icon
التغطية الحية

قضية المعتقلين السوريين.. ثمانية أعوام والموت مستمر

2019.03.15 | 19:03 دمشق

قضية المعتقلين هي قضية فوق تفاوضية وغير قابلة للتجزئة والتبادل (إنترنت)
تلفزيون سوريا - سعيد غزّول
+A
حجم الخط
-A

مضت ثمان سنوات من عمر الثورة السورية التي اندلعت في آذار عام 2011، ضد استبداد "نظام الأسد"، ودخلت عامها التاسع في ظل تحولات عسكرية وسياسية كبيرة غيّرت خريطة الصراع في سوريا، ولكنها لم تحرّك ساكناً في قضية المعتقلين، الغائب الحاضر في جميع المؤتمرات والمحادثات الدولية، والمعضلة الكبرى في القضية السورية.

كانت وما تزال قضية المعتقلين، مِن أكثر الملفات الشائكة التي لم تغب عن طاولات بحث الوضع السوري في جميع المؤتمرات والمحادثات الدولية وعلى رأسها "أستانا"، وحتى على مستوى مفاوضات "الهدن" و"المصالحات" المناطقية داخل سوريا، حيث تطرحه الفصائل العسكرية كـ شرط للتفاوض على "التسوية" واتفاقات "التهجير"، ولكن "نظام الأسد" يلتف على الأمر ويتحايل عليه بإطلاق سراح عدد قليل مِن الذين يعتقلهم حديثاً، لا مِن عشرات الآلاف القابعين في سجونه منذ سنوات، ويقضي العديد منهم تحت التعذيب.

ولم تستطع أية جهة دولية حتى الآن أن تحقّق تقدّماً في هذا الملف، أو أن تتمكّن مِن محاسبة المسؤولين عن عمليات الاعتقال والتعذيب داخل سجون "نظام الأسد"، التي وصُفت بأنها "مسالخ بشرية".

 

مراحل مرّت بها قضية المعتقلين السوريين
على مدار السنوات الثمانية الماضية التي غصّت سجون "نظام الأسد" بعشرات آلاف الثائرين ضدّه، مراحل عديدة مرّ بها ملف المعتقلين، بدأت بإرسال جامعة الدول العربية بعثة مراقبين بموجب القرار (7441 لـ عام 2011)، وكان أبرز أهداف القرار الإفراج عن جميع المعقلين، وباشرت البعثة أعمالها، مطلع الشهر الأول مِن عام 2012، وفشلت في إنجاز مهامها وانسحبت مِن سوريا.

بالتزامن مع البعثة العربية، صدر عن مجلس حقوق الإنسان (القرار  S/17/1  لـ عام 2011)، ويقضي بتشكيل لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، وتم التأكيد عليها بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (66/253)، قبل أن يُسرّب، عام 2014، أحد العساكر المنشقّين عن قوات "نظام الأسد" والذي اختار لقب "قيصر"، عشرات آلاف الصور لـ معتقلين تمت تصفيتهم بطريقة منظّمة وممنهجة في أفرع مخابرات النظام، بين أيلول 2011 وحتى آب 2013.

55  ألف صورة وثّقت مقتل 11 ألف معتقل "تحت التعذيب" في سجون ومعتقلات "نظام الأسد"، سرّبهم "قيصر"، إلّا أن العالم - رغم جعجعته الإنسانية - وقف عاجزاً دون تحريك ساكن أمام تلك الصور الشاهدة على مجازر النظام ومحارقه بحق الثائرين السوريين ضد استبداده وسطوة أجهزته القمعية، الذين طالبوا بحريتهم وكرامتهم التي سحقها "آل الأسد" على مدار نصف قرن.

وفي عام 2015، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا تحت عنوان "سجن صيدنايا - المسلخ البشري"، أثبتت فيه مقتل 13 ألف معتقل جرت تصفيتهم في "سجن صيدنايا" وأٌحرقت جثثهم بمحارق بشرية أنشأها "نظام الأسد" داخل السجن لإخفاء جرائمه، وأعقب التقرير، قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة (71/248 لـ عام 2016)، نصّ على تشكيل آلية دولية محايدة ومستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للمسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة المرتكبة في سوريا منذ آذار 2011.

المرحلة الأخطر التي مرّت بها قضية المعتقلين، هي تحويل القضية مِن مسار حقوقي وإنساني في محادثات "جنيف" إلى مسار سياسي وعسكري في "أستانا"

ولكن المرحلة الأخطر التي مرّت بها قضية المعتقلين، هي تحويل القضية مِن مسار حقوقي وإنساني في محادثات "جنيف" إلى مسار سياسي وعسكري في الجولة السابعة مِن مباحثات "أستانا" عام 2017، وأسردت حينها الهيئة السورية لـ فك الأسرى والمعتقلين تقريراً خاصاً تحت عنوان "قضية المعتقلين من محارق صيدنايا إلى محارق أستانا".

خلال السنوات الثمانية الماضية، أُجريت بعض الاتفاقيات السياسية التي ضمّت في بنودها بنداً يخص قضية المعتقلين مثل "اتفاقية المدن الأربعة (الزبداني - مضايا، كفريا - الفوعة)، اتفاقية إخلاء كفريا والفوعة"، إلا أن هذا البند، لم يكن أكثر مِن ذر الرماد في العيون، حتى إن "نظام الأسد" هو مَن كان يحدّد أسماء المعتقلين الذين يجب الإفراج عنهم، كما أن هذه الاتفاقيات تسبّبت باعتقال النظام لـ مئات الأهالي في مناطق سيطرته، قبل أشهر مِن تنفيذ الاتفاق، كي يفرج عنهم لاحقاً على أنهم مِن المعتقلين.

ولكن حسب ما يرى رئيس مجلس إدارة الهيئة السورية لـ فك الأسرى والمعتقلين المحامي (فهد الموسى)، فإن المرحلة الأشد خطورة في قضية المعتقلين، هي أن خلال السنوات التي مضت لم يتمكّن الائتلاف الوطني وهيئة المفاوضات العليا مِن إنشاء أي مؤسسة حقوقية متخصصة لمتابعة القضية، ولم يكن الأمر أكثر مِن مجرّد تكليف لأشخاص من دون إمكانيات، رغم ما تحتاجه هذه القضية مِن منظمات وعشرات الأشخاص لإنجاز مهامها، إلّا أن أهم ما تم تحقيقه في هذا الخصوص - وفق "الموسى" -، هو ما قام به مركز الدراسات القانونية برئاسة المحامي (أنور البني) وبالتعاون مع بعض المنظمات، مِن تحريك دعاوى جزائية أمام بعض المحاكم الأوروبية، ضد ضبّاط مخابرات النظام، الذين كانوا يشرفون على تصفية المعتقلين، وذلك بموجب الولاية القضائية العالمية التي تأخذ بها تلك الدول.

 

آخر التطورات في قضية المعتقلين

توصّلت الدول الضامنة لـ مسار "أستانا" (روسيا، إيران، تركيا) في جولتها السابعة، نهاية شهر تشرين الأول 2017، إلى ضرورة اتخاذ الأطراف المتصارعة في سوريا إجراءات لدعم الثقة فيما بينها بما فيها الإفراج عن المعتقلين والمحتجزين وتسليم جثث القتلى، بينما أقر البيان الختامي للجولة الثامنة، يوم 22 كانون الأول 2017، على تنظيم "مجموعة العمل الخاصة بالإفراج عن المعتقلين والمختطفين" وسمّتهم (المحتجزين رغم إرادتهم)، وتسليم الجثث، وتحديد هويات المفقودين سعياً لبناء الثقة بين الأطراف المتنازعة في سوريا، كما أقرت الدول الضامنة وثيقةً لـ حل قضية المعتقلين.

وحول "مجموعة العمل الخاصة" قال "الموسى" في تصريح خاص لـ موقع تلفزيون سوريا، إنه ومنذ إنشائها لم توضّح المجموعة أسس ومبادئ عملها وكيفية اختيار الأشخاص والمنظمات المشاركة بها، وما هي خطة عملها وكل ما نتج عنها حتى الآن هو إجراء عملية تبادل بين عشرة معتقلين وعشرة أسرى لـ"نظام الأسد"، أواخر العام المنصرم، وإجراء عملية تبادل بين 20 معتقلاً و20 أسيراً للنظام، مِن أصل مئات آلاف المعتقلين والمختفين قسرياً لدى "نظام الأسد"، حتى إنها لم توضّح آلية عملية التبادل، ولا معلومات تفصيلية عن المعتقلين الذين تم التبادل عليهم للتأكد فيما إذا كانوا معتقلين حقيقيين على خلفية الثورة، أم غير ذلك.

 

ماذا فعلت المعارضة في قضية المعتقلين، وما المطلوب منها؟

على الرغم مِن معركة السوريين الأساسية مع "نظام الأسد"هي معركة حقوقية، وخاصة لجهة قضية المعتقلين، يؤكّد "الموسى"، أن المعارضة السياسية لم تكترث لـ"مأسسة" هذه القضية الإنسانية وتقديم الدعم والتنسيق للمنظمات الحقوقية التي تعمل عليها، مشدّداً على ضرورة أن يعرف جمهور الثورة وذوو الضحايا والمعتقلين، كيف وأين ذهبت المبالغ الطائلة التي خُصّصت للقضايا الحقوقية ولقضية المعتقلين تحديداً، إن كان لدى الائتلاف الوطني أو وزارة العدل في الحكومة السورية المؤقتة أو هيئة التفاوض العليا، وعليها أن تشرح لماذا لم يتم تحقيق أي تقدّم في هذه القضية المهمة.

أمّا المعارضة العسكرية، فإنها - حسب "الموسى" -، لم تلقِ اهتماماً لقضية المعتقلين كقضية حقوقية لها تخصّصاتها، وأن جميع الفصائل العسكرية تعاملت مع المنظمات الحقوقية المتخصصة على مبدأ "إن لم تبايعني فأنت ضدي"، لافتاً أن أغلب صفقات التبادل الحقيقية كانت محدودة العدد، وتتم مِن قبل أشخاص متنفّذين في الفصيل، وغير مختصين، وتكون وفق مصالح شخصية وفصائلية.

وأضاف "الموسى"، أنه في بعض الأحيان كانت الفصائل تتلاعب بعواطف جمهور الثورة وتٌضمّن بعض اتفاقياتها بنداً خاصاً بالمعتقلين، للتغطية على الاتفاق الأساسي، وهذا البند كان يتسبّب باعتقال المزيد مِن أبناء الشعب السوري، لأن "نظام الأسد" وبموجب هذه الاتفاقيات كان هو مَن يحدد أسماء المعتقلين الذين سيفرج عنهم، فيعتقل أشخاصاً قبل فترة مِن تنفيذ الاتفاق ويسلّمهم بموجب تمثيلية أمام العالم وأمام الشعب السوري، لافتاً أن كل هذه الأخطاء تمت بقصد مِن المعارضة السياسية والعسكرية، لأنهم كانوا بعيدين عن العمل المؤسساتي والتخصصي الذي يخدم قضية المعتقلين كقضية حقوقية وإنسانية.

قضية المعتقلين هي قضية فوق تفاوضية وغير قابلة للتجزئة والتبادل

وسبق لـ(الهيئة السورية لـ فك الأسرى والمعتقلين) أن حذّرت في تقارير عدّة صادرة عنها، المعارضة سواء في مسار "جنيف" أو "أستانا"، مِن تحويل قضية المعتقلين إلى قضية تفاوضية تبادلية، لأن ذلك يجهضها مِن محتواها الحقوقي، مؤكّدين على أن قضية المعتقلين هي قضية فوق تفاوضية وغير قابلة للتجزئة والتبادل، ولا يمكن حلّها إلا مِن خلال تطبيق القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تُطالب "نظام الأسد" بإطلاق سراح جميع المعتقلين، وبيان مصير المختفين قسرياً، ومحاسبة ومحاكمة كافة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة بحق المعتقلين.

وبناء على ذلك شدّد "الموسى"، على أنه مِن الضروري أن تدعوا المعارضة إلى ورشة عمل تجمع كافة المنظمات الحقوقية المعنية والقوى السياسية والشخصيات الفاعلة في قضية المعتقلين، لتوحيد الجهود ووضع خطة وتوصيات استراتيجية وبناء فرق مِن المختصين، وتشكيل مسار إنساني لحل هذه القضية المهمة، مشيراً إلى أنه طلب ذلك مراراً مِن السيدة "أليس مفرج" مسؤولة ملف المعتقلين في هيئة التفاوض العليا، ولكن تم تجاهل هذه المطالب بـ"التسويف والمماطلة".

إلى ذلك، يرى "الموسى"، أنه على المعارضة الآن إعلان وقف كافة المسارات السياسية في جنيف وأستانا، ووقف المفاوضات، وتعليق العمل باللجنة الدستورية، وعدم حضور المؤتمرات الدولية لحين إطلاق سراح كافة المعتقلين وبيان مصير المختفين قسرياً، وأنه يجب عقد مؤتمر خاص يضم كافة المنظمات الحقوقية المعنية بقضية المعتقلين والأشخاص الفاعلين بهذه القضية، ووضع خطة وتوصيات وبناء فريق عمل لتشكيل مسار إنساني لمتابعة هذه القضية الإنسانية مع المنظمات الأممية، مِن أجل تنفيذ القرارات الدولية المعنية بهذا الخصوص وإحالة "بشار الأسد" وكافة المجرمين الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية ومحارق وإبادة جماعية بحق المعتقلين إلى محاكم محلية أو دولية للمحاسبة والمساءلة، وتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا والمعتقلين.

في ظل الصراع السياسي والعسكري المستمر بين "نظام الأسد" والمعارضة، ما زال آلاف السوريين يُطلقون صرخاتهم للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين وفكِ أسرِهم ووضع قضية المعتقلين على رأس مطالب الشعب السوري، ويخرجون في مظاهرات مِن أجل ذلك، وينظّمون وقفات احتجاجية في الداخل السوري ومعظم بلدان العالم، وسط حملات عديدة أطلقوها على مواقع التواصل الاجتماعي منها "المعتقلون أولاً" و"بدنا المعتقلين" و"أنقذوا البقية" و"أنقذوا معتقلي الحرية".

لقد ملأ "نظام الأسد" سجونه ومعتقلاته ومباني أجهزته وأفرعه الأمنية بمئات آلاف المعتقلين من الذين ثاروا ضد استبداده في آذار عام 2011، بعضهم مضى على اعتقاله سنوات وهم مجهولو المصير، في حين يموت العشرات منهم "تحت التعذيب" وانعدام الرعاية الصحية، لـ يبقى (ملف المعتقلين) مِن أهم الملفات التي يراهن عليها "نظام الأسد" في إضعاف الحاضنة الشعبية لـ معارضيه، بالتزامن مع إمعانه في العمل على قاعدة أنه باقٍ، وما سعيه في إعلانه خلال العام المنصرم، عن  آلاف مِن ضحايا التعذيب بأنهم توفوا بأسباب مرّضية، إلّا خطوة أولى لـ إنكار بقية الضحايا.