منذ أكثر من أسبوع، تقف مها يوميًا أمام باب دائرة امتحانات دمشق، حاملةً ملفها المليء بالأوراق الرسمية، على أمل أن تتمكّن أخيرًا من معادلة شهادتها الثانوية التركية قبل انتهاء موعد المفاضلة الجامعية المحدد في السادس عشر من الشهر الجاري.
لكن رغم المحاولات المتكررة، اصطدمت مها، مثل مئات غيرها، بأبواب مغلقة وتأجيلات متكررة، بعدما أوقفت الدائرة عملها بشكل مفاجئ، وتم تحويل الطلاب إلى دائرتي امتحانات ريف دمشق والقنيطرة، في وقتٍ لم يعد فيه الوقت في صالحهم.
تقول مها لموقع تلفزيون سوريا "الوقت يمر بسرعة، والمفاضلة ستنتهي بعد أيام، لكن لم أستطع حتى الآن معادلة شهادتي، هناك ضغط كبير على الدوائر البديلة، وإذا استمر هذا الحال فلن يتمكن كثير من الطلاب من التسجيل هذا العام"
الدوائر البديلة زادت الأزمة تعقيدًا
إغلاق دائرة امتحانات دمشق لم يكن مجرد خطوة تنظيمية مؤقتة، بل شكّل أزمة جديدة لآلاف الطلاب القادمين من الخارج، فقد أدى تحويل المعاملات إلى دوائر امتحانات ريف دمشق في حي ركن الدين، وامتحانات القنيطرة في حي برزة، إلى ضغطٍ هائل تجاوز الطاقة الاستيعابية للموظفين.
وبات المشهد اليومي هناك يتكرر، طوابير طويلة تمتد أمام المداخل، عشرات الملفات بانتظار الدور، وموظفون يعملون تحت ضغط كبير لإنجاز أكبر عدد ممكن من المعاملات قبل انتهاء الدوام.
يقول والد أحد الطلاب لموقع تلفزيون سوريا "كان من المفترض أن تُفتح نوافذ جديدة وتُزاد أعداد الموظفين، لا أن تُغلق دائرة امتحانية كاملة في هذا التوقيت الحرج، هذا القرار أربك الجميع وأضاع وقتًا ثمينًا من عمر الطلاب"
إجراءات معقّدة من تركيا إلى دمشق
رحلة الطالب الحاصل على شهادة ثانوية أجنبية تبدأ منذ لحظة تخرجه، لكنها لا تنتهي إلا بعد سلسلة طويلة من التصديقات والمراجعات، فالطلاب القادمون من تركيا، على سبيل المثال، مطالبون أولًا بتصديق شهاداتهم من مديرية التربية والولاية التركية التي صدرت عنها، ثم من وزارة الخارجية التركية، وبعدها من القنصلية السورية في تركيا.
وعند دخولهم الأراضي السورية، تبدأ مرحلة أخرى من الإجراءات الإدارية، إذ يتعين عليهم تصديق الشهادة من السفارة التركية في دمشق أو حلب، ثم ترجمتها إلى اللغة العربية لدى ترجمان محلّف، يليها تصديق من الكاتب بالعدل، ثم من وزارة الخارجية السورية، قبل أن يتوجه الطالب أخيرًا إلى دائرة الامتحانات لطلب المعادلة ودفع الرسوم.
هذه العملية المرهقة تستغرق عادة أسابيع كاملة، حتى قبل أزمة الإغلاق الأخيرة، ويقول طلاب تحدّث اليهم موقع تلفزيون سوريا إن الانتظار على باب السفارة التركية في دمشق قد يستمر أكثر من عشرة أيام من أجل تصديق بسيط، في حين يستغرق الترجمان الوقت ذاته تقريبًا لإنجاز ترجمة واحدة، نظرًا إلى الضغط الهائل على المكاتب القليلة المتخصصة بالترجمة من التركية إلى العربية، إذ لا يوجد سوى مكتب واحد رسمي معتمد في العاصمة، وما تبقّى هي مكاتب وسيطة.
ضغط مضاعف
خلال تسجيل مصوّر نشرته وزارة التربية والتعليم على معرّفاتها، قال معاون الوزير يوسف عنان، إنّ الوزارة تواصل العمل على تعديل الشهادات الثانوية للطلاب العائدين من خارج سوريا، مضيفا أنّه بعد أن كان هناك مركز وحيد مخصص لعملية التعديل في عموم سوريا، أعلنت الوزارة عن افتتاح 11 مركزًا جديدًا موزعين في مختلف المحافظات.
وكشف أنّه وفقًا للبيانات الرسمية، تم تعديل نحو 15 ألف شهادة حتى الآن، في حين تواصل كوادر الوزارة جهودها على مدار الساعة لاستكمال تعديل جميع الشهادات المتبقية.
وفي وقت سابق قال وزير التعليم التركي، يوسف تكين أنّه حتى نهاية عام 2024، بلغ عدد الطلاب السوريين في التعليم الثانوي بتركيا حوالي 103 آلاف طالب، عاد عدد كبير منهم إلى سوريا عودة طوعيّة.
من جهته قال مدير دائرة امتحانات القنيطرة ماهر الجبر للمراجعين إنّ الدائرة باتت تستقبل يوميًا نحو 200 ملف معادلة، في حين تستقبل دائرة ريف دمشق قرابة 150 ملفًا، وهي أرقام تفوق قدرتها الاستيعابية.
ويشرح موظّف في دائرة الامتحانات أن المشكلة تكمن في طبيعة الشهادات التركية التراكمية، إذ يتوجب على الموظف إدخال علامات الطالب لجميع المواد من الصف التاسع وحتى الثالث الثانوي في نموذج المعادلة، وهي عملية تستغرق ساعة إلى ساعة ونصف لكل ملف واحد.
ويضيف أن الموظف الواحد لا يستطيع إنجاز أكثر من ثماني معاملات في اليوم الواحد في أفضل الأحوال، وهو ما يفسّر تراكم الطلبات بشكل كبير منذ الأسبوع الماضي.
طلاب بين القلق والانتظار
مع اقتراب موعد إغلاق باب المفاضلة، يشعر الطلاب بقلقٍ متزايد من ضياع فرصهم الدراسية لهذا العام.
تقول مها، درست وتعبت طوال فترة وجودي في تركيا، وعدت إلى وطني لأكمل دراستي، لكن يبدو أن معادلة شهادة أصعب من الدراسة نفسها، كل ما أحتاجه هو توقيع واحد فقط كي أستطيع التقديم، لكن الأيام تمضي وأنا واقفة على الأبواب"
كثير من الطلاب يعيشون الوضع ذاته، إذ تكتظ صفحات التواصل الاجتماعي بشكاوى من عدم قدرتهم على استكمال المعادلة بسبب الازدحام والإغلاق المفاجئ.
أصوات تطالب بالحل
أولياء أمور الطلاب دعوا وزارة التربية السورية إلى التحرك العاجل لمعالجة الأزمة، سواء عبر إعادة فتح دائرة امتحانات دمشق مؤقتًا، كما طالب بعضهم بتمديد فترة المفاضلة حتى يتمكن الطلاب من استكمال معاملاتهم.
وقال أحد المراجعين لموقع تلفزيون سوريا، "الأزمة ليست خطأ الطلاب، بل نتيجة تراكم الإهمال الإداري، لا يعقل أن يضيع مستقبل مئات الطلبة بسبب خلل تنظيمي أو نقص موظفين، الحل بسيط لو كانت هناك إرادة جادة في الوزارة"
أزمة متكررة وحلول غائبة
يرى حسّان المحمّد وهو صاحب مكتب خدمات جامعيّة أن السبب يعود إلى غياب التخطيط المسبق وعدم مواكبة المؤسسات التعليمية للزيادة الكبيرة في عدد الطلاب العائدين من دول اللجوء، خصوصًا من تركيا، حيث يعتمد نظام التعليم هناك على الشهادات التراكمية المعقدة مقارنة بالنظام السوري التقليدي.
ويشير خلال حديث لموقع تلفزيون سوريا إلى أن الحل المستدام يكمن في تبسيط إجراءات المعادلة وأتمتتها إلكترونيًا، بحيث يتمكن الطالب من رفع أوراقه عبر منصة رقمية ومتابعة معاملته إلكترونيًا من دون الحاجة إلى الحضور الشخصي والطوابير الطويلة التي تستنزف الجهد والوقت.
مستقبل على المحك
وفي حين تستمر أزمة الازدحام، يظل آلاف الطلاب عالقين بين الأمل واليأس، بانتظار أن تُفتح أبواب الدوائر مجددًا قبل انتهاء مهلة المفاضلة.
تختم مها حديثها بقولٍ يلخّص معاناة جيل كامل "كل ما نريده هو أن نبدأ حياتنا الجامعية مثل أي طالب، لسنا نطلب معاملة خاصة، فقط نريد أن تسير الأمور بشكل طبيعي، وألا يتحول الحلم البسيط إلى معاناة بلا نهاية"
ويبقى السؤال الأكثر إلحاحا برسم وزارة التربية السوريّة، هل تتحرك الوزارة سريعًا لإنقاذ مستقبل آلاف الطلاب العائدين من الخارج، أم سيُضاف هذا العام أيضًا إلى قائمة الأعوام الضائعة في انتظار ختم إداري بسيط؟