قراءة في رواية "عرب 2011"

2023.06.01 | 18:59 دمشق

قراءة في رواية "عرب 2011"
+A
حجم الخط
-A

ما زال الشباب السوري يناضل من أجل تحقيق أهدافهِ وطموحاته رغم كل المآسي المحيطة به في الداخل السوري وفي دول الجوار أو دول اللجوء.

إصدارات جديدة دائمة في عدد من مجالات الحياة، ونحن اليوم في صدد إصدار أدبي جديد للكاتب السوري مصطفى المفتي، والذي استطاع رغم ضيق الوقت وشح الفرص أن يبني لنفسه اسماً في عالم الأدب والروايات، من خلال إصدارات متتالية.

ففي عام 2021 استطاع الحصول على المركز الأول مع روايته الأولى، والتي حملت عنوان "قمر"، ثم تلاها في العام الفائت بمجموعة قصصية تضم نحو ثمان وعشرين قصة مختلفة الموضوع ولكنها تصب جميعها في الأدب الساخر.

ونحن الآن في صدد الإعلان عن روايته الجديدة، وليدة هذا الشهر والتي تحمل عنوان "عرب2011".

حاول الكاتب من خلال هذه الرواية الوصول لهدف محدد وغاية مفادها أن النظام السوري طحن شعبه دون النظر إلى مبادئه، كما كتب في إحدى صفحات روايته الجديدة:

(الوطن لا يفرق بين عدّوٍ وصديق، لا يفرق بين أحبّائه وكارهيه، ولا يفرق بين مؤيد ومعارض، ولا بين ذليلٍ في سجونهِ أو عزيز خارج أسواره، تبين لي أنّ الوطن يطحن الجميع ويقتل الجميع شرطاً أن نكون أحد أبنائه).

ومن خلال البحث بين طيات الرواية، يتبين لنا أنها تحمل ثلاثة محاور أساسية، تتمركز حول مدونة أنشأها بطل الرواية مع صديق له، فقد ذكر الكاتب على لسان بطل الرواية يزن، أنه قام بإنشاء مدونة إلكترونية لتوثيق الأحداث والمجازر التي يحاول الإعلام طمسها لأسباب عدة، وقد فصّل  ضمن صفحات روايته الجديدة ستة عناوين تحت عنوان "مدونة عرب2011" ثم يسرد لنا الحادثة، ومنها ذكر مجزرة الجورة والقصور في دير الزور، ومجزرة نهر قويق في حلب، وعن هجرة الشباب براً كتب لنا رحلات الموت، ولم ينس المعتقلين حين سرد لنا قصة أحد المعتقلين على لسان اخته منال الرفاعي، وتطرق أيضاً إلى الطوابير التي غزت دمشق الحبيبة عبر مقال مدينة الطوابير، وأخيراً كتب عن اغتيال الحقيقة، والتي يقصد فيها اغتيال الصحفية الشابة حلا بركات وأمها المعارضة الناشطة عروبة بركات.

واعتقد من خلال قراءتي لروايته أنه يشكك في اعترافات القاتل ويتهم النظام مباشرة في اغتيالها.

أما المحور الثاني فيتجلى حول قصة الشاب وائل وهجرته البرية إلى أوروبا، واستطاعته الوصول رغم محاولاته الثمانية، وقد جاء في روايته على لسان البطل وائل.

(وقف حسين عند رأسه ورفع يديه مكبراً للجنازة، رأيت حنّا وشادي يصليان لله بجانب فرهاد، ورأيت علي يقف بجانبي دون أن يكتتف للصلاة، رأيت وطني القديم عند موت فرهاد).

وفي محورها الثالث جاءت قصة الشاب ياسين المؤيد للنظام السوري والذي يعيش في إسطنبول لأسباب اقتصادية، لكنه يقع في فخ النظام حين يجبره النظام على العمل معه كمخبر في إسطنبول، ومن خلال هذه المهمة التي أوكلت له غصباً، رأى النظام بوجهه الحقيقي، فقد ذكر الكاتب على لسان البطل ياسين:

(أتدرين يا أمي، هنالك سؤال يُهشّمُ كلُّ شيء فيني، ولا جواب يسعفني، ماذا سيحدث لو تحوّلت أسرّتنا لأحضان من نحب، وصدورهم باتت وسائدنا، ماذا سيحدث لو غفونا آمنين؟

كثيرة هي أسئلتي، تخيلي يا أمي..

بات كلّ شيء حولي سؤال، وكلّ شيء مجهول، ولا حضناً أختبئ فيه.

كبرت كثيراً يا أمي، لكنّي كبرت بصورة مضحكة.

تخيلي أني صرتُ مُخبِراً، شيء مضحك أليس كذلك؟

حين قلتِ لي مرّة: لماذا اخترت العلوم السياسة، أتذكرين ما قلتُ لكِ؟

قلتُ حينها: لعلّي أصبح يوماً دبلوماسياً عادلاً يكسر الشكل المطبوع في ذهن الناس عن السياسيين.

ضحكتِ يومها وقلتِ: والله لن تصبح سوى أستاذ للقومية بأقصى أحلامك.

 ليتني صرتُ يا أمي، هي لا تفرق كثيراً، لكنهم صيّروني مخبراً).

وقد أوضح الكاتب في كلمة الغلاف مخاوفه من بطش النظام، وهروب الكاتب من بعض الحقائق لتفادي بطش النظام حين قال:

(يقع الكاتب أحياناً في مصيدة الشرك بمبادئه، فجبرُ نفسهُ على إخفاء حقيقة ما أو تحريفها، ليس جهلاً بها وإنما حفاظاً على نفسه من لقب الكاذب أو المُبالغ.

ففي وطني مثلاً إن أراد كاتب أن يكتب الحقيقة، ستنهال عليه سيوف الشكّ من كل جانب، وتبدأ الأيادي بتكسير أقلامه حفاظاً على الهيبة الوطنية، فنقوم بتحريف بعض الحقائق ليس حباً بالوطن وإنما خشية بطشه.

يطلبون منا أن نكتب العدلَ ويتجاهلون أن إقامته أجدى من إقامة الحرب.

يأمروننا أن ننشر الشبعَ ويتجاهلون أن محاربة الفقر أغنى من محاربة الإرهاب.

يأمروننا أن نرسم ابتسامة على وجوهنا بعد أن شلعوا شفاهنا، وأن نتجاهل ما توارثناه من خوفٍ في العهود القديمة، أو نصمت.

يريدون منا أن نكون أسماكاً تبتلع الطعم إن فتحت فمها ويصطادوننا بالشبك.

يقولون اكتب ما تشاء لا سلطة عليك اليوم ولكن سنكسر يدك).

جاءت الرواية في 280 صفحة من القطع الوسط، وأصدرت عن طريق دار مكتبة الرموز العربية للنشر والتوزيع في تركيا - بورصة.