قمامة إعلامية اسمها "انتصار الأسد"

2018.05.07 | 00:05 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يدور في جلسات المؤمنين بأهداف وعدالة الثورة السورية هذه الأيام حديثٌ مقلق لعمومهم، مزعج للمتفائلين منهم، ولكنه جزء من المسار بالنسبة للجدليين من بينهم، أي أولئك الذين يدركون أن صيرورة الثورة لا تتسق مع الأحلام والتمنيات دائماً، بل إنها تمضي في أغلب الأحيان في علاقة مماحكة وصراع مع الواقع!

قوام حديث القلق يتأتى من الحالة السيئة التي وصلت إليها الثورة، بعد تقدم النظام عسكرياً، وسعي أطراف دولية عديدة لإعادة تعويم النظام، إثر الدعم الروسي اللامحدود ميدانياً، والذي فرض على الفصائل المسلحة التقهقر في مناطق عديدة، والاضطرار للقبول بالمصالحات، وبالخروج نحو الشمال، وغير ذلك من التفاصيل التي بات تكرارها عبر وسائل الإعلام يوحي بأن الثورة هزمت وأن عهداً أسدياً جديداً قد بدأ في حكم سوريا، سيستمر تحت بصر وسمع العالم كله. 

على الجميع أن يشعروا الآن بالعبث، وأن تحاط حيواتهم باللاجدوى، هكذا يقول الناطقون بهذا الحديث، ويستتبعونه بالطلب ممن فاته الشعور باليأس أن يدمج الحالات معاً في صيغة راكدة واحدة، تؤدي في النهاية وبعد طول انتظار إلى الانتحار! 

وعلى صعيد الضخ الإعلامي، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك عبر وسائل الإعلام العربية، لا يقال للسوريين من الكلام سوى ما يحبطهم، ويدمر معنوياتهم، حيث تصبح الخسارات المتتالية للقوى المسلحة هي خسارات للثورة، وفق فرضية توافقت عليها غالبية المؤسسات الإعلامية العربية والدولية، حتى ظن الكل بأنها يقينية، ترى أن لا قوام للثورة في سوريا سوى السلاح، وتشطب عن سبق الإصرار الشق المدني السلمي الديموقراطي، الذي يجد تمثيله في التيار العريض الرافض لوجود الأسد على رأس السلطة، والمتمترس وراء ضرورة تغيير النظام بكل مافيه، وإعادة تشكيل مؤسسات الدولة السورية بمعزل عن تحكم القوى السياسية والميدانية.

ويقال أيضاً لأولئك الذين بقوا على عتبات التفاؤل بحركية مبهجة للتاريخ تؤدي إلى انتصار الثورات: لقد هُزمت ثورتكم، وآن أوان البدء بنعيها، فأنتم لم تعودوا تملكون ناصية الفعل، بعد أن دُمرت قوة الثورة المسلحة، أو تكاد، وها أنتم تشاهدون تساقط البلدات والقرى والمدن الصغيرة قبل الكبيرة بيد الجيش وحلفائه، من جهة أولى، وتسمعون عن انهيار المؤسسات السياسية للمعارضة وتشاهدون انكشاف المستور عنها وعن أفرادها، حيث تحولت إلى مؤسسات تتقابل تماماً مع مؤسسات النظام، تتماهى معها وتشبهها، وتصبح بديلاً عنها! فلماذا تكابرون؟

يصمتُ المتفائلون عن الرد على المشككين بحقيقة الانتصار الراسخة في عقولهم، مفضلين الانسحاب من هذه المواجهة غير المتكافئة

يصمتُ المتفائلون عن الرد على المشككين بحقيقة الانتصار الراسخة في عقولهم، مفضلين الانسحاب من هذه المواجهة غير المتكافئة، خاصة وأنهم يخوضون صراعاً مع أشرس مؤيدي النظام، المزودين بشعور عارم بنصر يتحقق بقوة البراميل المتفجرة والقصف الوحشي للطيران الروسي الذي استهدف المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام!

لكن الجدليين، وهم الفئة الأكثر تمحيصاً بالتفاصيل، والأقرب إلى فهم جوهر الصراع الحالي، على المستوى السوري الداخلي، وعلى المستوى الإقليمي والدولي، لا يلتفتون إلى الحديث المتعاظم الذي تم التفصيل فيه أعلاه، بل إنهم يقلبون صفحته، ويفككون محاولات جوقة النظام خلق أسطورة بائسة عن انتصاره، فيسألون سؤالاً يبدو جوهرياً هنا: من انتصر؟ وعلى من؟ وينطلقون من ضرورة النظر إلى ما جرى سابقاً وما سيجري لاحقاً عبر رؤية واقعية، ترى بأن سوريا القديمة التي حكمها الطغيان والاستبداد ولت إلى غير رجعة، وأن أي ترتيبات تخص هذه المرحلة هي مؤقتة طالما أن القوى الدولية والإقليمية باتت جزءاً من السياق، وأن صراع المصالح سيحول انتصار نظام الأسد إلى قمامة إعلامية، يتم استهلاكها في أحسن الأحوال من قبل مؤيديه في وسائله الإعلامية! 

وفي الوقت ذاته، لا يمكن إنهاء المعارضة حتى وإن خسرت الفصائل المسلحة، وتفككت بعض واجهاتها التمثيلية السياسية! فوجودها، وبغض النظر عن كونه واقع حال، يمثل ملايين السوريين، إلا أنه في الميزان السياسي، الذي تتبارى فيه الأوزان، لابد من إبقاء كتلتها راسخة، حتى وإن حاول الروس دق الأسافين فيها بغية بعثرتها من جديد.

هكذا يتضح ومن خلال تداول الوقائع وإعادة قراءتها، أنه من المبكر الحديث عن انتصار كاسح للنظام

هكذا يتضح ومن خلال تداول الوقائع وإعادة قراءتها، أنه من المبكر الحديث عن انتصار كاسح للنظام، يؤدي إلى قلب المزاج العام للثائرين ضده بشكل كامل! لقد مر على السوريين زمن أسوأ من هذا، هو زمن تأهيل بشار الأسد لتولي الحكم بدلاً عن أبيه، فقد كان هناك إجماعٌ على ضرورة الأمر، دون النظر إلى ما يريده السوريون آنذاك، وبالمقارنة بين هذه اللحظات وتلك، لا يبدو أن نظام الأسد قد انتصر في معركته ضد شعبه، بل إنه وفي أحسن أحواله مجرد بيدق يتم اللعب به في مواجهة قوى أخرى تمتلك بيادقها أيضاً، ولكن هل سلّم السوريون كشعب ثائر مصيرهم لأحد؟ لنفكر بالمسألة ولنرَ إلى أين سيذهب بنا المزاج!