icon
التغطية الحية

قبيسيات على طريقة "الجولاني".. هيئة تحرير الشام تنشئ جيلاً من الداعيات

2021.10.21 | 07:44 دمشق

mltqy_fy_almrkz_althqafy_lmktb_alldwt_alnsayy.jpg
ملتقى في المركز الثقافي لـ "مكتب الدعوة النسائي" التابع لهيئة تحرير الشام، إدلب
حلب - خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

مع التوجهات الجديدة لهيئة تحرير الشام صار بالإمكان مشاهدة شابات يمارسن النشاط الدعوي في مساجد وشوارع إدلب ومحيطها، يكشفن وجوههن من دون ارتداء النقاب، في محاولة من الهيئة لتعزيز سيطرتها على المجتمع الأهلي، عبر نزع الصبغة الجهادية عن أجهزة حكمه الإدارية والتنفيذية والاقتراب نحو القوى المجتمعية الأهلية.

أحد أبرز الفئات الاجتماعية التي تعتمد عليها الهيئة هي النساء، حيث راح ينظم عمل الناشطات الدعويات ويرعى أنشطتهن، عبر ذراعه النسوي الأبرز "مكتب الدعوة النسائي" في إدلب.

يتبع مكتب الدعوة النسائي لوزارة الأوقاف في حكومة الإنقاذ التابعة لتحرير الشام، يمارس نشاطاً دعوياً موجهاً إلى النساء، أشرف على العديد من الفعاليات في هذا المجال أبرزها، حملة "حراسة الفضيلة" ومشروع "ابنة الأمة".

كان من اللافت في هذا العام ازدياد نشاطات المكتب النسائي، والدعم الذي توليه تحرير الشام لفعاليته ومشاريعه المتنوعة، الدعوية والتربوية والترفيهية، سعياً منها لإنشاء جيل من الداعيات والشيخات لإيصال أفكارها وتوجهاتها الإيديولوجية المستجدة إلى كل بيت وخيمة في المناطق التي تسيطر عليها.

ويعكس اهتمام تحرير الشام بمكتب الدعوة النسائي مدى إدراكها بالدور الكبير الذي يمكن أن تقوم به النساء من ناحية توسعة الحاضنة الشعبية الموالية ومدى قدرتهن على التأثير في البنى الاجتماعية.

وتشبه سياسة الجولاني في تجنيد النساء لمشروعه سياسة نظام الأسد، إلى حد كبير، الذي عمل على استقطاب ودعم القطاع الديني النسائي بشكل ملحوظ بعد انطلاق الثورة السورية، وبشكل خاص مجتمع القبيسيات في دمشق وبعض المحافظات التي ينتشرن فيها.

مكتب الدعوة النسائي

تعود بدايات مكتب الدعوة النسائي إلى أواخر عام 2017 على يد شخصيات دعوية بارزة هي اليوم في هيئة تحرير الشام، من الدعاة مهاجرين ومهاجرات، وبعد عام على تأسيسه ألحقته الهيئة بوزارة الأوقاف بحكومة الإنقاذ.

ازدادت نشاطات المكتب وتغيرت بشكل كبير بعد إلحاقه بالإنقاذ، تماشياً مع التحولات البراغماتية لتحرير الشام خلال السنوات القليلة الماضية، وأصبحت أنشطته وفعالياته أكثر انفتاحاً وتديره شخصيات سورية محلية بعد إبعاد المهاجرين المؤسسين.

ويضم في صفوفه العشرات من الداعيات من إدلب ومحيطها وبعضهن وصل إلى إدلب مع موجات التهجير القادمة من الغوطة الشرقية وحمص وغيرها، وتعرف معظمهن عن أنفسهن بالألقاب (أم فلان) عند الإعلان عن المحاضرات والدروس.

وينظم المكتب أنشطة تثقيفية وتعليمية تستهدف اليافعات ويعتبر "معهد الفتح النسائي للعلوم الشرعية" من أهم مشاريع مكتب الدعوة النسائية هدفه تخريج جيل من الداعيات الشابات، إضافة لعدد من المعاهد الشرعية الصغيرة المنتشرة في عدة مناطق بإدلب.

إضافة للعديد من المشاريع والفعاليات التربوية والترفيهية المخصصة للأطفال في دور رياض الأطفال التابعة له.

وتغطي نشاطاته مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب ومحيطها في أرياف حلب واللاذقية الشمالي، وتُقام في مساجد المدن والمخيمات والمعاهد الشرعية.

جانب من أنشطة مكتب الدعوة النسائي التابع لـ "تحرير الشام"، إدلب

نشاطات المكتب النسائي

ويقدم المكتب بشكل شبه يومي محاضرات ودروس دينية ومجالس دعوية موجهة للنساء، وينظم الملتقيات النسوية في الجوامع والمساجد في مدن إدلب (جوامع سعد وشعيب والحمصي والحسين والتوحيد والأبرار وبلال والصديق وأبي ذر والرحمن والمجاهد والروضة)، وفي عدد من المساجد والجوامع في سرمدا وكفر تخاريم وسلقين وحارم وجسر الشغور وأريحا والأتارب ودار عزة والدانا وغيرها من المدن والبلدات الكبيرة.

وتغطي أنشطة المكتب معظم المخيمات التي تضم أعداداً كبيرة من النازحين والمهجرين في أطمة وأطراف سرمدا في ريف إدلب الشمالي.

كما يتم تنظيم المحاضرات والدروس في بعض المعاهد الشرعية التابعة للمكتب وتلك الحاصلة على ترخيص أيضا، كمعهد عائشة ومعهد أبو فارس النجدي ومعهد النور الشرعي ومعهد المصطفى للعلوم الشرعية وغيرها.

وتتنوع مواضيع حلقات الدروس الشرعية والدعوية، إضافة لدورات مجانية وأخرى بأجور رمزية في محو الأمية والحاسوب والتمريض والإسعافات الأولية تستفيد منها من يحضرن الدروس والمحاضرات.

أما الفعاليات الترفيهية، يقيم المكتب المسابقات والملتقيات الدعوية التي تتخللها العديد من الأنشطة مثل الإنشاد والمسرح والعروض المرئية.

وتشير إحصاءات نشرها مكتب الدعوة النسائي إلى أنه في شهر واحد بلغ عدد المحاضرات 352 محاضرة، قدمتها 120 داعية في 74 مسجداً، بينما بلغ عدد الملتقيات 16 ملتقى دعويا نسائيا.

نشاطات مكتب الدعوة النسائي التابع لـ "تحرير الشام"، إدلب

حراسة الفضيلة

أحدث الحملات الدعوية التي أطلقها مكتب الدعوة النسائي في إدلب حملة بعنوان "حراسة الفضيلة"، وهي حملة كبيرة تدعمها وزارة الأوقاف، تضمنت العديد من الفعاليات والأنشطة للنساء كالدروس الشرعية والمحاضرات والمسابقات والأنشطة الترفيهية والدعوية.

وكان من اللافت في الحملة أن عدداً من الداعيات المشتركات في الحملة لا يضعن النقاب أو غطاء الوجه الكامل، الخطوة التي تثير انتقاد التيارات المتشددة في صفوف الهيئة وفي مناطق سيطرتها.

كما كان للرجال من مناصري الحملة نصيبهم من أنشطتها، أطلقوا على أنفسهم اسم "جيش حراسة الفضيلة".

وشملت أنشطة "حراسة الفضيلة" نشر إعلانات طرقية تشجع النساء واليافعات على الحجاب.

معهد الفتح النسائي للعلوم الشرعية

يعتبر معهد الفتح من أكبر المعاهد التي يديرها مكتب الدعوة النسائي في إدلب، والمعهد معتمد من وزارة الأوقاف وكلية الشريعة، وهو المعهد المتوسط الوحيد للإناث في المدينة.

الدراسة في المعهد مجانية إضافة لخدمة المواصلات داخل المدينة، وكوادره التدريسية مجازات جامعيات، مدة الدراسة فيه سنتان تنقسم إلى أربعة فصول بواقع دوام ثلاثة أيام في الأسبوع، ويشترط لقبول التسجيل الحصول على الشهادة الثانوية بفروعها (أدبي-شرعي-علمي)

ويمكن للطالبة بعد التخرج الالتحاق بكلية الشريعة، وتنضم إلى السنة الثانية مباشرة.

مشروع ابنة الإسلام

في شهر تموز/يوليو الماضي، أعلن "مشروع ابنة الإسلام"، أحد مشاريع مكتب الدعوة النسائي لنشر الحجاب، عن مسابقة نصها، "من تأتي بجملة قليلة الكلمات في رسالة للزوج ونصيحة عن تبرج محارمه مع صورة معبرة عن حال الكلمات، في تصميم مرتب، ولا تتجاوز الجملة ٥ كلمات، تفوز معنا بـ ١٠٠ ليرة تركي".

يقول القائمون على مشروع "ابنة الإسلام" بأنه "مشروع دعوي خيري يسعى لنشر الحجاب الشرعي للنساء في أرض الشام، ومن أهدافه توفير الحجاب الشرعي للنساء بجودة عالية وبأسعار رمزية، ويعمل فيه طاقم نسائي ١٠٠ بالمئة".

يمتلك المشروع أكثر من 25 صالة لبيع الحجاب والعباءات بأسعار رمزية وبأنواع وألوان محددة، ولدى المشروع أسطول من سيارات "الفان" الملونة باللون الزهري والتي تجول على القرى والبلدات التي لا يوجد فيها مركز أو محل ثابت، حيث يتمركز "الفان الزهري" وسط ساحة القرية لفترة محددة ومعلن عنها مسبقاً، كما ينشر مشروع "ابنة الإسلام" ويوزع قصاصات وكتيبات دعوية.

المشروع أسسه الجهادي السعودي في تحرير الشام عبد الله التميمي الملقب بـ "أبو فارس النجدي"، قبل ظهور حكومة الإنقاذ.

ويعتبر النجدي المساهم الأكبر في ظهور مكتب الدعوة النسائي، إضافة لإنشاء عدد كبير من المعاهد الشرعية، وكان يقدم برنامجه الإذاعي الدعوي "سعادتُنا في بيوتنا"، وهو برنامج توعوي تثقيفي كان يبث على أثير إذاعة البنيان في إدلب، موجّه للمتزوجين والمُقبلين على الزواج وأسرار  الحياة الزوجيّة.

وبعد وفاة النجدي بداية العام 2020 تمكنت وزارة الأوقاف التابعة لحكومة الإنقاذ على مكتب الدعوة النسائي وعلى مشروع ابنة الإسلام وبدأت التحولات تظهر تباعاً.

يشار إلى أن الجهادي السعودي توفي اختناقاً في منزله بدخان مولد الكهرباء الذي يعمل على الديزل، وتوفي معه شاب سوري يدعى عبد الباسط الصوراني كان يعمل معه في حقل الدعوة.

مشاريع وأنشطة لمكتب الدعوة النسائي التابع لـ "تحرير الشام"، إدلب

تحرير الشام تتباهى

في الوقت الذي يتفاخر قادة هيئة تحرير الشام بمكتب الدعوة النسائي، ويجزلون المديح للقائمين عليه ويعتبرونه "إنجازاً كبيراً يعمل على إعداد النساء وتربيتهن على الالتزام الديني والأخلاقي".

ويرى عدد من العاملين في الحقل الدعوي التابعين لتحرير الشام المشروع "تحصيناً" للنساء في وجه "مشاريع الإفساد الخارجية".

ويقول أحد منظري تحرير الشام، معروف بلقبه "الدالاتي"، في إحدى القنوات على موقع "التيلغرام" تشهد مناقشات للجهاديين، أن “المنظمات استغلت الأوضاع المعيشة وعواطف الكثيرات ففتحت أبوابها لهن مقابل حفنة من المال فمن المخالطة اليومية إلى تنظيم نشاطات مشبوهة يبثون فيها السم بطرق مباشرة وغير مباشرة".

بينما يرى الباحث عرابي عبد الحلي عرابي، المتخصص بالجماعات الإسلامية، خطوة هيئة تحرير الشام بضم مكتب الدعوة النسائي تحت جناحها نوعاً من تعزيز وجودها في صفوف المجتمع.

وقال عرابي في حديث خاص لموقع "تلفزيون سوريا"، إن الهيئة باتت تعتبر نفسها جزءا من المجتمع المحلي، وهي الآن تريد أن تنتقل من طور إدارة المجتمع إلى صانع التوجهات داخله".

ووفقاً لهذا التوجه، أسست الهيئة في الآونة الأخيرة الشرطة الأخلاقية، ونزعت الصبغة الجهادية عن مركز الحسبة عبر إبعاد المتشددين، كما تتحكم في الحقل الديني كالإمامة والخطابة وتحاول أن توجه شريحة الخطباء نحو مواضيع وفقا" لمصالحها.

وبحسب الباحث في الجماعات الإسلامية فإن مكتب الدعوة النسائية جزء مهم من عملية التحول والسيطرة التي تنتجها الهيئة.

وتعول الهيئة على نجاح مكتب الدعوة النسائي الذي تحاول من خلاله الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من النساء، لإيصال أفكارها للحاضنة الشعبية المؤيدة لها.

استنساخ تجربة القبيسيات

وأضاف عرابي، أن “التشبيه بين اهتمام بشار الأسد بالقبيسيات ودعمهن، وبين توجهات تحرير الشام الساعية لبناء طبقة من النساء الداعيات والمؤمنات بأفكارها ومشروعها، تشبيه دقيق".

وبحسب الباحث، فإن الأسد تمكن من خلال السماح للقبيسيات بزيادة نشاطهن ودعمهن من السيطرة على شريحة واسعة من المجتمع، وخاصة مجتمع رجال الأعمال، كما وفر له دعم القبيسيات الحفاظ على وجوده باعتباره "حاكماً شرعياً" يجب أن يدعم، كما روجت القبيسيات للرؤية والخطاب الديني الذي تبناه النظام، أو على الأقل لم يخرجن عن رؤية النظام في الدعوة، وبذلك استطاع النظام تنميط أفكار المجتمع ضمن قالب معين، ودعم جماعة معتدلة في مواجهة الجماعات الأخرى ذات التوجهات المختلفة.

ويرى عرابي أن تحرير الشام تتبع الأسلوب ذاته من خلال تنميط أفكار المجتمع بإيديولوجيا أكثر انفتاحاً في مواجهة الجماعات الأخرى في إدلب التي يغلب عيها التشدد.

مناهضو الجولاني قلقون

تنبه التيار السلفي المناهض لتحرير الشام متأخراً كما يبدو لمسألة التغييرات المنهجية والانفتاح الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف في حكومة الإنقاذ التابعة لتحرير الشام، والتي يشكل مكتب الدعوة النسائي ذراعاً مهماً فيها، محذرين من أن "التغيير الذي يحدث في إدلب شديد الخطورة".

ويتهم السلفيون والجهاديون تحرير الشام بتمكين التيار الصوفي في المنطقة، أو على الأقل إتاحة الفرصة له بالظهور، وذلك عبر تدريس "البدع العقائدية" للناشئة.

كما يتهمون "جمعية إتقان" بالسيطرة على مساجد كبرى في إدلب التي يرتادها "طلبة العلم الشرعي"، نظراً لتلقيها دعماً مالياً كبيراً من تحرير الشام.

ويرى السلفيون المناهضون لتحرير الشام أن "هذه المناهج تحرف الناس عن سبيل السنة ومنهاج الفرقة الناجية وهي كذلك تؤصل لمهادنة الطواغيت وترك الجهاد.. وتركز على الانشغال بالدعوة وترك الأمر لصاحب الأمر، كصوفية الترحم على البوطي ومن على شاكلته، وصوفية سيدنا الشيخ تاج راسي ولو كان منافقاً"

ويرى المنتقدون أن كل ولاة الأمر الظالمين يحبون أن ينتشر هذا التوجه الإيديولوجي ومنهم بشار الأسد وأبو محمد الجولاني، لأن هذه الدروشة تقوي حكمهم وتقلل خصومهم.

من هن القبيسيات؟

ظهرت جماعة القبيسيات الدعودية في سوريا في العام 2006وانتشرت خارجها، وأسستها منيرة قبيسي مواليد (1933) بدعم من مفتي الجمهورية الراحل أحمد كفتاور  والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي.

ودعم النظام في سوريا عبر شبكة مخابراته ووزارة الأوقاف حركات التدين في سوريا، التي نتجت عنها "القبيسيات" اللواتي شكلن تنظيما سريا نواته من أغنياء دمشق وتجارها.

ثم سمح لهن عام 2006بنقل نشاطهنّ الدعوي من حلقات واجتماعات وحفلات ومجالس ذكر من البيوت سرًّا إلى المساجد علنًا وبشكلٍ أوسع تحت إشرافه بحسب تحقيق نشره موقع"ميدان".

ولا توجد إحصائيات دقيقة لأعداد المنتسبات لجماعة القبيسيات التي تنتمي إلى الصوفية، ففي عام 2006 أشير إلى أن عددهن يزيد عن 75 ألف امرأة، في حين تؤكد مصادر أخرى أنهن ضعف هذا العدد على أقل تقدير.

وفضّلت القبيسيات عدم التصريح بموقف واضح من الثورة السورية، إلا أن لقاء ممثلات لهن برئيس النظام بشار الأسد في كانون الأول 2012 كان بمثابة اعتراف بشرعيته، الأمر الذي أثار حركات انشقاق بين صفوفهنّ.