قنصلية إيرانية في حلب.. هل تسعى طهران لمواجهة أنقرة في الشمال السوري؟

2021.05.26 | 06:55 دمشق

162170747990005900.jpeg
+A
حجم الخط
-A

أصبحت متابعة أخبار الوجود الإيراني في سوريا عصية على المتابع بدءا من الحضور العسكري بعشرات الميليشيات المنتشرة من الجنوب إلى الشمال، مرورا بالمشهد السياسي والثقافي والديني والاقتصادي والتجاري، حتى باتت إيران في أماكن سيطرتها صاحبة القرار الفاعل بلا منازع، وربما تجاوزت أماكن وجودها لتفرض على نظام الأسد رؤاها وخياراتها، ولا يملك معرفة حول تحركاتها إلا كما يعرف أي مواطن سوري آخر عبر تسريبات تقدمها وسائل الإعلام تارة وصفحات التواصل الاجتماعي تارة أخرى.

ولعل خبر إنشاء قنصلية إيرانية في حلب يظل الأبرز والأهم حتى اليوم بما يحمله من دلالات ومآلات تشير ربما إلى وصول إيران إلى مرحلة إثبات الوجود الفعلي في سوريا، وأنها أصبحت أمرا واقعا لن يكون من السهولة بمكان تجاوزه في المرحلة المقبلة على أقل تقدير.

 

وقد لا يكون إعلان افتتاح القنصلية بوضعه الراهن وتوقيته الزمني ذا أثر كبير على المشهد، إذ إن الإجراءات المتخذة ربما تشهدها أية منطقة أخرى، ولا سيما أن الحديث عن افتتاح القنصلية اقتصر على أنه انعكاس لرغبة البلدين في تعميق العلاقات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية على حد زعم وزير خارجية النظام فيصل المقداد، والذي عرج في معرض حديثه في أثناء الافتتاح على أن ذلك سيسهم في دفع حركة الاستثمار والاقتصاد خاصة بعد أن بدأت المدينة تستعيد مكانتها الصناعية والتجارية على حد قوله.

غير أن ما يعقب خطوة افتتاح القنصلية يمكن أن يظل باعثا للشك والخوف والقلق، وربما تنعكس آثاره في المستقبل وتسهم في تحويل المشهد إذ يمكن أن يقرأ على أنه تأكيد على فكرة التغيير الديمغرافي التي تداولها السوريون كثيرا في السنوات الماضية، وخصوصا أن مدينة حلب عبر سنوات طويلة كانت حاضرة من حواضر السنّة في المنطقة، ولم تشهد أية تحركات ترعاها دولة شيعية في عهد قريب.

 

ولعل ما يؤكد صحة هذه المخاوف والشكوك أن إيران ليست بحاجة لخدمات قنصلية في شمالي سوريا نظراً لغياب أية جالية إيرانية واقتصار وجودها على ميليشيات طائفية عابرة للحدود ليست بحاجة لجوازات وتأشيرات وأوراق ثبوتية، وهو ما يرجح وجود دوافع سياسية وأمنية وعسكرية وراء افتتاح القنصلية ستبقى معرفتها منوطة بالتحركات الإيرانية في المراحل المقبلة.

استطاعت إيران من خلال مشروعها التوسعي في البلاد العربية أن تتوغل في معظم دول المنطقة ولا سيما العراق واليمن وسوريا ولبنان، وتمكنت عبر استراتيجية الأذرع الخارجية والحرب بالوكالة من نقل المعركة إلى داخل الأراضي السعودية، وكذلك مكنت من حضورها في العراق عبر أقنعة دبلوماسية تخفي رغباتها ومشروعها وتسير بالتوازي مع الجهود العسكرية وأنشطة الميليشيات التي تقاتل على الأرض والتي عبدت الطريق أمام المشروع الإيراني من طهران إلى دمشق ولعلها تستكمل تلك الاستراتيجية في توطيد وجودها في سوريا.

وإذا ما أردنا إسقاط الرؤية الإيرانية في مراحل سابقة وتجارب تشبه الحالة السورية إلى حد ما فإن المساعي الإيرانية الحثيثة للاستحواذ على النصيب الأكبر من سوريا تبدو قد قطعت أشواطا طويلة وبالتحديد عقب سيطرتها على مساحات واسعة من شمالي وشرقي البلاد وقطع الطريق أمام أية محاولة لاقتلاعها من تلك المناطق عقب مواجهات طويلة مع إسرائيل والولايات المتحدة اللتين بدا اعتراضهما على الوجود الإيراني أخيرا ليس كما يظهر في وسائل الإعلام على أنه قطعي وغير قابل للتفاوض، إنما يتعلق فقط بمنع امتلاك طهران قوة تشكل تهديدا خارج الحدود السورية، ويبدو أن إيران استطاعت فهم الرسالة جيدا وحصلت على ما تريد لتعود بقوة إلى الساحة وبالتحديد في مناطق تدمر والبوكمال والميادين والرقة من خلال نقاط وقواعد عسكرية جديدة ومطارات حربية وتحركات علنية مكشوفة.

إيران يبدو أنها لن تكتفي بما حازته في سوريا حتى اليوم وستسعى فيما بعد إلى ابتزاز المنافسين وانطلاقا من ذلك يمكن للجهود الإيرانية في قابل الأيام أن تنصب على محاربة المد التركي وفتح القنصلية بمنزلة الخطوة الأولى، حيث باتت أنقرة منافسا لا يمكن تجاهله على مساحات واسعة من شمالي سوريا وشماليها الشرقي، ولا بد لطهران من مظلة تخفي تحركاتها في منطقة ذات بعد عسكري واقتصادي واستراتيجي ومتاخمة لتركيا بحدود برية طويلة، وربما تحاول إيران على غرار ما فعلت باليمن أن تنقل المعركة إلى داخل تركيا عبر حزب العمال الكردستاني بما فيه من قيادات طائفية موالية لإيران أو على أقل تقدير أن تشغل تركيا لو فكرت في أية عملية توسع نحو مناطق أخرى عبر عشرات الميليشيات التي استقدمتها إلى المنطقة أو صنعتها فيها.