قلق سوري على ضفاف البوسفور

2019.07.21 | 12:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

إسطنبول دولة في دولة. فمن ناحية المساحة تقارب دولة لبنان، ومن حيث عدد السكان تضاهي سوريا. وهي منتشرة على عدة بحار، وتشكل فضاء مفتوحاً على التعددية بشتى تجلياتها في التاريخ والجغرافيا، ولا يمكن للزائر إلا أن يشهق دهشة حين يدخلها كصلاة للسحر التي تتمتع وتمتاز به عن بقية مدن الكون.

وفي هذه الأيام  تنتاب أوساط السوريين في إسطنبول حالة من القلق، بسبب الإجراءات التي بدأتها السلطات الرسمية من أجل تنظيم الوجود السوري في هذه المدينة. ومرد ذلك أن هناك عمليات ترحيل سوف تطال كل المسجلين في قيود الإقامة بمدن أخرى، وانتقلوا إلى إسطنبول في صورة غير قانونية، وحسب تصريحات شبه رسمية فإن عدد المخالفين يصل إلى 150 ألفا من بين 550 ألف سوري يقيمون في إسطنبول من أصل ثلاثة ملايين ونصف المليون من السوريين الذين دخلوا إلى تركيا منذ بداية الثورة السورية عام 2011.

ويجري الحديث على وسائل التواصل عن بدء الإجراءات منذ أيام في المناطق ذات الحضور السوري الكثيف، وهناك حملات أمنية تقوم بها الأجهزة ترتكز في أغلبها على تدقيق أوراق الإقامة ورخص العمل، وما شابه ذلك. وحسب منشورات على فيسبوك فإن هناك أخطاء وتسرعاً وسوء تطبيق للإجراءات، منها ترحيل البعض ضد إرادتهم نحو سوريا، في حين أن القرارات واضحة وصريحة لإعادة اللاجئين إلى المدن المسجلين فيها فقط، الأمر الذي يطرح مشكلة بدوره، نظراً لخصوصية إسطنبول وما توفره للاجئين من مزايا على مستوى العمل الذي لا يتوافر للسوريين بسهولة في مدن أخرى.

وهنا تكمن العقدة الأساسية التي هي مربط الفرس، ويبدو من الصعب على أعداد كبيرة العودة إلى الولاية الأصلية التي صدرت منها بطاقة الحماية المؤقتة لأن هذا يعني التخلي عن الامتيازات التي حصلوا عليها في إسطنبول من قبيل العمل والدراسة والاستقرار. ومن يعود إلى الولاية الأصلية سوف يباشر حياته من جديد، وقد لا يجد عملاً. 

ليس هناك لجوء أو هجرة من دون مشكلات وتبعات، يتحملها البلد والمجتمع المستقبِل

وإزاء هذا الوضع المعقد يمكن تسجيل عدة ملاحظات. الأولى : هي أن الوجود السوري في تركيا بدأ يلقي بثقله الكبير على الدولة التركية التي تعاملت معه برحابة صدر لعدة سنوات، ولم تبد تجاهه أي قدر من التشدد، حتى أنها لم تطبق قانون التأشيرة إلا في وقت متأخر عام 2016، ولذا وصل عدد اللاجئين نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون، وهو رقم كبير جداً وفوق طاقة أي دولة مهما كانت إمكاناتها اللوجستية. والنقطة الثانية : هي أنه ليس هناك لجوء أو هجرة من دون مشكلات وتبعات، يتحملها البلد والمجتمع المستقبل، وهذه مسألة ملحوظة على مستوى عالمي.

ورغم قلة الفروقات بين المجتمعين السوري والتركي، فإن لكل منهما خصوصيته التي يمكن أن تلعب دوراً في تضخيم التداعيات السلبية. والنقطة الثالثة : هي أن ورقة اللاجئين السوريين صارت واحدة من أوراق العملية الانتخابية الداخلية في تركيا، ويستغلها البعض من أجل تسجيل أهداف في مرمى الحزب الحاكم، كونه يتحمل المسؤولية الأساسية عن ملف اللاجئين.

أما النقطة الرابعة : فهي ضرورة البحث عن حلول لقضية اللاجئين السوريين في تركيا، بما في ذلك المساعدة على اندماجهم في المجتمع. وهذه مسؤولية متعددة الأطراف ولا تقع على الدولة التركية وحدها. هناك قسط من المسؤولية تتحمله المؤسسات الدولية المعنية. ويقع القسط الآخر على الهيئات السورية التمثيلية التي تصدرت المشهد منذ بداية الثورة مثل الائتلاف السوري. وما لم يتوافق اللاجئ السوري مع القوانين التركية، فإنه سوف يلقي على كاهل الدولة التركية أعباء إضافية لا طاقة لها بها.

 وفي جميع الأحوال يبقى اللاجئ الطرف الضعيف في المعادلة، الأمر الذي يفرض معاملة خاصة تحترم إنسانيته، وتضعه فوق كل الحسابات.