قمة طهران: اتفاقات وتفاهمات لا تشمل سوريا

2022.07.26 | 16:44 دمشق

قمة طهران
+A
حجم الخط
-A

استضافت العاصمة الإيرانية طهران، في 19 تموز/ يوليو 2022، القمة السابعة لقادة دول مسار أستانا الذي تأسس إثر توافق روسي - تركي، أفضى إلى إنهاء معركة حلب الشرقية في كانون الأول/ ديسمبر 2016، وإجلاء فصائل المعارضة عنها، وقد انضمت إيران إلى هذا التوافق لاحقًا. ورغم أنّ الاجتماع كان مخصصًا، كعادته، لبحث المسألة السورية، فإنّ قادة الدول الثلاث استغلوا المناسبة لمناقشة العلاقات الثنائية، وأهم القضايا على الساحتين الإقليمية والدولية، مثل حرب أوكرانيا، وأزمة الغذاء والطاقة؛ ما أعطى القمةَ أهميةً إضافية.

أولًا: الأزمة السورية

سيطرت أنباء العملية العسكرية التركية في شمال سوريا على مجريات قمة طهران، حيث تُجري تركيا منذ أسابيع استعدادات لإطلاق عملية عسكرية من أجل إنشاء منطقة آمنة عمقها 30 كيلومترًا. وتعود فكرة إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري إلى عام 2012، إلا أنّ هذه الفكرة غدت أكثر إلحاحًا بالنسبة إلى تركيا في الشهور الأخيرة لسببين؛ يتمثّل أحدهما بتحوّل قضية اللجوء السوري في تركيا إلى موضوع نقاش عامّ مع تفاقم الأزمة الاقتصادية واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في حزيران/ يونيو 2023، واستغلالُ المعارضة التركية لهذه القضية من أجل إضعاف موقف حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عام 2002 ودفع الناخبين بعيدًا عن التصويت له. وتقول الحكومة التركية إنها تهدف، في حال إنشاء منطقة آمنة إلى إعادة توطين نحو مليون لاجئ سوري من أصل 3.7 ملايين موجودين حاليًّا في تركيا، أمّا السبب الآخر الذي تسوقه تركيا لتبرير عمليتها العسكرية، فهو إبعاد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عن الحدود التركية. وتتشكل قسد، في غالبيتها، من وحدات حماية الشعب الكردية؛ وهي الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره تركيا جناحًا سوريًّا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حرب عصابات ضد تركيا منذ عام 1983. ومنذ تأسيس قسد في أواخر عام 2014، تحوّلت إلى شريك الولايات المتحدة الأميركية الرئيس على الأرض في سوريا في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهي تسيطر حاليًّا على معظم الأراضي السورية الواقعة في شرق نهر الفرات، والتي تشكّل نحو 30 في المئة من إجمالي مساحة سوريا، إضافة إلى احتفاظها بجيوب منعزلة في مناطق غرب الفرات، أهمها منبج وتل رفعت، وبعض الأحياء الطرفية لمدينة حلب أيضًا.

خلال الفترة 2016-2019، قامت تركيا بثلاث عمليات توغّل رئيسة في شمالي سوريا؛ الأولى هي عملية "درع الفرات" عام 2016، وقد سيطرت خلالها القوات التركية وفصائل المعارضة السورية المتحالفة معها على مثلث جرابلس-الباب-إعزاز، وعملية "غصن الزيتون" عام 2018 التي سمحت لتركيا بالسيطرة على منطقة عفرين وطرد قوات حماية الشعب الكردية منها، وعملية "نبع السلام" التي جرت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 في مناطق شرق الفرات، حيث سيطرت تركيا على شريط عمقه 30 كيلومترًا وطوله 100 كيلومتر بين رأس العين وتل أبيض. وقد جرت كل هذه العمليات بتوافقات تركية - أميركية أو تركية – روسية، لمنع حصول احتكاكات على الأرض بين هذه الأطراف الدولية.

حاولت تركيا الاستفادة من فرصة انعقاد قمة طهران لإقناع شريكيها في مسار أستانا بعدم الاعتراض على العملية العسكرية التي تنوي القيام بها في شمالي سوريا لإنشاء المنطقة الآمنة، لكنها لم تنجح في ذلك في ضوء غياب أيّ معطيات تسمح بالتوافق فيها؛ إذ تبدي روسيا وإيران معارضة شديدة لأي عملية عسكرية تركية في مناطق غرب الفرات، في حين تعارض الولايات المتحدة مثل هذه العملية في مناطق شرق الفرات. وقد بدا واضحًا التركيز التركي على منطقتَي تل رفعت ومنبج اللتين تسيطر عليهما قسد. وتتهم تركيا قسد باستخدام المنطقتين لاستهداف المناطق التي تبسط تركيا سيطرتها عليها في شمالي سوريا بهجمات أدت إلى سقوط ضحايا، خاصة في عفرين. وقد لوحظ تزايد القصف الروسي لمناطق المعارضة المدعومة تركيًا في إدلب بعد قمة طهران، وتزايد التعزيزات التي يرسلها النظام والميليشيات الإيرانية المتحالفة معه إلى المنطقة، في إشارة واضحة إلى الاعتراض على أي عملٍ عسكري تركي غير متوافق فيه.

إضافة إلى الخلاف على العملية العسكرية التركية المحتملة في شمالي سوريا، يعاني مسار أستانا الخاص بسوريا حالةَ شللٍ في شقّه السياسي بعد أن استنفد الأغراض التي نشأ من أجلها، وأهمها تهميش مسار الحل السياسي المستند إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254؛ إذ يواجه المسار الدستوري الناتج منه حالة تعطل كامل بعد الفشل في تحقيق أيّ تقدّم خلال ثماني جولات من التفاوض، فالنظام يشارك في هذه المفاوضات شكليًّا، و"رفعًا للعتب" فقط. وقد أعلن موفد الأمم المتحدة غيرد بيدرسون أخيرًا عن تأجيل اجتماعات الجولة التاسعة التي كانت مقررة في الفترة 25-29 تموز/ يوليو 2022، بسبب امتناع وفد النظام عن التوجه إلى مدينة جنيف السويسرية، وذلك بعد أن طالبت روسيا بنقل مقر المفاوضات إلى مكان آخر، بذريعة خروج سويسرا عن الحياد في أزمة أوكرانيا نتيجة التزامها بالعقوبات الأوروبية على روسيا. كما شملت المناقشات في طهران الخلاف بين شركاء مسار أستانا حول آلية إيصال مساعدات الأمم المتحدة إلى الشمال السوري عبر معبر باب الهوى مع تركيا، والتي لم يجرِ تمديدها في وقت سابق من الشهر الجاري إلّا ستةَ أشهر؛ بسبب المعارضة الروسية في مجلس الأمن.

ثانيًا: مسار العلاقات الثنائية لأطراف القمة

شكلت القمة مناسبة لزعماء الدول الثلاث لمناقشة سبل تطوير علاقاتهم الثنائية وتنسيق المواقف بشأن بعض القضايا الإقليمية والدولية التي تمس مصالحهم.

1. العلاقات الإيرانية - الروسية

حاول الرئيس الروسي، خلال وجوده في طهران، إحداث نقلة نوعية في علاقات بلاده بطهران، فالبلدان يواجهان ضغوطًا أميركية متزايدة ويخضعان لعقوبات قاسية؛ روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، وإيران بسبب ملفّها النووي. ورغم وجود انقسام في إيران من حيث علاقتها بروسيا؛ إذ يتهم تيار إيراني روسيا بأنها تستخدم إيران ورقةً تفاوضية في العلاقة مع الغرب، وبأنها تغضّ النظر عن الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لمواقع إيرانية في سوريا، فضلًا عن وجود تضارب في المصالح في سوق الطاقة الدولية حيث صار النفط الروسي ينافس النفط الإيراني في أسواق الصين والهند نتيجةً للتخفيضات الكبيرة التي تقدّمها روسيا لبيع نفطها بسبب العقوبات الغربية، فإنه بدا واضحًا أنّ البلدين في طور الارتقاء بمستوى علاقاتهما السياسية والاقتصادية نتيجة تأزّم العلاقة مع الغرب.

وكان التبادل التجاري بين روسيا وإيران قد شهد زيادة في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران في أواخر عام 2018؛ إذ ارتفع من 1.74 مليار دولار أميركي في عام 2018 إلى نحو 4 مليارات دولار أميركي في عام 2021. لكن الغزو الروسي لأوكرانيا، وما تبعه من عقوبات غربية على روسيا، وتراجع فرص إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، خلق فرصًا جديدةً في العلاقات الثنائية. ففي قطاع الطاقة، وقّع البلدان في قمة طهران مذكرة تفاهم تقوم من خلالها شركة غازبروم الروسية باستثمار في حقول النفط والغاز الإيرانية بمبلغ مقداره 40 مليار دولار، في مذكرة تُعدّ الأكبر من نوعها في تاريخ صناعة النفط الإيرانية.

وتشمل هذه المذكرة تطوير حقل غاز بارس الشمالي وكيش وستة حقول نفطية أخرى، وسوف تستثمر شركة غازبروم الروسية 10 مليارات دولار لتطوير هذه الحقول، فضلًا عن استثمار 15 مليار دولار لزيادة الإنتاج في حقل بارس الجنوبي لإنتاج الغاز، ومبادلة الغاز والمنتجات النفطية والاستثمار في إكمال مشروع إيران للغاز الطبيعي المسال (Iran LNG). وعلى مستوى تطوير العلاقة المصرفية والمالية، صرّح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أثناء لقائه الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بأنّ بلاده تمكنت من زيادة التبادل التجاري مع إيران بنسبة 40 في المئة؛ وتخطط لزيادته إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات المقبلة. وفي لقاء الرئيس الروسي المرشدَ الإيراني قال إنّ بلاده وإيران بصدد إحلال العملات الوطنية محلّ الدولار في علاقاتهما التجارية، مضيفًا أنّ البلدين يخططان لإيجاد آليات وأساليب في هذا الشأن. وقد أعلنت إيران عن بدء التعاملات المالية بين البلدين باستعمال الروبل الروسي والتومان الإيراني في التجارة الثنائية، بحيث يمكن للمصدرين الإيرانيين بيع الروبل الذي يحصلون عليه في السوق الإيراني بأسعار توافقية ليشتريها الموردون من أجل توريد السلع الروسية إلى إيران.

2. العلاقات التركية - الإيرانية

ثمة تضارب كبير متعلق بمصالح البلدين في سوريا، وبقضايا إقليمية ودولية أخرى كالعراق والصراع بين أرمينيا وأذربيجان. وعلى الرغم من ذلك، لم تتأثر العلاقات التجارية بين تركيا وإيران. وفي ذروة الصراع في سوريا عام 2012، تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين ليصل إلى 22 مليار دولار. وخلال فترة العقوبات التي فرضتها إدارة باراك أوباما على إيران (في الفترة 2010-2015) مثلت تركيا نافذة إيران الاقتصادية ورئتها المالية الرئيسة؛ إذ كانت إيران بمعزل عن النظام المصرفي العالمي وتحويلات الدولار. وفي عام 2015، وقّع الطرفان اتفاقية للمعاملات التجارية التفضيلية أزالوا بموجبها الرسوم الجمركية عن نحو 300 سلعة تجارية؛ في محاولة لرفع حجم التجارة البينية. وفي عام 2017، وقّع البلدان اتفاقية لاستخدام العملة الوطنية في التبادل التجاري بينهما.

وخلال السنوات الخمس الأخيرة شهدت الاستثمارات الإيرانية في تركيا نموًّا كبيرًا؛ إذ بات الإيرانيون أكبر مشترٍ للعقارات في تركيا، وفقًا لتقرير مركز الإحصاء التركي الصادر في كانون الثاني/ يناير 2022، واحتلّوا المرتبة الأولى في تأسيس الشركات فيها، فقد أسسوا 1019 شركة في عام 2018، و978 شركة في عام 2019. وتُعد تركيا فوق ذلك وجهة مفضّلة للسياح الإيرانيين، إذ فاق عددهم في تركيا عام 2019، قبل تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، عدد زوار العتبات الشيعية في النجف وكربللاء.

وخلال زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لطهران لحضور قمة أستانا الأخيرة، وقّع ثماني اتفاقيات ثنائية للتعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والرياضية، في مقدّمتها تعزيز مذكرة اتفاقية التجارة التفضيلية الموقعة، في عام 2015، بين مؤسستَي دعم وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التركية والصناعات الصغيرة والمجمعات الصناعية الإيرانية، والتي تقضي بخفض تعرفة الاستيراد، وإنشاء معامل ومصانع مشتركة، وبناء واحات تقنية، وتطوير قطاعات النقل والزراعة والطاقة، بما فيها تمديد وتوسيع اتفاقية نقل الغاز لمدة 25 عامًا، وبحسب الرئيسين الإيراني والتركي، تقرر في قمة طهران رفع حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين إلى 30 مليار دولار أميركي.

3. روسيا وتركيا واتفاقية تصدير الحبوب من أوكرانيا

شكّلت قمة طهران أيضًا مناسبة لعقد لقاء روسي - تركي على مستوى القمة، هو الأول منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022. ورغم أنّ الطرفين يقفان على طرفَي نقيض في الحرب الأوكرانية؛ إذ تؤيد تركيا حكومة كييف وتزودها بالأسلحة، خاصة الطائرات المسيّرة من طراز بيرقدار التي أدّت دورًا مهمًّا في إبطاء التقدم الروسي في أيام الحرب الأولى، فإنّ تركيا رفضت الالتزام بالعقوبات الغربية على روسيا، ونجحت في فصل مسار العلاقات التجارية مع روسيا عن موقفها في الحرب الأوكرانية. ونتيجة لذلك، وافقت روسيا على استضافة تركيا مفاوضات تصدير الحبوب من أوكرانيا وعلى اعتبارها، إلى جانب الأمم المتحدة، ضامنًا للاتفاق الذي يبدو أن الطرفين توصلا إليه خلال لقاء طهران بين الرئيسين بوتين وأردوغان. فبعد يومين من قمة طهران، وقّعت روسيا وأوكرانيا في إسطنبول اتفاقيةً، برعاية الأمم المتحدة وتركيا، تتيح لأوكرانيا إعادة فتح موانئها على البحر الأسود من أجل تصدير الحبوب. وقد اعتبرت هذه الاتفاقية، رغم وجود توقعات متعلقة بتعثر تنفيذها بين الفينة والأخرى، نجاحًا كبيرًا للدبلوماسية التركية في ظل أزمة الغذاء العالمية التي تفاقمت؛ بسبب عجز أوكرانيا - التي تُعد خامس أكبر مصدر للقمح في العالم - عن تصدير إنتاجها.

خاتمة

لم تنجح قمة طهران في إحراز تقدّم لحل المسألة السورية؛ إذ تمسّك شركاء مسار أستانا بمواقفهم المعروفة من الأوضاع السياسية والميدانية في سوريا، وإن اتفقوا جميعًا على سلبية الدور الأميركي فيها. لكن القمة شكّلت مناسبة لتطوير العلاقات الثنائية بين أطراف المسار، خاصةً في المجال الاقتصادي؛ فقد جرى التوصل، على هامش القمة، إلى اتفاقات يُرجَّح أن تعزز العلاقات الاقتصادية بين البلدان الثلاثة، خاصة أنها تتشارك في مواجهة أزمات اقتصادية كبرى. ويواجه بلدان من بين هذه البلدان الثلاثة عقوبات غربية صارمة، في حين تتسم علاقة الطرف الثالث (وهو تركيا) بالغرب بالتعقيد. ويبدو أن مسار أستانا، الذي نشأ لإدارة الصراع في سوريا، قد تحوّل إلى منصة لإدارة علاقات الدول الثلاثة ببعضها حيال قضايا وملفات أوسع تبدأ بالتجارة وتمتد إلى السياسية والأمن الغذائي والطاقي.