"قسد" والعودة الميمونة إلى الأسد

2018.07.30 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ربما يقود العنوان إلى فهم خاطئ، يتلخص بأنَّ ( قسد) وجميع تشكيلات العمال الكردستاني العاملة في سورية كانت خارج فلك النظام السوري، والآن فقط تعود إليه، والحقيقة ليست هكذا تماماً، فالعمال الكردستاني في سورية بدأ نشاطه مجدداً مع بدء الثورة السورية بإيعاز من النظام السوري، وقبل عسكرة الثورة، وقبل سيطرة المعارضة السورية المسلحة على أي شبر في سورية. والنظام السوري أشرف على دعم القوات الكردية وتدريبها.

النظام السوري كان قد بدأ بسحب قطعاته العسكرية من شرق سورية في مرحلة مبكرة وترك المهمة للقوات الكردية، وكانت طائرات النظام تساند القوات الكردية في العديد من المعارك على الأرض التي تستهدف المعارضة السورية أو القوى المدنية التي تقاوم تقدم القوات الكردية كما حدث في تل تمر وتل براك مثلاً، وبقي هذا الدعم والإسناد الجوي مستمراً حتى نهاية عام 2015م.

كانت المواجهات غالباً ما تنتهي بهدنة أو اتفاق أمني وإعادة الأمور على ما كانت عليه، أو تسليم النظام لمزيد من الأحياء والمنشآت للقوات الكردية. 

التطور الذي حصل مع بدء القوات الأمريكية حربها المعلنة ضدّ داعش، عبر استخدام القوات الكردية لذلك الغرض، ثم تغيير اسمها ليكون قوات سورية الديمقراطية ( قسد)، كان قد جعل القوات الكردية تشعر بالقوة، لذلك بدأت مظاهر التوتر تظهر بين القوات الكردية وقوات النظام في بعض المناطق كالحسكة، وكانت المواجهات غالباً ما تنتهي بهدنة أو اتفاق أمني وإعادة الأمور على ما كانت عليه، أو تسليم النظام لمزيد من الأحياء والمنشآت للقوات الكردية. وقد بلغت التوترات بين النظام والقوات الكردية ذروتها في شهر نيسان/أبريل 2016 حين استخدام النظام لأول مرة أسلحة ثقيلة لقصف مواقع للقوات الكردية في القامشلي، وفي آب / أغسطس 2016 كانت القوات الأمريكية قد أعلنت عن فرض حظر على الطيران العسكري التابع للنظام السوري ومنعه من الاقتراب من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات قسد، ومنذ ذلك الوقت لم يحلق الطيران العسكري للنظام السوري فوق أي من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات قسد.

كانت هذه الأحداث بمثابة وضع حدود من قبل الأمريكان للعلاقة بين النظام والقوات الكردية، مع إبقاء وجود محدود للنظام في مناطق سيطرة القوات الكردية، كالمربعات الأمنية في كل من الحسكة والقامشلي، ومطار القامشلي الدولي، والفروع الأمنية والعسكرية وكذلك مقار حزب البعث، إضافة إلى المحاكم والدوائر الحكومية ومقار التجنيد والهجرة وغيرها.

مفاوضات مسد في دمشق

بدعوة من النظام السوري، توجه وفد من مجلس سورية الديمقراطية (مسد) التابع لمنظومة العمال الكردستاني إلى دمشق لإجراء مفاوضات تم عقدها بالفعل في دمشق في 26 تموز/ يوليو الجاري، حيث جرى التمهيد لها قبل  أسابيع عبر تصريحات مسؤولي الإدارة الذاتية بعد عقد اتفاقية منبج بين الأمريكان والأتراك، إذ كان مسؤولو القوات الكردية يكررون مراراً استعدادهم للمفاوضات بدون أي شروط مسبقة مع النظام. كما أكدت جميع البيانات اللاحقة الصادرة عن " مسد" أو " قسد" وتصريحات المسؤولين في ما يسمى الإدارة الذاتية، على دعوة تصالحية مع النظام، وبدأت بإزالة صور وأعلام وشعارات القوات الكردية ورموزها من الشوارع، وبدأت التمهيد لعودة النظام و سيطرته على المناطق الخاضعة تحت سيطرته.

وحول نتائج المفاوضات، صرّح رياض درار الرئيس المشترك لما يسمى مجلس سورية الديمقراطية (مسد) لقناة  للجزيرة بأنهم سيقومون بإعادة المناطق التي تقع تحت سيطرة مسد إلى النظام، وأن المفاوضات مع النظام تناولت لامركزية الحكم في سورية، وقد أصدر مجلس سورية الديمقراطية بياناً في 28 تموز/يوليو عن نتائج المفاوضات، ومما جاء فيه:  "أسفر هذا الاجتماع عن اتخاذ قرارات بتشكيل لجان على مختلف المستويات لتطوير الحوار والمفاوضات وصولا إلى وضع نهاية للعنف والحرب التي أنهكت الشعب والمجتمع السوري من جهة ورسم خارطة طريق تقود إلى سورية ديمقراطية لامركزية".

علماً بأن التصريحات التي سبقت المفاوضات متناقضة تمامأً مع البيان الذي أعقب المفاوضات، حيث كان رياض درار قد صرح قبل المفاوضات، بأنها ستتناول الجوانب المدنية والخدمية ولن يتم التطرق خلالها إلى أي شأن سياسي أو أمني. 

ماذا يريد الأكراد من صفقتهم مع النظام؟

لا يجب التقليل من ثقل قسد، وبنفس الوقت علينا أيضاً أن لا نضخم من قدراتها، فقسد بدون غطاء وقوة تحميها وتؤمن لها الأسلحة والمعدات والغطاء الجوي ستنتهي خلال ساعات.

لا يجب التقليل من ثقل قسد، وبنفس الوقت علينا أيضاً أن لا نضخم من قدراتها، فقسد بدون غطاء وقوة تحميها وتؤمن لها الأسلحة والمعدات والغطاء الجوي ستنتهي خلال ساعات، وقسد باتت تدرك بأن أميركا مستعدة للتخلي عنهم بأي لحظة، فقد امتنع الأمريكان عن تسليمهم دبابات حتى في إطار الحرب ضدّ داعش، كما قام الأمريكان باستعادة جميع سيارات النقل العسكري المصفحة من نوع "الهمر"، ولم تقدم لهم أي دعم أو أسلحة نوعية في معركة عفرين. هذا كله دفعم وعلى ما يبدو برضى الولايات المتحدة الأمريكية لأن يقوموا بالتواصل مع النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران، وكذلك تلقى تحركاته دعماً أمريكياً إسرائيلياً كما اتضح في المعركة في حوران، وبالتالي لا مزيد من الخيارات أمام قسد، فهم بالنهاية يحاولون الحصول على مكاسب من النظام السوري وهم في أوج قوتهم، قبل أن يزداد ضعفهم ويزداد ابتزاز النظام لهم، لكن في كل الأحوال حسم جماعة العمال الكردستاني في سورية أمرهم تجاه التحالف مجدداً مع النظام، وتتقاطع مصالح الجانبين في محاربة القوات التركية والمعارضة السورية في مناطق شمال سورية الواقعة غرب الفرات.

لا ندري إلى أي حد سيكون من الممكن أن يتم إشعال جبهة الشمال السوري ومحاربة القوات التركية هناك، لكن الأكيد أن النظام لن يقوم بمواجهة عسكرية مباشرة مع الأتراك، وأقصى ما سيقوم النظام به في المرحلة القادمة سيتلخص في جعل قوات قسد رأس حربة، مع ميليشيات ارتزاقية أخرى، يتم تزويدها بأسلحة نوعية لضرب القوات المشتركة التركية والمعارضة السورية في الشمال السوري، وسيكون ذلك بمباركة كل من روسيا والغرب وإسرائيل أيضاً.