icon
التغطية الحية

قمة سوتشي: أزمة ثقة بين تركيا وروسيا تهدد التهدئة في إدلب

2021.09.27 | 06:49 دمشق

thumbs_b_c_56c69d2a288b8ca881f8b8dfbd72e0d4.jpg
الأناضول
غازي عنتاب – عبد الوهاب عاصي
+A
حجم الخط
-A

من المرتقب أن يُجري الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان اجتماعاً ثنائياً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي نهاية أيلول الجاري، بغرض مناقشة القضايا المشتركة وفي مقدّمتها الملف السوري. 

وهذه هي المرة الثالثة التي يُناقش فيها الزعيمان الملف السوري منذ مطلع عام 2021، إذ سبق أن أجريا اتصالاً هاتفياً في 24 حزيران و5 أيار وتناولا عدداً من القضايا لا سيما التصعيد في محافظة إدلب. 

وتنعقد قمّة سوتشي تزامناً مع تصعيد غير مسبوق تشهده محافظة إدلب منذ توقيع مذكرة موسكو (2020)؛ حيث تشنّ روسيا اعتباراً من آذار الماضي هجمات عنيفة ومكثّفة عبر سلاح الجو والمدفعية على أهداف مدنية وطبية وعسكرية، بما طال عدداً من المواقع التابعة للقوات التركية في جبل الزاوية. 

منذ عام 2018 كان هناك اتجاه واضح من قبل الرئيسين التركي والروسي لاحتواء أي تصعيد في إدلب عبر الدبلوماسية الشخصية، نظراً لتمتع كل منهما بعلاقات جيدة أو القدرة على التوصّل لحلول مرضية أو غير مضرّة بالمصالح الفردية والمشتركة على حدّ سواء. 

وعادةً ما يتم اللجوء إلى الدبلوماسية الشخصية بين الرئيسين عند انسداد أفق التعاون أو التواصل بين الفرق الفنية والخبراء لكلا البلدين. 

وبالفعل، تأتي قمّة سوتشي بعد انعقاد مباحثات مشتركة بين تركيا وروسيا حول سورية على مستوى الخارجية في 3 آب و8 و30 حزيران، وعلى مستوى الدفاع في 25 آذار. تناول فيها الوفود من كلا الطرفين القضايا العسكرية والأمنية والإنسانية في إدلب. 

لم تُساهم المباحثات بين الخبراء في خفض التصعيد رغم التأكيد مراراً على عدم السماح لأيّة هجمات بإلحاق الضرر في حالة الاستقرار في المنطقة، إلّا أنّ إحالة الخلاف إلى المباحثات بين الرؤساء في سوتشي يؤشر إلى تآكل كبير تعرّض له نظام وقف إطلاق النار بما يستدعي التدخّل للحفاظ عليه بعد مرور قرابة سنة ونصف على التهدئة. 

أزمة ثقة: 

إنّ مصير التهدئة في إدلب بعد قمّة سوتشي لا يبدو مرتبطاً فقط بحرص تركيا وروسيا على استمرار العمل بالتفاهمات المشتركة وتجاوز الخلاف حول القضايا العسكرية والأمنية والإنسانية والاقتصادية خطوة بخطوة، بل بقدرة الرئيسين رجب طيّب أردوغان وفلاديمير بوتين على منع تقويض عملية بناء الثقة في مسار التعاون الثنائي. 

منذ مطلع عام 2021 أظهرت روسيا وتركيا رغبة متزايدة لتجاوز القنوات الدبلوماسية والأمنية والعسكرية لاحتواء الخلاف وتباين الرؤى حول تطبيق مذكّرات التفاهم شرق وغرب الفرات، حيث تم اللجوء إلى استخدام القوّة بشكل مستقل ومن دون تنسيق أكثر من مرّة. 

كان وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف واضحاً عندما عبّر في 9 أيلول الجاري عن أسفه لعدم تمكّن تركيا من استكمال تنفيذ الالتزامات الخاصّة بفصل المعارضة المعتدلة عن التنظيمات المصنّفة على قوائم الإرهاب وبشكل أساسي هيئة تحرير الشام، وأنّ روسيا قدّمت مقترحاً إلى تركيا عبر وزارة الدفاع للمساهمة في حل هذه القضية. 

هذا يعني أنّ روسيا ما تزال تُشكّك في نوايا تركيا نتيجة التباطؤ في تنفيذ التفاهمات المشتركة، وتستخدم هذه الثغرة كذريعة لشنّ هجمات عبر الأسلحة الجوية والصاروخية والمدفعية في إدلب وحلب. 

في الأصل، تريد روسيا أن يتم حلّ ملف مكافحة الإرهاب في إدلب عبر التنسيق المشترك مع تركيا لا مجرّد التنسيق المستقل الذي يقضي بتولي هذه الأخيرة مهمّة فصل المعارضة المعتدلة عن التنظيمات المصنّفة على قوائم الإرهاب وضمان عدم تنفيذها هجمات ضد مصالح روسيا الاستراتيجية في سوريا. 

يُمكن الاعتقاد أنّ مصدر مخاوف روسيا ليس التباطؤ في حسم ملف مكافحة الإرهاب فحسب، بل في استمرار تركيا بالتنسيق بهذا الملف بشكل مشترك لا مستقل مع الولايات المتحدة، والتي لا تتوقّف عن استهداف أفراد فرع تنظيم القاعدة في سوريا وآخرهم أبو البراء التونسي وأبو حمزة اليمني في 20 أيلول الجاري. 

كما أنّ قيام تركيا ومنذ 20 آب الماضي بشنّ غارات جوية على مواقع قوات سوريا الديمقراطية في شرق الفرات، يبدو أنّه تم من دون التنسيق مع روسيا. 

ليس من المستبعد أنّ قصف تركيا الكثيف لمواقع قوات سوريا الديمقراطية في شرق الفرات جاء بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لا سيما أنّ التحالف الدولي واين ماروتو أخلى مسؤولية هذا الأخير عن تلك الهجمات في 27 آب بعدما أصرّ على عدم علمهم بأي ضربات جوية قامت بها تركيا وأنّ مهام قوّات التحالف في سوريا مقتصرة على مكافحة تنظيم داعش. 

هذا التنسيق المحتمل بين الطرفين أو على الأقل عدم اعتراض الولايات المتحدة على أنشطة تركيا في شرق الفرات قد يكون مشروطاً باقتصاره على كوادر حزب العمال الكردستاني وبشكل مركّز ومحدود. وهو يعني أنّ تركيا لم تعد واثقة بقدرة أو رغبة روسيا على تطبيق بنود مذكّرة سوتشي (2019). 

إذ سبق أن بعثت تركيا رسالة احتجاج إلى روسيا بعدما قامت بنشاط يتعارض مع مبدأ حسن النوايا عندما أدخلت مدنيين إلى منطقة التماس شمال عين عيسى من دون التنسيق معها والذي يُشكّل خطراً على إحدى القواعد التابعة لتركيا بالقرب من قرية صيدا، مما استدعى شن عملية عسكرية محدودة من دون تنسيق مع روسيا لإعادة المنطقة خالية من المدنيين والسلاح. 

بالمقابل، قد تنظر روسيا إلى سلوك تركيا بكثير من الحذر نتيجة تركيز جهدها على شرق الفرات وإهمال غربه، مما يستدعي بالضرورة تسخين المنطقة واستخدام القوة بشكل مستقل ليس في إدلب فقط بل في مناطق عمليات غصن الزيتون ودرع الفرات. 

وبالفعل، قامت روسيا أكثر من مرة باستهداف منشآت طبيعة وعسكرية في عفرين كان آخرها قصف معسكر تابع للجبهة السورية للتحرير في 26 أيلول وقبلها معسكر لفيلق الشام في 2 من الشهر نفسه. 

هل ينهار وقف إطلاق النار في إدلب؟ 

تحتاج تركيا وروسيا إلى حلّ القضايا الخلافية أو تقليصها على أقل تقدير، والتي تتعلّق بمصير حركة التجارة والنقل على طريق M4، ومكافحة الإرهاب، والوجود العسكري التركي، وعودة اللاجئين. 

ومع أنّ تركيز روسيا سيكون منصباً على ضمان إقامة الممر الأمني الذي تم الاتفاق عليه بين الرئيسين رجب طيّب أردوغان وفلاديمير بوتين في 5 آذار 2020 لتأمين حركة التجارة والنقل على طريق حلب – اللاذقية، إلّا أنّ ذلك لن يمنعها من تقديم خارطة طريق جديدة لتحديد مصير المناطق الواقعة جنوب طريق M4. 

بعد تبني مجلس الأمن القرار 2585 (2021) فإنّ روسيا لن ترضى غالباً بأي تباطؤ أو عراقيل من شأنها تقويض أهدافها في تقليص حجم الأزمة الاقتصادية على النظام السوري، سواء بإعادة حركة التجارة والنقل على الطرق الدولية أو بتحويل آلية المساعدات الإنسانية إلى خطوط النزاع بدل الحدود، بما يؤدي لتركيز الكتل المالية لمشاريع التعافي المبكر في دمشق. 

إذاً، فعدا عن ضمان افتتاح المعابر التجارية والإنسانية وتشغيل طريق حلب – اللاذقية، فإنّ روسيا قد تُطالب بإفراغ مناطق جبل الزاوية وسهل الغاب من السلاح؛ وسبق لها أن دعت تركيا لسحب مواقعها العسكرية إلى شمال M4 خلال المفاوضات بين فرق الخبراء أواخر شباط 2020. 

لكن لا يوجد ما يدعو تركيا للموافقة على أي شروط إضافية ما لم يكن هناك مقابل تحصل عليه في شرق الفرات، مما يعني أنّ قمّة سوتشي لن تُقدّم بالضرورة مقترحات جديدة لضمان استمرار العمل بنظام وقف إطلاق النار، إنّما سيُركّز كلا الطرفين على تطبيق التفاهمات السابقة، بصرف النظر عن رفع سقف الشروط التي غالباً ما تهدف إلى الضغط لا التعطيل. 

في الواقع، إنّ روسيا ستكون حريصة على ضمان استمرار العمل المشترك في شرق الفرات مع تركيا، حتى لا تقوم هذه الأخير بأيّة خطوة قد تقوّض أهدافها في المنطقة التي عملت عليها منذ نهاية عام 2019. وما لم تضمن روسيا ذلك ستكون التهدئة في إدلب وغرب الفرات مؤقتة ومقترنة بتحقيق الأهداف الاقتصادية والأمنية، وإلا فإن روسيا قد تكون على استعداد أكثر من أي وقت مضى للتخلي عن مذكرات فك الاشتباك والتعاون مع تركيا وشن عمليات قتالية شاملة في أرياف إدلب وحلب.