استطاعت المرأة السورية في بلاد اللجوء دخول مختلف قطاعات العمل وأن تحقق نجاحات في سوق العمل، ومنها قطاع السياحة، حيث نشطت العديد من اللاجئات السوريات بتركيا في تنظيم الرحلات السياحية المحدودة والرخيصة لزبائن سوريين وعرب.
يعتبر العمل في تنظيم "كروبات سياحية" في المواقع التركية لا سيما حول إسطنبول وأزمير وطرابزون، عملا خاصا لا يتطلب انتظار طلبات التوظيف وخوض مسابقات، عبارة عن فكرة اقتصادية تنفذ من دون الارتباط بساعات دوام أو الخروج من البيت كل يوم، ما ساعد النساء على تأمين دخل وعمل يساعدهن على المعيشة في ظل الغلاء والتضخم.
ومع تعافي الأسواق بعد انحسار أزمة وباء كورونا وعودة النشاط الاقتصادي وبالتزامن مع فصل الصيف، يزدهر سوق الكروبات العائلية للتنزه في المناظر الطبيعية في تركيا.
كما يشكل هذا العمل فرصة للعائلات السورية، ذات الدخل المحدود، في الحصول على رحلة سياحية بأسعار رمزية وأجواء اجتماعية تناسبهم.
رشا طرابلسية، امرأة سورية، لديها تجربة لافتة في مجال تنظيم "الكروبات" السياحية، بعدما اضطرت للجوء إلى تركيا هرباً من الحرب في سوريا.
صعوبات اللجوء
تقول رشا، توقفت عن متابعة دراستي في كلية الحقوق بعد اندلاع الثورة السورية وانخراطي بالعمل الثوري، ومع تصاعد الأحداث اضطررت لترك مدينتي اللاذقية واللجوء إلى تركيا، وبعد رحلة خروج مرهقة بين المخيمات والحدود استقريت في مدينة أنطاكيا التركية.
على مدى ثلاث سنوات، لم تحظ رشا على فرصة عمل تعيلها، بسبب عدم إكمال دراستها وعدم إلمامها باللغة التركية.
وتضيف رشا "في هذه الفترة كانت أمي تفرض علينا حصارا خوفاً من التعرض لأي أذى، ولأني لم أتعود البقاء في المنزل دون عمل أو دراسة عمدت إلى التطوع بجمعية رعاية أيتام، وخضت العديد من الدورات التدريبية للمجتمع المدني في غازي عنتاب، ما ساعدني على تكوين صداقات واسعة في محيط السوريين".
فكرة "الكروبات" السياحية
فكرة العمل في قطاع السياحة، بدأت عندما كانت رشا في إحدى ورشات التدريب واقترح أحد زملائها إنشاء "مجموعة واتساب" لتنظيم رحلة سياحية داخل تركيا، نظراً لأنها الشخصية الأكثر شعبية ولديها معارف وأصدقاء داخل المنظمة، وفقاً لحديثها لموقع "تلفزيون سوريا".
تقول رشا، بالفعل نظمت يومها رحلة "ناجحة" كان فيها 22 شخصا من الزملاء، وبعدها توالت الرحلات والطلبات لأن أنظم هذه الفعاليات وأصبحت أحقق دخلا ماليا بسيطا في البداية.
وتضيف، مع استمرار اتساع دائرة المعارف عبر الرحلات قررت إنشاء مجموعة على الفيسبوك لتسيير الرحلات السياحية، بدأت بما يقارب الخمسين شخصا، اليوم بعد مرور أربع سنوات على إنشائها بلغ عدد الأعضاء ثمانية آلاف عضو.
وتتابع رشا حديثها، بعد تأسيس المجموعة بدأت بنشر إعلانات عن رحلات سياحية نسائية بأسعار رمزية وانطلق قطار مهنة لم أكن أخطط لها وهي اليوم مصدر رزقي.
المشروع الصغير يكبر.. وثقة الزبون أساس النجاح
اتسع العمل الذي كان لا يتطلب موظفين سوى علاقات شخصية وسمعة في أوساط السوريين المحيطين بها، إلى عمل منظم يتطلب فريقا وتعاقدا مع شركات نقل ومنتجعات سياحية ومتابعة الترويج والإعلانات.
تقول رشا، في البداية تعاملت مع أكثر من شركة نقل وفي كل مرة يبدر من الشركة تصرف سيئ، أوقف التعامل معها بشكل كامل إلى أن استقر رأيي على أفضل شركات النقل، واعتمدتها بشكل ثابت الأمر ولد ثقة كبيرة جداً لدرجة أن القائمين على شركة النقل قد ينوبون عني عندما أغيب عن قيادة "الكروب السياحي".
وتضيف، هذا الأمر جعل أمور العمل تستقر، لا سيما بالاعتماد على السائقين الأكفاء واللطفاء الحريصين على توفير الأمان للكروب، فضلاً عن عدم التهاون مع أي مشتركة في الكروب (إحدى الزبائن) في حال بدر منها تصرف مسيئ تجاه باقي المشتركات، الأمر الذي أعطى سمعة عالية للعمل.
وتتابع رشا حديثها، في البدايات كنا نسيّر حافلة ركاب واحدة في الرحلة، ومن ثم توسع العمل تدريجياً وأصبحت الحافلة حافلتين، ثم أكثر ووصل العدد في بعض الأحيان إلى سبع حافلات، كما لأن الرحلات لم تعد تقتصر على السيدات، بل أضفت رحلات عائلية، حتى في أثناء أزمة انتشار وباء كورونا لم نتوقف، تابعنا ضمن شروط الحظر والإجراءات الاحترازية.
وبحسب رشا، إتقان العمل والحرص على ثقة الزبون وراحته مفاتيح قادتها إلى استقطاب الجنسيات العربية والأجنبية وليس العائلات السورية فقط.
كما لم يقتصر عمل رشا على رحلات الصيف، فقد خاضت هذا الشتاء غمار الرحلات السياحية الشتوية إلى مناطق الثلوج وفعاليات التزلج وغيرها، على حد قولها.
الصعوبات والتحديات
لم يخل مشوار النجاح من صعوبات واجهت رشا، وأولى هذه التحديات كانت لكونها امرأة تفرض عليها قيود المجتمع المحافظ.
وتقول رشا أكثر ما عانيت منه في بداية المشروع كامرأة سورية، الهجوم الكبير، خاصة من الذكوريين، من تنمر وافتراء.
وتوضح، كنت أتعرض أحياناً لهجوم إلكتروني على أي إعلان لرحلة سياحية أضعه في المجموعة الخاصة بي بزعم أن سوريا تحت الحرب والناس هناك تقتل وتموت جوعاً، زاعمين أنني لا أهتم إلا لنفسي.
وتضيف، البعض راح يتهمني بالفساد وتجارة الأعضاء، وكثير من التهم التي تلقى جزافاً لتحطم معنوياتي إلا أنني كنت واثقة من نفسي ولم أكترث لأي من هذه الشائعات، فضلاً عن التنافس الاحتكاري من قبل الشركات السياحية.
لم تستطع رشا ترخيص شركة سياحية باسمها في تركيا، رغم كثافة حجم العمل، بسبب الكلفة المادية العالية والبيروقراطية التركية.
تقول رشا طموحاتي كبيرة جداً فالفكرة التي أتت من محض الصدفة بات عملاً ومصدر رزق،
ببساطة طموحي يمتد لشركة سياحة عالمية، هكذا ختمت حديثها رشا طرابلسية.