قصة الطبل والزمر

2021.09.11 | 06:11 دمشق

unnamed.jpg
+A
حجم الخط
-A

اخترع أحد المقاتلين الأبطال سلاحا جديدا: هو الطبل، فخُلعت على المقاتل خلعة سنية، وخُلع عليه أيضا، لقب فارس الفرسان، ونال جوائز كبيرة وأوسمة. ثم غار منه مقاتل آخر، وكان يعبث بعيدان قصب السكر، فاخترع المزمار ونال جائزة مشابهة لجائزة مخترع الطبل فتدفقت عليهما الألقاب والأوسمة.

وعلا شأن الإمبراطورية وبلغت السؤدد والمجد، وأثبت السلاح الجديد فعالية ضد الحيوانات المتوحشة كلها، إلا الأفعى، إلى أن اكتشف فارس الفرسان، نفسه، سلاحا آخر، هو المزمار، يجعل الأفاعي ترقص، فكفّ آذاها عن الإمبراطورية، فصار الطبل والمزمار بالنسبة للإمبراطورية سيفا وترسا، وشعارا وختما.

وفي مرحلة "حضارية" تالية، أثبت السلاح فعالية ضد الأعداء، لمدة. فكلما طمع فيها عدو، حملوا طبولهم ودقّوا عليه دقا عنيفا، تنخلع قلوب الأعداء له، لاعتقادهم أنّ الآلهة غاضبة. حتى إن الحوت عندما يبلع القمر فيما يسميه المعاصرون الخسوف، كان يسمع الطبول المدويّة، فيتقيأ القمر ويفرّ مذعورا.

كثرت أنواع الطبول صغيرة وكبيرة، طبول لها عنق الجرة وطبول له عنق البجعة وصار لكل مقاتل طبله

سعدت الإمبراطورية وجنودها بسلاحها "النووي" الخطير واحتفلت به. وتطور فن الموسيقا والغناء وتعلّم جنودهم المقامات، والألحان والإيقاعات والأصوات والقدود والمواويل. وأنواع كثيرة من الدبكة أشهرها؛ دبكة خطوة إلى الأمام عشرة إلى الخلف، ودبكة المشي الأعرج، ودبكة تنكيس الرؤوس ورفع الأقدام، ورقصة الخصر المجنون ورقصة المحصور.

كثرت أنواع الطبول صغيرة وكبيرة، طبول لها عنق الجرة وطبول له عنق البجعة وصار لكل مقاتل طبله. أمسى الفرسان يتبارزون في حومة الميدان بالطبول، والمحارب، الهدّاف، البارع، المقدام، هو الذي يسدّد طبله أو مزماره، على دريئة الخصر، فيجعل الصديق والخصم يهتزّ، من "الإصابة" طربا.

فارس مخترع الطبل عمل دورة تدريبية لكل الفرسان، من أجل إتقان استعمال هذين السلاحين الخطيرين. وحذّرهم من سلوك حربي خطير: الطبل والزمر قبل المعركة ولكن دون دبكة، الدبكة والرقص بعد الانتصار. هذه قاعدة أولى. والقاعدة الثانية: أنَّ الطبل والمزمار لا يغنيان عن السيف والترس، فالطبل والزمر تكتيكيان لا استراتيجيان.

هزم أبطال الطبل والزمر أعداءهم في أول معركة بعد اختراعهما، فقد ظنّ العدو أنّ الآلهة مختبئة في الطبل، وتذكروا الرعود، فلاذوا بالفرار وولوا الأدبار تاركين خلفهم كثيرا من الغنائم. في المعركة الثانية، تعود المطبّلون المزمِّرون الإيقاعات، خصورهم المدمنة على الأنغام، لم تستطع الصمود أمام طرب الألحان، فرقصوا في المعركة، وخانوا وصية فارس الفرسان محتفلين بالنصر قبل وقوعه. انتبه الأعداء إلى هذا الخلل الحربي الخطير، فتشجعوا وهجموا على الطبول وضربوها بالسهام والحراب، ففوجئوا بهشاشتها وسهولة خرقها!  فتعطلت وخرست، وتبيّنوا أن الآلهة التي في داخلها، قابلة للإسكات والدحر! وكسّروا المزامير، اتضح لهم أنها عصي من قصب السكر المنخور!

اختل ميزان القوى. وصار العتاد المتقابل في المعسكرين المتضادين: السيف والترس في مواجهة الطبل والمزمار، فانهزمت إمبراطورية الطبل والزمر هزائم نكراء.

صدر فرمان إمبراطوري بضرورة الرقص بعد الهزيمة! وكانت هذه هي الخيانة الثانية والقاتلة لنصيحة فارس الفرسان

عاد المطبّلون المزمّرون إلى ديارهم مهزومين مدحورين. وتذكروا نصيحة فارس الفرسان التي خانوها فاصبحوا على ما فعلوا نادمين. ولكن ثمة مفاجأة كانت بانتظارهم. فقد صدر فرمان إمبراطوري بضرورة الرقص بعد الهزيمة! وكانت هذه هي الخيانة الثانية والقاتلة لنصيحة فارس الفرسان، وتذّرع الساسة بهذه الذريعة مبررين: أن إنكار الهزيمة والابتسام للعدو، قلب للهزيمة إلى نصر؟! فرقص المقاتلون ودبكوا ودربكوا على الطبول، من ليل الهزيمة حتى صباح الآن، فتقلصت مساحة البلاد من كثرة الفتوحات والانتصارات فلم يبق منها سوى مساحة تعادل طبل، والغريب أنّ قائد الأعداء أمر بالإبقاء عليها، في لفتة "حضارية"، ليس حفظا لتراث إنساني، وموسيقي وإنما ليتذكروا انتصاراتهم، ويتندروا عليها في سهراتهم الحافلة بالطرب والرقص.

كلمات مفتاحية