قراءة طالع السوريين في تركيا في ضوء مستجدات العلاقة مع النظام السوري

2023.01.03 | 06:19 دمشق

ترحيل.jpg
+A
حجم الخط
-A

في ضوء التطورات المتلاحقة والمتسارعة في العلاقة بين الحكومة التركية والنظام السوري من البديهي طرح مثل هذا السؤال عن مصير ما يقارب أربعة ملايين لاجئ سوري في تركيا، ومن الطبيعي أكثر أن يساور القلق هؤلاء الملايين ويبعث فيهم شعوراً بعدم اليقين بشأن مستقبلهم ومستقبل أولادهم وأعمالهم في تركيا، خصوصاً ألا شيء تبدل بشأن الأسباب التي دفعتهم لمغادرة بيوتهم وبلداتهم ومدنهم ابتداء!.

بطبيعة الحال فإنه من المعروف أن وضع "الحماية المؤقتة" هو المركز القانوني الذي يتمتع به السوريون في تركيا لتكون إقامتهم (المؤقتة) فيها إقامة شرعية، وهذا الوضع القانوني جاء كنوع من الاستجابة التركية لقوننة التدفق الهائل لمئات آلاف اللاجئين (نستخدم مصطلح اللاجئين في هذا السياق ليس بمدلولها القانوني وإنما الاصطلاحي الذي نقصد به الإشارة للسوريين في تركيا)، والذي بدأت إرهاصاته منذ منتصف العام 2012، حين بدأ النظام السوري يستهدف المدن والبلدات وقاطنيها بالطائرات الحربية والصواريخ القصيرة المدى.

ولم يكن من الممكن منح هؤلاء وضعية الحماية الدولية ثم اللجوء بالنظر إلى التحفظ المكاني أو الجغرافي الذي ما تزال تركيا متمسكة به بشأن من هو المستحق لصفة اللاجىء بالمعنى والمدلول القانوني والذي ترى أنه حصراً يجب أن يكون قادماً إليها من دول أوروبا طالبا اللجوء فيها (!).. فأصدرت الحكومة التركية قانون الحماية في نيسان 2013 ليكون بمثابة خيمة تسبغ المشروعية على وجودهم فيها وتنظم قواعد هذا الوجود وما يترتب عليه من حقوق والتزامات.

منذ منتصف العام 2019 وبعيد خسارة الحزب الحاكم انتخابات بلديتي أنقره وإسطنبول (التي فسّرت وروّجت الحكومة أسبابها على أنها بسبب احتضانها ودعمها وجود السوريين في تركيا خلافا لرغبة أغلبية الشعب التركي)، وعلى خلفية تصاعد نبرة التصريحات العنصرية والموقف العدائي العام لوجود أو لاستمرار بقاء السوريين في تركيا وما أفرزه ذلك من اعتداءات وجرائم على ذات الخلفية العنصرية بحق الكثير من السوريين، بدأت حملات الترحيل الجماعي للكثير من الأفراد والعائلات في بعض الأحيان تحت مبررات واهية لا تستوجب الترحيل غالباً، وفق منطوق قانون الحماية نفسه!.

وما تزال عمليات الترحيل مستمرة بوتائر مختلفة ربما لن يكون آخرها عملية ترحيل جماعي لسبعين عائلة على دفعتين من أنقره إلى مناطق شمالي سوريا والتي توصّفها السلطات التركية على أنها مجرد عودة طوعية وليست ترحيلاً قسرياً!.

لم يكن هذا السياق الذي اتخذته مسألة اللاجئين السوريين إلا بمثابة إعلان من الحكومة التركية أن "شهر عسل" السوريين في تركيا قد انتهى، وأن ملف اللاجئين الذي صار عنواناً مهماً في الصراع الانتخابي بين التحالف الحاكم وأحزاب المعارضة الأخرى لا بد من انتزاع ورقته من يد الخصوم..

لم يكن هذا السياق الذي اتخذته مسألة اللاجئين السوريين إلا بمثابة إعلان من الحكومة التركية أن "شهر عسل" السوريين في تركيا قد انتهى، وأن ملف اللاجئين الذي صار عنواناً مهماً في الصراع الانتخابي بين التحالف الحاكم وأحزاب المعارضة الأخرى لا بد من انتزاع ورقته من يد الخصوم، وهذا يعني أن على الحكومة نفسها أن تتخذ ما تراه مناسباً من إجراءات لطي صفحة وجود السوريين في تركيا، وكان إعلان الرئيس التركي نفسه عن برنامجه لإعادة مليون لاجئ سوري إلى مناطق الشمال عودة (طوعية)، قبل انتخابات 2023، هو الإعلان النهائي الذي يمكن في سياقه فهم مآل السوريين في تركيا.

اليوم ومع التبدل الكلي لتوجه السياسات التركية تجاه المسألة السورية برمتها ومن ضمنها بطبيعة الحال عودة اللاجئين، وفي ظل هذا التسابق المحموم لكسب ود النظام السوري وتجسير الهوة معه بتشجيع ورعاية روسية بهدف خلق البيئة اللازمة لإعادة اللاجئين السوريين حتى خارج مناطق سيطرة (الجيش الوطني) الذي أصلاً صار مشكوكاً في أسباب وشروط استمرار وجوده مع استمرار وتصاعد وتيرة هذا المسار التصالحي مع النظام بهدف تطويق وإجهاض مشروع "قسد"، الذي تعتبره تركيا مصدر تهديد لأمنها القومي ويعتبره النظام تهديداً للوحدة الجغرافية للدولة السورية، يمكننا في ضوء كل تلك المعطيات والسياسات التنبؤ بمآل اللاجئين السوريين في تركيا.

أتوقع وفي ضوء تحسّن العلاقات التركية مع النظام السوري – إذا ما تم ذلك فعلاً وأعتقد أنه سيحصل وفق المعطيات المعلنة - وبعد إنجاز الاستحقاق الانتخابي التركي وتشكيل الحكومة الجديدة أن تعلن تلك الحكومة عن إنهاء برنامج الحماية المؤقتة بشكل رسمي وفقاً لقانون الحماية نفسه، والذي ينص على ذلك ويحدّد الآليات المتبعة لإنهاء تلك الحماية في المواد 11 وما يليها حتى المادة 16 من القانون المذكور.

وهذا الإجراء يعني أن على كل السوريين الخاضعين لـ"نظام الحماية المؤقتة" أن يغادروا الأراضي التركية طوعاً إلى بلدهم أو المغادرة إلى بلدان أخرى باستثناء أولئك الذين يتقدموا بشكل فردي بطلبات للحماية الدولية، والتي سيتم تقييمها بشكل فردي أيضاً والرد عليها، وسيتم بطبيعة الحال تحديد المدة الزمنية التي يتعين على السوريين خلالها مغادرة الأراضي التركية.

وأتوقع في هذا السياق أن تتراوح المدة بين ستة أشهر إلى سنة على أبعد تقدير حيث يتاح لهم خلالها تصفية أعمالهم وممتلكاتهم المنقولة، وكذلك ستكون هي مدة كافية للرد والفصل بطلبات الحماية الدولية التي قد يتاح للبعض التقدم بها وفقاً لمنطوق القانون، وأزعم أنه بعد انقضاء تلك الفترة لن تتيح السلطات التركية البقاء على أراضيها لأكثر من نصف مليون شخص بأحسن الأحوال متضمنة أولئك الحاصلين على الجنسية التركية وبضعة آلاف من الطلبة الجامعيين لحين انتهاء دراستهم، وبعض المتمولين وأصحاب النشاطات والفعاليات الاقتصادية ممن لم يحصلوا على الجنسية التركية بعد.

وإذا ما كانت تلك التوقعات في مكانها –وأزعم ذلك– فأعتقد أن المرحلة القادمة ستشهد ارتفاعاً كبيراً في وتائر الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا بالرغم من صعوباتها والمخاطر المحيقة بالمهاجرين، كما سنشهد مغادرة للأراضي التركية إلى دول ما تزال تتيح وصول السوريين إليها بلا عراقيل تذكر كـ مصر والصومال ورواندا وماليزيا والبرازيل، وأعتقد أن بعض أصحاب رؤوس الأموال المهجوسين بالقلق الذي قد يكون محقاً، أيضا سينقلون أعمالهم إلى دول أخرى كمصر والإمارات مثلاً.

قد تكون الصورة التي رسمتها تلك السطور سوداوية من وجهة نظر البعض لكني بكل أسف أراها محاولة لقراءة معطيات الواقع الحالي للاجئين السوريين في تركيا ومآلاته في ضوء مجمل السياسات المستجدة التي اتخذتها وستتخذها الحكومة التركية خلال المراحل القادمة أياً كان شكل تلك الحكومة أو لونها – والتي أتمنى حقاً أن تكون قراءة خاطئة – لكن بناء حياة جديدة ومستقرة لا يمكن أن تتأسَس على محض أمنيات يحاول البعض أن يجعلها وردية.