قاسم سليماني إذ يودّع زهير رمضان

2021.11.20 | 03:03 دمشق

438.jpeg
+A
حجم الخط
-A

المشهد لم يعد غريباً في العاصمة التي باتت غريبة عن أهلها ونفسها، وتلك الصور القادمة من ساحاتها تشي بحقيقة واحدة أن الغرباء هم الأغلبية هنا، والغرباء ليس فقط من يحملون السلاح والأعلام السوداء بل بعض الأبناء الذين مال بهم هواهم إلى المحتل، وينطقون باسمه من دون أي شعور بالذنب والخجل والعار.

هنا في دمشق التي شيع فيها هؤلاء بالأمس - أحد الصارخين باسم السلطة وحماتها- ثمة إشارات وصور تحكي قصة المدينة الأعرق عربياً وتاريخياً، وهنا بالضبط في أشهر ساحاتها تتوزع صور الجنرال الإيراني قاسم سليماني كما لو أنه أحد قادة النضال السوري والعربي إذ إنه في أعينهم يضاهي صلاح الدين بجوار قلعة دمشق، أو كعَلَم ثقافي ينافس أبو تمام ونزار قباني.. هنا لا تمر الصور عابرة بل معبرة عن حال الذاهلين بمصير لم يكن يخطر على بال أبرع المحللين والساسة.

أكبر هؤلاء الذين حملوا عصا السلطة ولبسوا بزة الجيش كان نقيب الفنانين زهير رمضان الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بعد تكتم عن حالته الصحية

الأيام الأخيرة كانت عاصفة بمدلولاتها في العاصمة التي تخلصت من المفتي بقرار رئاسي بعد أن أطلق من عزاء صباح فخري تفسيراً عجيباً -اعتاد عليه حسون كثيراً- لكن المرة هذه أودى به لأن سيناريو المرحلة يقتضي تغيير وجه البلاد المذهبي، ومن ثم تداعى مؤيدوه إلى تكرار عبارته عن أن السوريين الصامدين هم من قصدهم الله عز وجل في سورة (التين) وهذا ما أعاده على الأسماع دريد لحام في لقاء تلفزيوني وبالعبارات نفسها مشفوعة بالحب لسوريا وناسها الطيبين لكن مع تغيير بسيط في الرسالة التي طالما كررها فنانو السلطة في تخوين كل زملائهم الذين خرجوا على السلطة ومن البلاد التي تعصف بها حرب النظام على الشعب.

أكبر هؤلاء الذين حملوا عصا السلطة ولبسوا بزة الجيش كان نقيب الفنانين زهير رمضان الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بعد تكتم عن حالته الصحية، وهو من شطب من نقابته الفنانين الثائرين بزعم خيانتهم لوطنهم مع ذرائع أخرى كعدم دفع البعض منهم رسوم اشتراكه في تلك المؤسسة البائسة، ولكن لم يتورع في كل لقاءاته عن توزيع التهم هنا وهناك وتحديداً من كانت تربطه بهم أواصر الصداقة والزمالة والمهنة، ولم يرَ فيهم سوى مجموعات ظلامية شأنهم شأن أي تنظيم إرهابي وهو ما كرره حين انتخابه عضواً في مجلس الشعب: (سوريا بلد النور والسر الإلهي المتجسِّد على الأرض لن نسمح لبعض الظلاميين الذين يعيشون جاهلية ما قبل الإسلام أن يحكموا هذا الوطن).. فهل كان فارس الحلو وجمال سليمان وحاتم علي وعزة البحرة والراحلة مي سكاف من أولئك الظلاميين حتى يتهموا بالعمالة والخيانة من قبل نقيب الفنانين الذي توحشّ خطابه ضد زملائه فقط لأنهم لم يقبّلوا حذاء جندي قاتل أو مرتزق عابر للحدود كما فعل زهير عبد الكريم وبعض من آثروا البقاء.

توعد بأن يقدم العائدين إلى البلاد منهم إلى المحاكم لمحاسبتهم، وأنهم (غربان) ساهموا في سفك الدم السوري

لم يدعم رمضان السلطة فحسب بتأييدها بكل ما فعلته بالبلاد الخراب بل ذهب أبعد من ذلك في تصريحاته حيث توعد بأن يقدم العائدين إلى البلاد منهم إلى المحاكم لمحاسبتهم، وأنهم (غربان) ساهموا في سفك الدم السوري في وقت كانت ترمى فيه البراميل والصواريخ بشكل عشوائي على المدن والقرى الآمنة دون تمييز، بل طالبهم عند العودة بالانتساب لحزب البعث كإعلان توبة وصك غفران.

ترى منْ ودع منْ بالأمس في دمشق القابضة على جمر حزنها؟.. الغرباء الذين تزين صورهم ساحات الأمويين والسبع بحرات أم الذاهبين إلى قبورهم بعيداً عن منابر التخوين ومناصب القهر.. أم من بقي منهم على مذهب العداء لكل الرافضين لتغيير وجه البلاد وتاريخ البيوت والمساجد والحيطان، سليماني الذي مرّ من هنا ذات يوم وذهب إلى جهنمه وحيداً أم زهير رمضان بصراخ التخوين والعنجهية مغادراً عاصمة السوريين المكبلة إلى حين بكل الاحتلالات وهوان الحاكمين؟