية صغيرة للانتشار تحت اسمها، لكن هذا يفترض أن يكون هناك ثمنٌ مقابل. لم نسمع ما يفيد مثل هذا الأمر من مصر حتى الآن، أمّا السودان فكان قد اشتكى قبل مدّة من إهمال التحالف للتكاليف المترتبة على اشتراك جنوده في الحملة السعودي- الإماراتية على اليمن.

في جميع الأحوال، لم تؤكد –إلى الآن- أي جهة موثوقة الخبر الذي نقله المرصد السوري، ومن السذاجة بمكان توقع وجود قوات خليجية إلا إذا كان وجوداً شكلياً لطمأنة الجانب الأميركي إلى الإيفاء بالالتزامات المترتبة عليها. بخلاف ذلك، وإذا ما صح الخبر، فإنّ المجموعة المعنيّة قد تكون على الأرجح لمقاتلين من المرتزقة الذين تمّ تجنيدهم بأموال خليجية خاصة أنّ مثل هذا الاحتمال كان قد طُرح سابقا وقيل وقتها إن أريك برنس، مؤسس قوة بلاك ووتر القريب من ترامب كان يتشاور مع الإماراتيين بخصوص فكرة مشابهة. لكن في جميه الأحوال، لا أستطيع أن أرى أهمّية الدور الذي من الممكن أن تلعبه مثل هذه القوات في المعادلة السورية حالياً.