قذارة الدولار "الممانع"

2019.11.30 | 17:21 دمشق

ba06a87831.jpg
+A
حجم الخط
-A

انتشرت شرائط فيديو تُظهر كميات هائلة من رزم المال، توازي مئات الملايين من الدولارات، مكدسة في غرف أو في صناديق ضخمة، قيل إنها أموال حزب الله، وإنه يتعمد نشر هذه الفيديوهات كدعاية تؤكد ما قاله حسن نصرالله، من أن حزبه -ولو انهار لبنان ونظامه المصرفي- سيبقى قادراً على دفع رواتب مقاتليه وموظفيه بالدولار الأميركي، ولن يتأثر إطلاقاً بالأزمة الاقتصادية والمالية التي تضرب المجتمع اللبناني.

وعلى الأرجح، فإن استحواذ الحزب على هكذا كميات من السيولة النقدية هو أمر حقيقي. إذ لطالما تبجح الحزب إزاء العقوبات الأميركية وإجراءات المراقبة على المصارف، بأنه لا يتعامل إطلاقاً مع النظام المصرفي ويتلقى أمواله نقداً في شحنات جوية وبرية، معلناً صراحة أن مصدرها من إيران.

والمعروف أن ميزانية الحزب السنوية حسب التمويل الإيراني، انخفضت إلى نحو 700 مليون دولار سنوياً، بعدما كانت تتجاوز المليار دولار. كما أنه، وحسب عشرات التقارير الدولية، يجمع الحزب أموالاً طائلة من التبرعات التي يجمعها من مجتمعات المغتربين الشيعة، في أوروبا وإفريقيا وأميركا اللاتينية (وسابقاً من أميركا الشمالية ودول الخليج). كما أن هذه التقارير تربط الحزب بنشاط دولي لتبييض الأموال من التجارات الممنوعة، كالمخدرات والتهريب، متعاوناً مع كارتيلات ومافيات في عدد من الدول، أهمها تلك المتمركزة في المثلث الحدودي بين البرازيل وكولومبيا والباراغواي.

هذا ولا تنتهي الشبهات حول علاقة الحزب بزراعة وتهريب وتجارة الحشيش، كما مصانع مخدر الكبتاغون في المناطق التي له وحده السيطرة والهيمنة.

و"اقتصاد" الحزب المتصل بالنظام الاقتصادي للحرس الثوري الإيراني، لا تعوزه المصادر الكثيرة التي توفرها الهيمنة على مقدرات العراق وسوريا والمعابر الشرعية وغير الشرعية بين إيران والعراق وسوريا ولبنان.. على نحو يؤلف سوقاً سوداء هائلة الموارد والسعة.

ويقوم هذا الاقتصاد الأسود والمارق، على تخريب الاقتصادات الوطنية وإخراجها من الشرعية الدولية وأسرها بعيداً عن شروط الاقتصاد العالمي وأنظمته وقوانينه، وإيقاعها تحت طائلة العقوبات المباشرة وغير المباشرة، بما يقوض الاستثمارات وخطط التنمية وسيطرة الحكومات على مواردها وتدبير خططها الاقتصادية وجباياتها الضرائبية أو إدارتها لنظامها المالي والمصرفي. ويقترن هكذا "اقتصاد" مارق برواج الفساد وتبخر الرساميل الوطنية وخواء خزائن الدولة، والانفصال عن الاقتصاد العالمي.

ويترتب على هذا كله، أي بعد تخريب الاقتصاد الشرعي وإحلال الاقتصاد المافيوي محله، شيوع الفقر والبطالة وانهيار الصناعة وتدهور القطاعات السياحية والخدماتية ومشاريع التنمية والتجارة عدا عن تدمير النظام المصرفي نفسه. إذ أن الأموال المتكدسة إنما تنفق على مشاريع الحروب الأهلية وحسب، وعلى التسلح وإنشاء الميليشيات وإكثارها، بما يحيل مئات الآلاف من الشباب اليمنيين والعراقيين والسوريين واللبنانيين والفلسطينيين إلى مجرد محاربين يتلقون مرتباتهم الشهرية بالدولار، مرشحين دوماً للموت أو للقتل، بدل أن يكونوا شباباً مرشحاً للعلم والعمل والإنتاج والتنمية. وهم في عطالتهم الميليشياوية يحرمون مجتمعاتهم من طاقتهم البشرية، خصوصاً وأنهم في عمر الشباب، عمر العطاء والتجديد والإنتاج.

والأسوأ من هذا كله، أن ما لا يدمرونه في التخريب الاقتصادي، سرعان ما يدمرونه بالحرب الفعلية، على نحو ما نشهده في عموم المشرق العربي واليمن. وفي هكذا حروب تُستنزف حتى دولارات تلك الميليشيات، طالما أن تلك البلاد المنكوبة تخسر بناها التحتية من كهرباء وماء وطرقات ومستشفيات ومواد غذائية وطبية وما لا يُعد ويحصى من متطلبات العيش.

ويتلازم اقتصاد "الممانعة" على نحو مدهش، في إيران والعراق وسوريا ولبنان، مع أشنع وأفظع أنواع الفساد وأشدها فجوراً. فالشعب الإيراني يغلي غضباً ونقمة من هول فساد الطغمة الحاكمة والثروات التي تكدسها مؤسسة ولاية الفقية وحاشيتها من الملالي، فيما الحرس الثوري يضع يده على معظم الموارد الاستراتيجية، منفقاً أموالاً طائلة على مشاريع الحروب والإرهاب في العالم وعلى مشاريع التسلح، وأهمها بالطبع "المشروع النووي" الذي يستنزف ميزانية ضخمة، لربما يتحول معها إلى ما يشبه الكارثة الكورية الشمالية التي من أجل صواريخها النووية أماتت جوعاً مليوني مواطن على الأقل، فيما يرزح الباقون على قيد الحياة تحت وطأة سوء التغذية.

أما في العراق، خصوصاً في حقبة حكومة نوري المالكي، فقد شهد أعظم عملية اختلاس ونهب في التاريخ: لقد تبخر 400 مليار دولار في سنوات قليلة.

وفي سوريا، فإننا نجد مقابل تشريد الملايين والتدمير الشامل والإفقار الفظيع للشطر الأعظم من السكان، ظاهرة الفجور الإجرامي الذي تبدى في تضخم ثروات آل الأسد وحاشيته على نحو خرافي وملياري. 

وفي لبنان، وما بين العقوبات الدولية والعزلة عن العالم العربي والمجتمع الدولي، وقيام اقتصاد المعابر غير الشرعية ووضع اليد على المعابر الشرعية، وفواتير الحروب والاضطرابات الأمنية المتواترة والتورط في الحرب على الشعب السوري واستباحة الحدود، وترتيب تسوية سياسية تمنح حزب الله القرار الأمني (قرار الحرب والسلم) والسياسة الداخلية والخارجية والقرار الوطني من جهة، وتمنح في المقابل، "النخبة" الحاكمة من ائتلاف الأحزاب مكاسب المحاصصة السلطوية وتوزيع المغانم والتكسب ونهب مقدرات الدولة... أدى هذا إلى انهيار اقتصاد سمته الأساسية منظومة مصرفية متصلة بالغرب، والسياحة والخدمات، والاستثمارات الأجنبية والتحويلات المالية من الخارج.. أي بما هو على الضد من اقتصاد "الممانعة".

وعلى هذا كله، لم تنفجر اضطرابات واحتجاجات إيران (وإن سكنت الآن أمام القمع الوحشي، ستتجدد حتماً) ولا اندلعت الثورة في العراق وفي لبنان هكذا بالصدفة ولا بسبب "مؤامرة" خيالية وكونية، ولا حتى لأسباب "سياسية – أيديولوجية" إنما لسبب بسيط: كي يستطيع حزب الله وما يشابهه من تكديس الدولارات الأميركية في الغرف السرية، لا بد من تدمير الدول الوطنية واقتصاداتها، وكي تستطيع إيران "تمويل" الحروب اللانهائية لا بد من نهب ثروات الشعوب وتبديدها خراباً وجوعاً.