قضية الزواج أعقد من خاتم ذهبي أم فضي

2019.12.03 | 13:55 دمشق

khatm_zwaj.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد سنوات الجحيم السوري وما آلت إليه الحياة الاجتماعية والمعيشية لعامة الشعب، في أي مكان يعيش اليوم بعد أن شردته الحرب ووزعته على مناطق جغرافية كثيرة في الداخل السوري أو في الخارج، فإن المخيال الاجتماعي حول المرأة لم يكسر الصورة النمطية التي حاصرتها على مر العقود، فما زالت تقاليد وأعراف الزواج محاصرة أيضًا ضمن قوالب الأعراف والقيم والدين المتوارثة، وما زالت المرأة تتعامل وتُعامل مثلما لو أنها سلعة معروضة للبيع والمزاودات، والمؤلم بالأمر أن المرأة نفسها لم تحاول، أو لا تحاول، تكسير هذه القوالب، ولا زالت غالبية النساء متمسكة بموضوع المهر وطقوس الأفراح الدارجة، حتى لو تقلصت فضاءاتها، إنما لا بد من التباهي بتحقيقها حتى في حدّها الأدنى، الذي يحمّل الرجل، وأحيانًا المرأة أعباء إضافية للقيام بدور تنتهي وظيفته بانتهاء المناسبة حتى لو كانت لن تستغرق أكثر من ساعات معدودة، من بدلة العرس إلى تزيين العروس إلى تكاليف الاحتفال الذي ما زال يقوم على دعوة المعازيم وتأمين ضيافتهم مهما بلغت كلفتها، وكل هذه الطقوس صارت مكلفة للغاية في ظل الظروف المعيشية التي يعاني منها الغالبية الساحقة من السوريين، ومن ضمن هذه التكاليف أيضًا خاتم الزواج والمصاغ الذي على العريس أن يقدمه إلى عروسه.

صار سعر غرام الذهب يعادل مرتب شهر بكامله للموظف في سوريا، وهذا يعني أن العروسين عندما يقرران الزواج يلزمهما من أجل شراء خاتمين من الذهب مرتب ثمانية أشهر في الحد الأدنى إذا كان الخاتمان متواضعين، ومع هذا قليلات هن الفتيات اللاتي يقبلن بخاتم زواج من الفضة، وهذه القضية التي تبدو صغيرة قياسًا بالقضايا التي يسمونها الكبرى، إلا أنها مؤشر على تجذر مفاهيم يمكن تصنيفها على أنها بعيدة عن روح العصر بما تحمل من معاناة بالنسبة إلى الشعب السوري، في الوعي الجمعي، فهي دليل على أن الصورة النمطية للمرأة ما زالت هي الحاكم الفعلي والمؤثر في دورها ومكانتها ووظيفتها الاجتماعية، مهما ادعينا التقدم في مجال نصرة المرأة والمساواة في الحقوق وفسح المجال لكل أفراد المجتمع كي يساهموا بأدوارهم، كل بحسب كفاءته وإمكانياته، الصورة التي ما زالت المرأة عنصرًا فاعلاً في ترسيخها بتمسكها بتلك العادات والأعراف، ومن خلال هذا الدور وتمكنه من المرأة يمكن الاستدلال على مدى تمكن السلطان الاجتماعي من الوعي الجمعي والوجدان الجمعي.

إن تحطيم هذه الصورة النمطية للمرأة، والحمولة الثقافية بتقاليد وعادات الزواج المقيدة للرجل أيضًا بتحميله مسؤوليات فوق طاقته في ظل هذه الظروف، لا يمكن أن يتم من دون تفتيت الوعي الجمعي حولها ونشر ثقافة بديلة، وهذه مسؤولية النخب في كل المجالات، بالإضافة إلى تغيير القوانين الناظمة، قوانين الأحوال الشخصية، وهذا أمر لا يمكن تحقيقه إذا ما بقي الزواج على أساس ديني، كما في سوريا، فالزواج ديني لدى كل الأديان وبعض الطوائف التي تشكل الشعب السوري.

الزواج هو نوع من الشراكة الخاصة، لكنه في النهاية شراكة تقوم على متعاقدين، يجتمع فيها الروحي بالمادي بالمعنوي بالحياتي

الزواج هو نوع من الشراكة الخاصة، لكنه في النهاية شراكة تقوم على متعاقدين، يجتمع فيها الروحي بالمادي بالمعنوي بالحياتي، غايته تكوين أسرة والقيام برعايتها وتأمين معيشة أفرادها ومستقبل صغارها، والمرأة في عصرنا الحالي فاعل مهم في هذه الشراكة، فلقد نزلت إلى ميدان العمل وصارت مساهمة كالرجل في تأمين دخل الأسرة، ولابد من الإشارة إلى أن غالبية النساء لم تجتز عتبة الدور الاجتماعي والصورة النمطية المرسومين لها، فهي تعمل خارج البيت وتحقق دخلاً ماديًا، لكنها بقيت أعباء البيت في الداخل من نصيبها من دون مساعدة تذكر من قبل الزوج، وهذا مؤشر على تمكن الثقافة والعرف الاجتماعي في المجال العام وتأثيره في وعي الطرفين، إذ بقيت المرأة مستكينة راضخة لهذا الدور عند غالبية النساء، فهي مدانة بالدرجة الأولى فيما لو تم كسر هذا النموذج من الشراكة واستدعاء الرجل ليقوم بأعبائه الأسرية بعيدًا عن تقسيم الأدوار القائم على التمييز الجندري.

المشوار طويل ومحفوف بالمخاطر والعقبات والتحديات، يلزمه دعم على المستوى الحكومي وعلى مستوى النخب الثقافية، ومن أهم العقبات التي يمكن أن تعترض هذه الرحلة الطويلة هي موقف رجال الدين، إذ يجب العمل على استمالة رجال الدين نحو فضاء أرحب ونقاش الأمر على أساس المساواة التي يقرها الدستور وتوصي بها الأديان بعناوين عريضة تحت مبدأ إكرام الإنسان، وإكرام المرأة بحد ذاتها.

لا يمكن تجاوز هذه التفاصيل التي صارت عبئًا فوق احتمال غالبية الشباب المقبلين على الزواج، وحتى إنها تشكل عبئًا على الفتيات المقبلات على الزواج، فتمسكهن بهذه المعايير لا يؤثر على مكانتهن الإنسانية فقط بحبسهن ضمن قالب السلعة المعروضة لبيع كيانها ووجودها وكرامتها، وإنما يجعل فرص الزواج أمامهن قليلة ومحدودة في ظل ظروف كهذه، وبناء عليه فإن موضوع طرح قضية خاتم الزواج الفضي بدلاً من الذهبي يصبح أمرًا ثانويًا، فالمصاغ أو الشبكة كما يسمى في بعض الدول ليس هو معيار قيمة المرأة، ولا الضامن لمستقبلها، ولا الواعد بحياة كريمة تليق بالمستوى المالي الذي تم تقويمها به وقت الزواج، الضامن الأكبر هو الشراكة المبنية على الأسس الواضحة التي عمادها المساواة والتعاون في تأسيس الحياة الأسرية، فمشوار هذا البناء طويل ومتطلب، ولا يمكن أن يقوم بشكل متين ومتوازن في ظل إهدار حقوق أحد الشريكين أو استغلال جهده وعمله وإنتاجه في سبيل خدمة هذه المؤسسة.

من اللافت للنظر ردود شريحة واسعة من مشتركي صفحات التواصل على طرح هذا السؤال: هل تقبلين بخاتم زواج فضي؟ فأغلبهن كن يشهرن قبولهن لأن ما يميز الرجل أخلاقه قبل كل شيء، هذا الرد الضبابي هو نتيجة مزاج عام متمكن من وجدان الناس، المزاج الذي يجنح إلى تبني مقولات وشعارات من دون وعي كامل بمفاهيمها، فما هي الأخلاق التي يمكن الحكم بموجبها بأن الشاب ذو أخلاق قويمة؟ وما هي مروحة الأخلاق الفاعلة في هذا الوقت الذي تأثرت فيه منظومة القيم والأخلاق أكثر من غيرها في ظل الحرب، والقحط الذي دفع الناس للعيش فيه؟ هذه الشعارات العريضة والعناوين المطاطة لا يمكن الركون إليها من أجل إحداث أي تغيير، فالإقناع يكون بالنقاش والحجة والبرهان، لذلك فإن هذه الردود لا يمكن اعتبارها قاعدة بيانات يمكن البناء عليها، المطلوب شغل حثيث علمي قائم على العقل، يفتح أبوابًا لدخول العصر ويضع الأفراد كلهم في خانة واحدة، مواطن له الحقوق الإنسانية وعليه الواجبات بالتساوي وبالتالي فإن الزواج يكون قائمًا أيضًا على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات. هذا ما يسمى بالزواج المدني، المرفوض عند معظم فئات الشعب.

كلمات مفتاحية