icon
التغطية الحية

"قامت القيامة".. سوريون في كهرمان مرعش يحكون عن دقائق الزلزال الأولى

2023.02.17 | 10:19 دمشق

الدمار في كهرمان مرعش
دمار في سوق كهرمان مرعش من جراء الزلزال ـ خاص
كهرمان مرعش - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

لم يتخيل الحاج أبو منير القادم من مدينة حلب القديمة أن يشهد زلزالاً مدمراً يعيده بالذكريات إلى القصف الذي شهدته أقدم مدينة في التاريخ، إلا أنه يبتسم بعيون دامعة أن بيت أجداده القديم نجا في الشهباء، ونجا بصحبة عائلته في بيته هنا في مدينة كهرمان مرعش.

وقال أبو منير لموقع "تلفزيون سوريا": "لا أعرف كيف أصف لحظات الزلزال، ظننت أن القيامة قد قامت، بقيت جالساً في سريري للحظات أنتظر الموت، انتهى أول زلزال، ثم خرجت مسرعاً باتجاه الطريق".

تهتز بطريقة جنونية

وأضاف أبو منير أن "الأرض كانت تهتز بطريقة جنونية يميناً وشمالاً، وفي الزلزال الثاني بدأت تهتز شاقولياً لا أعرف الكل هنا في مرعش أكّدوا ما شعرنا به، الله لطف بنا كانت بعض البيوت سليمة في الأول وانهارت العديد من البيوت في الثاني".

ولفت إلى أن جارهم الحلبي أيضاً فقد ابنه وابنته وأمه وأباه تحت الأنقاض، كان الأطفال مستلقين في نومهم العميق، وقد وقع عليهم السقف، أما الأم والأب فلم نستطع إخراجهم من تحت الأنقاض حتى اليوم الرابع لعدم وجود فرق الإنقاذ".

وأكّد أنه لولا فريق الإنقاذ الأذري الذي جاء إلى مرعش في اليوم الثالث لم نستطع استخراج الكثير من الضحايا، لم يعرف أحد بنا.

عندما عدت إلى بيتي الذي لم يسقط من جراء الزلزال في اليوم الثاني عشر من الزلزال، أول تعد كهرمان مرعش مركز الزلزال المدمر الذي أصاب 9 مدن تركية أخرى، ومناطق واسعة من شمال غربي سوريا.

وقد أطلق على الزلزال اسم "كهرمان مرعش"، إذ عدته مراكز أبحاث الزلزال بؤرته، وعدته من أقوى الزلازل في العصر الحديث، والأقوى من نوعه منذ العام 1999، حيث امتد نحو الولايات الجنوبية بتركيا ومدن شمال سوريا ومعظم محافظاتها.

وشهدت كهرمان مرعش دمار الكثير من أحيائها القديمة خصوصاً منطقة السوق (التشارتشي) فيما بقيت أحياء كاملة بشكل جيد مقارنة بأنطاكية مركز ولاية هاتاي التي تهدمت بشكل شبه كامل أو أصبحت أبنيتها غير قابلة للسكن.

ورصد موقع تلفزيون سوريا الدمار في المدينة عبر جولة مطولة في شوارعها وأحيائها، وحافظت معظم بيوت كهرمان مرعش وأبنيتها على ثباتها في وجه الزلزال مع دمار واسع ببعض الأحياء. 

هرب من قصف الروس

من جانبه، قال أبو أحمد اللاذقاني الذي لجأ من جبل الأكراد بريف اللاذقية بعد التدخل الروسي عام 2015، قادماً إلى كهرمان مرعش أنه نجا من الزلزال بصحبة عائلته. تهدم بيته تحت القصف وفقد كل شيء ويعيش الآن في خيمة بالعراء على بعد كيلومتر من مركز كهرمان مرعش.

وعن اللحظات الأولى للزلزال أوضح اللاذقاني أنه لا يذكر سوى أنه كان يكبر الله ويبحث عن أطفاله ويحملهم من بين الغبار الذي بدأ يتساقط من السقف.

جانب من الدمار الذي خلفه الزلزال في كهرمان مرعش ـ خاص

كل ثانية من الزلزال مهمة، وهي فرصة للنجاة، الدنيا تهتز لا نرى بعيوننا، كل شيء تغير مكانه، وقعت مرتين في أثناء خروجي، انقطعت الكهرباء، بحسب اللاذقاني.

"خرجنا والمطر لا يتوقف، كنا حفاة وبملابس رقيقة، أولادي يبكون وخائفون كما أنهم يرتجفون من البرد، بقينا لساعات طويلة بلا طعام، كنا نخشى من زلزال ثالث وبالفعل عند الظهر ضرب الزلزال بهزة ثالثة قوية كانت مرعبة ولكن كنا خارج البيت، نظرت إلى عيون الجميع، الكل بأمان، حمدت الله على نعمة النجاة".

كل شيء بعد الزلزال مختلف - بحسب أبو أحمد - "الحياة البسيطة التي كنا نعيشها كانت مليئة وجميلة رغم الفقر والعوز، لم نكن نعلم قيمتها حتى فقدنا كل شيء، الآن في شادر يشبه الخيمة".

دمار واحد من أقدم الأسواق التركية

في السوق القديم (التشارشي) تجولنا بحثاً عن ناج من تحت الأنقاض، كان السؤال الدائم أن تكون الخسارات مقتصرة على المال من دون "الأنفس والعيال".

اقرأ أيضا: إرزين مدينة صغيرة في هاتاي كيف صمدت بوجه الزلزال؟

ومن وسط الدمار يخرج أحد التجار الأتراك باكياً على محله في واحد من أقدم الأسواق على الإطلاق يقول (غيتشمش أولسون) الحمد لله على السلامة، يسأل هل أنت من هنا من مرعش؟. لا صحفي من إسطنبول؟ شكراً لقدومكم ونقل ما يجري هنا للعالم، كهرمان مرعش حزينة جداً والدموع على وجنتيه".

محال تاريخية انهارت وأخرى حافظت على صلابتها مع شقوق تزداد مع كل هزة ارتدادية تضرب المدينة، روائح التوابل والبهارات والعطارة تنتشر في المكان. لم يبق سوى الحمام الذي يصدر صوتاً مزعجاً. الكلاب الهادئة والحزينة. والقطط الخائفة والمرتقبة. العصافير الباحثة عن صخب الناس وأصواتهم تنادي الباعة والمتجولين، كل شيء في كهرمان مرعش تغير.

 

زلزال مدمر وأمطار غزيرة

وهذا ما أكّد عليه، إبراهيم عثمان من الباب بريف حلب، والذي أيضاً نجا من الزلزال وكان ماشياً باتجاه حي السوق القديم.

وشيد عثمان خيمته في فسحة قريبة من بيته المتصدع والآيل للسقوط خيمة لا تقي برد شتاء ولا حر صيف.

في الثواني الأولى للزلزال جرح عثمان رأسه بحجر كبير سقط من المنزل عليه كاد أن يفقد وعيه. لم يهتم بالدماء التي كانت تسيل من رأسه، في أثناء الاهتزاز الجنوني للبيت كان يفكر بأبنائه ونجاتهم. حمل أولاده للخارج وبقوا تحت المطر الغزير والبرد لساعات طويلة، في عصر اليوم التالي من الزلزال اشترى الشادر بما كان يملكه من مال وأسس خيمة نزوحه الجديد.

وعن خروجه من كهرمان مرعش إلى أي مكان جديد آمن، قال: ليس باليد حيلة للخروج من مرعش إلى أنطاليا بسبب إيجاراتها الغالية وعدم توفر المال للسفر إليها. عندي أقارب في ولايات كثيرة لكن كل واحد منهم لديه همومه. الله يعين".

قصص كثيرة تسمعها من كل الناس في شوارع المدينة المنكوبة، جميعها تحمل شهادات مرعبة عن اللحظات الأولى للزلزال، أناس فقدوا أقاربهم وأبناءهم، وآخرون تهدمت بيوتهم. غيرهم تصدعت منازلهم، يريدون البدء من جديد كعادة السوريين في مواجهة الحروب والقصف والزلزال والتهجير.