ينعقد اليوم الجمعة في المملكة العربية السعودية اجتماع عربي خليجي يضم دول مجلس التعاون الست (السعودية وقطر والكويت والإمارات والبحرين وسلطنة عُمان) إلى جانب الأردن والعراق ومصر، لبحث ملف الأزمة السورية وآخر التطورات الحاصلة فيه.
ويعيش النظام السوري حالة نشوة سياسية بعد الزيارة التي أجراها وزير خارجيته فيصل المقداد إلى السعودية والتي تمخض عنها اتفاقاً لاستئناف الخدمات القنصلية بين الطرفين بعد قطيعة استمرت نحو 12 عاماً، بما في ذلك إيقاف تهريب المخدرات التي باتت تغزو دول الخليج وفي مقدمتها السعودية.
مساعي سعودية تواجه عقبات
ولكن هذه النشوة لا تكتمل دون عودة النظام للجامعة العربية، بالطبع ليس بسبب دورها الفاعل في الأزمة السورية ولكن بقدر التلميع السياسي الذي قد يناله النظام السوري عربياً في حال إعادة عضويته دون تقديمه أي تنازل سياسي كان سبباً في تجميدها عام 2011.
وتحاول الرياض إقناع دول عربية بموقفها المتغير من النظام السوري لـ 180 درجة، فمن دعم الثورة الشعبية المناهضة له بالمال والسلاح والمطالبة برحيل النظام، إلى اعتزال ذلك بشكل كامل منذ عام 2016 مطالبة بحل سياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، وصولاً إلى تطبيع العلاقات والقبول ببقاء النظام إثر اتفاق سياسي أعاد المياه لمجاريها مع إيران في آذار الماضي.
وبوساطة صينية مفاجئة، وافقت السعودية على إعادة العلاقات مع إيران أحد أبرز الداعمين للنظام السوري إقليمياً، والذي قد يكون له علاقة مباشرة بالتحركات السعودية الجديدة تجاه تعويم النظام السوري.
عودة النظام إلى الجامعة العربية بحاجة إلى إجماع وذلك غير موجود حالياً بسبب رفض عربي تتصدره قطر، باعتبار أن المشكلة السورية لم تُحل ومسببها ما زال يمارس نفس أساليبه في القمع والعنف والسوريون مهجرون خارج بلادهم.
وفي سياق ذلك، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، الأربعاء الماضي، نقلاً عمن قالت إنهم "مسؤولون عرب"، أن "خمسة أعضاء على الأقل في جامعة الدول العربية، منهم المغرب والكويت وقطر واليمن، رفضوا عودة سوريا إلى المنظمة".
وقالت الصحيفة الأميركية إن السعودية "تواجه معارضة من بعض الدول العربية، بما في ذلك الحلفاء الرئيسيين، بشأن خطط إخراج رئيس النظام السوري بشار الأسد من عزلته قبل قمة جامعة الدول العربية التي تستضيفها المملكة في أيار المقبل".
وقال التقرير إنه "حتى مصر، وهي تقليدياً أحد أقرب شركاء المملكة، أعربت عن تحفظات، على الرغم من اجتماع كبار الدبلوماسيين السوريين والمصريين مؤخراً في القاهرة".
وأشارت الصحيفة إلى أنه "على الرغم من أن السعودية وقطر أحرزتا تقدماً في إصلاح العلاقات منذ الخلاف بينهما، إلا أن الدوحة استبعدت علناً التطبيع".
موقف قطري صلب
الموقف القطري أشد صلابة ووضوحاً من الموقف المصري، وهو يتجدد باستمرار على لسان أعلى المسؤولين في الدولة، بمن فيهم أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
وفي تصريح جديد لرئيس الوزراء القطري أمس الخميس، قال الشيخ محمد بن عبد الرحمن إن أسباب موقف دولة قطر من تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية ما زالت قائمة، معرباً عن أمله أن يكون هناك حل في "أسرع وقت" للأزمة السورية.
وقال رئيس الوزراء القطري في لقاء مع تلفزيون قطر: "كان هناك أسباب لتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية ومقاطعة النظام السوري في ذاك الوقت، وهذه الأسباب ما زالت قائمة بالنسبة لنا على الأقل في دولة قطر".
وأردف "صحيح أن الحرب توقفت، لكن الشعب السوري ما زال مهجراً والناس الأبرياء في السجون. نحن لا نريد فرض حلول على الشعب السوري، وهو الذي يجب أن يصل إلى حل ويجب أن يكون هناك حل سياسي للأزمة السورية".
وقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن إن "قرار دولة قطر ألا تتخذ أي خطوة إذا لم يكن هناك تقدم وحل سياسي للأزمة السورية".
وشدد على أنه بالنسبة للدول الأخرى "كل دولة لها تقييمها وهذا قرار سيادي يخصها، ولكن دولة قطر هذا موقفها المتمسكة به حتى اليوم، وإلى الآن لا يوجد شيء إلا تكهنات ولا شيء واضحاً مطروح على الطاولة"، مؤكداً أن الحل في أيدي السوريين.
ما صرح به رئيس وزراء قطر، سبقه تصريحات من المتحدث باسمه ماجد الأنصاري يوم الثلاثاء، قال فيها: إن "اجتماعاً سيعقد يوم الجمعة في جدة بالسعودية، لبحث الموقف من عودة سوريا للجامعة العربية، وذلك بمشاركة وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، ونظرائهم من الأردن ومصر والعراق، لأن هذه الدول معنية بالأساس في هذه القضية".
وفي الوقت الذي جدد فيه الأنصاري تأكيد "الموقف القطري الثابت" من النظام السوري، والذي يعتبر أن "الأسباب التي دعت إلى تجميد عضوية سورية في جامعة الدول العربية لا تزال قائمة"، قال إنه من المبكر الحديث عن مخرجات لهذا الاجتماع التشاوري. وذكر أنه سيجري خلاله تبادل وجهات النظر حول تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة العربية، وإمكانية عودة سوريا للجامعة العربية، وموقف كل دولة بهذا الشأن، لافتاً إلى أن "الموقف من سوريا مرتبط أساساً بتحقيق الإجماع العربي، والتغيير الميداني على الأرض الذي يحقق تطلعات الشعب السوري".
هذا الموقف القطري الذي يبدو ثابتاً قد يمنع النظام السوري من تحقيق نشوته فعلياً، ويضع العقبات أمام رجوعه إلى الجامعة العربية، في حين أن تسريبات "وول ستريت جورنال" حملت مواقف أخرى مشابهة لموقف الدوحة على الأقل من ناحية مقعد النظام في الجامعة.
مواقف عربية متباينة
الصحيفة الأميركية قالت في تقريرها أيضاً إن "الرافضين لعودة دمشق إلى الجامعة العربية يشعرون بالإحباط لأن الأسد لم يتحرك في موقفه، وأنهم يريدون رؤيته يتعامل بشكل هادف مع المعارضة السياسية السورية قبل إعادة قبول النظام".
وتابعت أن "بعض الدول كررت مطالبتها بأن يقبل النظام السوري القوات العربية لحماية اللاجئين العائدين، وقمع تجارة المخدرات المزدهرة، وبذل المزيد لمنع إيران من تعميق وجودها في البلاد"، "لكن المحللين والمسؤولين أثاروا تخوفات حول ما إذا كان بإمكان الأسد تفعيل هذه السياسات، حتى لو أراد ذلك".
ولفت التقرير إلى "العقبات المحتملة التي يواجهها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بينما يتطلع إلى تعديل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، مع ظهور سوريا كأحدث قطعة شطرنج في مناورة السياسة الخارجية المستقلة للرياض".
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن المغرب "يريد أن يرى الأسد ينهي دعمه لجبهة البوليساريو، وهي حركة متمردة تقاتل الرباط من أجل استقلال الصحراء الغربية".
وقالت الصحيفة الأميركية إنه "حتى الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ومقرها الرياض، تراجعت عن حلفائها السعوديين"، مشيرة إلى "دعم سورية للمتمردين الحوثيين".
لتبقى مساعي السعودية وأحلام النظام السوري بالعودة إلى الجامعة العربية مرتبطة بإجماع عربي يبدو أنه حتى الآن بعيد المنال، في ظل عدم وجود توافق دولي أصلاً لأي حل من هذا النوع في سوريا.