قانون سيزر كما يراه المناهضون لنظام الأسد

2019.12.19 | 14:55 دمشق

swr_syzr.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد تعطيل دام ثلاث سنوات، أقر مجلس النواب الأمريكي (الكونغرس) في الحادي عشر من كانون أول الجاري، قانون (سيزر أو قيصر)، في خطوة أولى، وفي خطوة تالية تم مرور مشروع القرار بموافقة مجلس الشيوخ بتاريخ 16-12-2019، لتبقى خطوة أخيرة وهي توقيع الرئيس ترامب على القرار، وليصبح نافذاً، وفي ضوء التوقعات التي يرجّح أغلبها مرور القرار بيسر وسلاسة، بسبب اقترانه بمشروع قرار موازنة وزارة الدفاع الأمريكية، والذي يحظى بقبول وتوافق الديمقراطيين والجمهوريين معاً، فضلاً عن تأييد مسبق للرئيس أومأ إليه (ترامب) في إحدى تغريداته منذ أشهر.

وبعيداً عن تفاصيل الآليات الإجرائية التي سيلقاها مرور قانون سيزر داخل المؤسسات التشريعية الأمريكية، وكذلك أيضاً دون التطرق إلى حيثيات السياسة الداخلية  للولايات المتحدة التي تدفع نحو إقرار قانون سيزر، فإن الأهم من ذلك كله، بالنسبة إلى السوريين، هو الآثار المباشرة وغير المباشرة التي ستعقب إقرار هذا القانون، باعتباره يدعو صراحة إلى حماية المدنيين السوريين من جرائم القتل التي يمارسها نظام الأسد بحقهم، فضلاً عن كونه يحمل في طياته إدانات شديدة القوة لنظام دمشق، وذلك بسبب وجود (55 ألف صورة) لمشاهد تعذيب داخل السجون السورية لـ (11 ألف معتقل) قضوا تحت التعذيب، قام بتسريبها المصور المنشق عن جيش الأسد، الملقب (قيصر).

لم يكن مُستغرباً أن يُفرز هذا الحدث ردّات فعل مختلفة إلى حدّ التباين، في الوسط السوري المناهض لنظام الأسد، ذلك أن قسماً من الناس، ويتضمن شرائح مختلفة، لم يبدُ شديد الاهتمام أو الحماس لخطوة مجلس النواب الأمريكي، ويرى أصحاب هذا الميل، أن قانون سيزر في أحسن أحواله، أعني حتى إذا وقّع عليه الرئيس، فلن يكون تنفيذه ملزماً للولايات المتحدة، التي لن تتصرف إلا وفقاً لمصالحها، وربما انتهى هذا القانون الجديد إلى ما انتهت إليه المواقف الأمريكية السابقة، والتي ذهبت بعيداً في إدانة نظام الأسد واعتباره فاقداً للشرعية، إلا أن هذه المواقف الصاخبة لم تحظ بالترجمة الفعلية ولو بالحدّ الأدنى، بل يرى الكثيرون أن الآثار المدمرة التي تركها العدوان الروسي في سورية ما كان لها أن تحصل لولا الرضا الأمريكي بالاستفراد الروسي بالقضية السورية، ولعل صفقة (أوباما – بوتين) التي أعقبت العدوان الكيماوي للنظام على الغوطة الشرقية في آب 2013 هي خير دليل على ذلك، بل يذهب كثيرون إلى أن آثار العقوبات التي سيتركها إقرار هذا القانون، ستزيد من حدّة معاناة السوريين أكثر بكثير مما سيتأثر بها النظام، وما يعزز من  قناعة أصحاب هذا الرأي هو الموقف الخاذل للمجتمع الدولي الذي ما زال يقف عاجزاً عن ردع آلة القتل الإجرامية الأسدية طيلة ما يقارب تسع سنوات. ولو تتبعنا أسباب ومبررات ارتفاع منسوب الإحباط في الشارع السوري لوجدناها كثيرة جداً، ولا تتوقف على العوامل الخارجية فحسب، بل تمتد لشمل حالة التذمر التي أضحت شديدة الوضوح تجاه الكيانات الرسمية للثورة (السياسية والعسكرية) وعجزها عن تحقيق أي مُنجز إنساني أو سياسي يسعف السوريين بالتخفيف من معاناتهم، فضلاً عن الموقف الشعبي الرافض إلى درجة السخط، لسلوك ونتائج مسارات التفاوض في ظل استمرار العدوان الروسي الأسدي على إدلب، مستهدفاً المدنيين في قراهم وبلداتهم، موازاة مع ازدياد حالات التشرّد والنزوح.

لا يمكن التنكّر لما طال نفوس السوريين من مواقف سلبية عميقة أوجدتها الأدوار الإقليمية والدولية السلبية حيال القضية السورية

ما من ريب، في أنه لا يمكن التنكّر لما طال نفوس السوريين من مواقف سلبية عميقة أوجدتها الأدوار الإقليمية والدولية السلبية حيال القضية السورية، فضلاً عن عوامل داخلية لعلّها كانت أكثر خطورة، بل يمكن تفهّم هذا النزوع الجمعي لدى المواطنين السوريين، طالما أنه يأتي في سياقه الطبيعي، أعني النابع من شعور الناس بانعدام مقوّمات أمنهم ومعيشتهم الأساسية، وليس نابعاً من بواعث سياسية أو فكرية رافضة لكل ما من شأنه الضغط والتأثير على نظام الأسد وحلفائه.

ولكن في موازاة الموقف السابق ذي السلبية العفوية، نجد موقفاً آخر، لعلّه أكثر إيجابية من سابقه، أمّا بواعث نزعة التفاؤل عند أصحاب هذا الموقف ربما تتأتى من القدرة على التحرّر من حدّة الشعور بالمظلومية من جهة، وكذلك القدرة على إدراك الأسباب والعوامل التي أدت إلى ارتفاع حدّة اشتباك المصالح الإقليمية والدولية، واحترابها على الأرض السورية، وانعكاسات هذه الحرب ذات الأطراف المتعددة على القضية السورية. وعلى أية حال، فثمة ما يستحق الوقوف عنده، لدى أصحاب التيار (المتفائل)، ومن ذلك:

أولاً – ضرورة التمييز في التوجّهات السياسية للولايات المتحدة الأمريكية بين إدارتي كل من أوباما وترامب، حيال منطقة الشرق الأوسط، وليس حيال ما يجري في سورية فحسب، فلئن كان الأول يسعى إلى الحدّ من النفوذ الإيراني من خلال سياسة الاحتواء، وهذا ما تجسّد بالاتفاق النووي بين طهران وواشنطن، فإن الثاني أظهر توجّها مبايناً يتمحور حول المزيد من الضغوطات، على كافة الأصعدة، لتقليص دور إيران، أو خنقها اقتصادياً وأمنياً، وكان نقضه للاتفاق النووي الذي أبرمه سلفه مع طهران دليلاً ساطعاً على هذا التوجه.

ثانياً – لعلّه من الصحيح أن القضية السورية لم تكن من أولويات السياسة الأمريكية في المنطقة، ولم تكن إزالة نظام الأسد أمراً مقنعاً لواشنطن، ليس بسبب موقف إيجابي من نظام دمشق، بل لأن أولويات المصالح الأمريكية لا تستدعي ذلك أو توجبه، إلّا أن المصالح لا تتّسم بالثبات، فهي متغيرة على الدوام، ذلك أن محاربة نفوذ إيران وأذرعها في المنطقة، لن تستثني سورية التي ترى فيها واشنطن مجالاً حيوياً لحراك إيران ونفوذها التوسعي، فضلاً عن مسألة أمن الكيان الصهيوني، التي هي إحدى ثوابت السياسة الأمريكية.

ثالثاً – لقد تزامن إقرار قانون سيزر مع بداية تهلهل وضعف حلفاء نظام الأسد، في كل من إيران والعراق ولبنان، وذلك بفعل الحراك الشعبي الذي لا يرى إيران سوى أنها عدو مشترك، بسبب تغوّلها ودعمها المطلق لأنظمة تلك البلدان، وبالتالي فإن إقرار قانون سيزر الرامي إلى زيادة الضغوطات على نظام دمشق، يجسّد مصلحة مشتركة لشعوب تلك البلدان.

رابعاً – ولعلها المسألة الأكثر أهمية – إن قانون سيزر هو معني بالدرجة الأولى بردع نظام الأسد عن قتل المواطنين السوريين، فضلاً عن أنه ينطوي على إدانات شديدة القوة وذات أدلّة ملموسة، لشخصيات تبدأ من رأس النظام، وتمتد إلى حاشيته من ضباط في الأمن الجوي والمخابرات العامة، وفي حال وجد قانون سيزر طريقه إلى التنفيذ، فهذا يعني أنه سيكون القوة الوحيدة التي تحول دون تجاوز مرحلة العدالة الانتقالية ومحاسبة المتورطين بقتل السوريين، كما يعني أنه سيكون الوسيلة الرادعة لسقوط جرائم النظام بالتقادم، وبالتالي هو الطريقة الأنجع لإحالة أصحاب الجرائم إلى المحاكم الدولية.

خامساً – إن قانون سيزر، في حال اقترانه بالجدية الأمريكية، سيكون لاجماً لجميع المحاولات العربية وغير العربية الساعية إلى إعادة تعويم نظام الأسد وانتشاله من عزلته، كما سيكون داعماً ومعزّزاً لجميع الأطراف الرافضة لفرض تسويات سياسية في سورية تتجاهل حقوق السوريين وتلبي مصالح روسيا وحلفاء النظام، كالدعوات الروسية والإيرانية الرامية إلى إعادة الإعمار، وإجبار اللاجئين السوريين بالعودة إلى سلطة إرهاب الأسد.

لعلّه من نافل القول، أن جميع القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية، وخاصة 2118 - 2254، وعلى الرغم من أن مضامينها جاءت مؤكدّة على وجوب وقف إطلاق النار، والإفراج عن المعتقلين والكشف عن مصير المغيبين، وفك الحصار عن المدن والبلدات المحاصرة، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى من هم بحاجة إليها، وكذلك على الرغم من تأكيدها على حق السوريين بالانتقال إلى دولة خالية من الاستبداد والتوحش، إلّا أن جميع هذه المضامين كانت معطّلة منذ ولادتها، بسبب عطالة مجلس الأمن الذي كان الفيتو الروسي فيه كابحاً لأي خطوة إجرائية تدين نظام الأسد، فلماذا لا يغتبط السوريون، أو يتفاءلون إذا وجدوا من يتجاوز الدور المشلول لمجلس الأمن؟

بقي القول: إن إقرار قانون سيزر من جانب مجلسي النواب والشيوخ، كان ثمرة جهود جبارة وعظيمة لمواطنين سوريين عملوا ضمن (مجلس الجالية السوري الأمريكي)، ولم يتوانوا عن بذل المزيد من الجهد على مدار ثلاث سنوات، بعيداً عن الصخب الإعلامي، والنزعة لتصدّر المشاهد، أو السعي نحو الارتهانات والبحث عن مصالح دون وطنية. كما ينبغي التأكيد على أهمية توازي هذا الحراك داخل الولايات المتحدة الأمريكية، مع نشاط حقوقي في غاية الأهمية، يقوم به ناشطون حقوقيون سوريون في عدة بلدان أوربية، يتجسّد بتحريك دعاوى قضائية بحق رموز الإجرام الأسدي، بغض النظر عما سيسفر عنه هذا الحراك من نتائج، فلمثل هؤلاء جميعاً (تُرفعُ القبعات)، وليس لمن أصبحوا عبئاً مضاعفاً على معاناة السوريين.