icon
التغطية الحية

قائد قسد لفورين بولسي: لم نرغب باستقبال الروس لولا انسحاب أميركا

2020.10.22 | 15:24 دمشق

us-northeast-syria-kurds-autonomous-russia.jpg
فورين بوليسي- ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

منذ أكثر من ثماني سنوات، ظل القادة في شمال وشرق سوريا يسعون لتحقيق مشروعهم المتمثل بالحكم الذاتي في تحد واضح لنظام الأسد بدمشق. فلقد شهدت المنطقة تحت قيادة الكرد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، والعديد من العمليات العسكرية التركية، والانسحاب الأميركي الجزئي، ونشر القوات الروسية فيها.

ويبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتقد بأن الانسحاب الأميركي الذي جرى خلال الخريف الماضي قد يساعده على تحقيق هدفه الأسمى في سوريا أخيراً، ألا وهو تمكين بشار الأسد من استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، حيث اعتقد بوتين بأن المنطقة التي تتمتع باستقلال شبه ذاتي يمكن أن تعود لسيطرة نظام الأسد المركزي بسهولة، كما حدث لمدينتي حلب وحمص اللتين سيطر عليهما الثوار ثم انهارتا بمجرد أن تقدمت قوات النظام ووصلت إليهما، إلا أن ذلك لم يحدث.

ولخيبة أمل بوتين، ما تزال قوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة تحتفظ بهيكل قيادة موحد، وبدلاً من أن تتعرض لانشقاقات كبيرة مع بدء العملية العسكرية التركية أو عند نشر قوات النظام أو القوات الروسية في مناطقها، ثبتت قوات سوريا الديمقراطية في مكانها، وأصبح لديها اليوم ما يقارب من 100 ألف مقاتل، بينهم قوات الأمن الداخلي، ولهذا تعتبر قسد ثاني أكبر قوة مسلحة في كامل الأراضي السورية، إذ تحتل المرتبة الثانية بعد جيش الأسد.


اقرأ أيضا: نجاة القيادية في "قسد" ليلوى العبد الله من محاولة اغتيال جديدة

غير أن كلاً من بوتين والأسد يطمحان إلى استسلام قسد لجيش النظام، فذلك هو المفتاح لإعادة تأكيد سيطرة النظام على المنطقة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي. إلا أن قائد أركان قسد، وهو مظلوم عبدي، لم يخطط أبداً للوصول إلى تلك المرحلة، فقد أخبرني خلال مقابلة مطولة أجريتها معه وقال: "إننا نود أن نصبح جزءاً من الجيش السوري مستقبلاً، لا جزءاً من الجيش الموجود حالياً". إذ لطالما أكدت قسد والإدارة الذاتية بأنها تلتزم بوحدة الأراضي السورية، غير أنهما ترغبان بتنفيذ مشروعهما في مناطق أخرى من سوريا، دون الانفصال عنها. ومع ذلك ما يزال مسؤولون لدى النظام يصفون أكراد سوريا بالمهاجرين بدلاً من اعتبارهم مواطنين سوريين، كما يتهمونهم بأن لديهم طموحات انفصالية. بيد أن المسؤولين الروس لا يبدو عليهم أنهم يصدقون فعلاً الدعاية المعادية للكرد كما لا يعتبرون تلك الدعاية ذريعة يمكن أن تستخدم ضدهم، فالجزرة الوحيدة التي يستخدمها المسؤولون في موسكو في أغلب الأحيان تتمثل في العرض الذي يقدمونه للعب دور الوسيط في المحادثات التي تجري بين دمشق والإدارة الذاتية. ولكن حتى الآن رفض الأسد تقديم أي تنازل. فسألت مظلوم عن السبب، وهل هذا يعود لعدم قدرة الروس على الضغط على الأسد أم أنهم ببساطة لا يرغبون أن يضغطوا عليه ليقدم تنازلات؟ فقال: "يعود ذلك إلى أنهم لا يرغبون بذلك، فهم يدعمون النظام، ثم إننا استقبلنا الروس ليس رغبة منا بذلك، بل بسبب الانسحاب الأميركي".

لقد تفاوضت قسد على شروط أصبح بوسع الروس بموجبها العمل في مناطق قسد، وهذا ما عبر عنه مظلوم بالقول: "من الشروط المسبقة التي وضعها الروس لدخول هذه المنطقة ضرورة التنسيق معنا (أي مع قسد) وليس مع النظام. ولهذا فإننا نواجه الروس دوماً في حال عدم التزامهم بالاتفاقية". ولكن حالياً، يصر مظلوم على أن قسد هي الآمرة الناهية في المنطقة وهذا ما يعكسه قوله: "الروس مجرد ضيوف على قسد، ولهذا نرافقهم في دورياتهم"، إلا أن الجيش الروسي يحاول دوماً أن يختبر حدوده.

وبما أن شمال شرقي سوريا رفض الخضوع لسيطرة حكومة نظام الأسد المركزية، لذا انتقلت روسيا اليوم لأشكال وصيغ جديدة من الألاعيب، والتي تشمل المطالبة بإقامة قواعد عسكرية روسية جديدة في شمال شرقي البلاد، ومحاولتها تقسيم قسد عبر إثارة النعرات الطائفية بين الكرد والعرب، وتضخيم الآلة الإعلامية لنظام الأسد التي تصف قوات قسد بالقوات المنحلة، إلى جانب التعدي على القوات الأميركية في محاولة منها لإجبارهم على الانسحاب بشكل كامل. إذ يقدر عدد الجنود الأميركان الذين ما يزالون في سوريا بنحو 600 جندي، إلا أن هذه الأساليب أثبتت فشلها جميعاً حتى الآن، لكنها سببت الكثير من المشكلات.

إن مخطط الوضع الحالي لما يجري على الأرض قد وضع قبل سنة، وذلك بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السادس من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، حيث أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب القوات الأميركية بالانسحاب من شمال شرقي سوريا، دون التشاور مع مستشاري الأمن القومي لديه. وبعد مرور ثلاثة أيام على ذلك، قام الجيش التركي وأعوانه بعملية عسكرية في سوريا، فسيطروا على مساحات واسعة بين تل أبيض ورأس العين.

اقرأ أيضا: القوات الروسية "منزعجة" من قسد وتهدد بالانسحاب من شرق الفرات

عندها وسع الجيش الروسي من وجوده وفرز جنوده على أكثر من 15 قاعدة عسكرية، وتوعد بالرد كضامن في حال قيام أي عملية عسكرية أخرى من قبل تركيا. ثم وقع مسؤولون في موسكو اتفاق وقف إطلاق النار مع أنقرة في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019، أي بعد مرور أيام على تفاوض نائب الرئيس مايك بنس على اتفاقية مماثلة في السابع عشر من تشرين الأول. بيد أن الاتفاق مع الروس أو مع الولايات المتحدة لم يمنع تركيا والفصائل التي تدعمها من ارتكاب أكثر من 800 خرق لوقف إطلاق النار خلال العام المنصرم.

وخلال الشهر الماضي، طالب الجيش الروسي بمزيد من القواعد العسكرية في المنطقة، وعندما رفضت قسد، لوح الجيش الروسي بالانسحاب، إذ كان محور الخلاف هو منطقة تل تمر الحساسة، التي تعتبر الموطن الأقدم لأقلية آشورية عانت كثيراً وهي تنافح عن موطنها عقب تعرضها لهجوم قوات تنظيم الدولة في عام 2015. وتقع تل تمر اليوم على خط النار ضمن المنطقة التي تسيطر عليها تركيا، وقد تعرضت لهجمات متكررة شنتها عليها فصائل تدعمها تركيا.

هذا ويثير تهديد روسيا بالانسحاب من تلك المنطقة تساؤلات حول مدى التزام الجيش الروسي بحماية المنطقة من أي هجوم آخر عبر الحدود، ولعل هذا التهديد أتى لإرغام قسد على تقديم تنازلات. فقد تناقل الإعلام المحلي خبراً مفاده بأن الروس عقدوا اجتماعات في القامشلي والحسكة مع سبع قبائل عربية، والهدف المرجو من تلك الاجتماعات هو إقناع تلك القبائل بالانشقاق عن قسد، وتشكيل ميليشيا منفصلة عنها تحت القيادة الروسية.

إلا أن فكرة نجاح قسد في وجه الضغوط التي تمارسها موسكو والنظام وتهديدات أردوغان بالقيام بمزيد من العمليات العسكرية لا يمكن أن يعزى فقط لمناصرة الولايات المتحدة لقسد. فقد ترتب على برنامج  Timber Sycamore السري الذي كلف مليار دولار والهدف منه تدريب وتسليح الفصائل الأخرى إخفاقات بلا حدود، ما يعني أن قسد تستمد قوتها من تنوعها، فهي تمثل القوة المسلحة الوحيدة في سوريا التي لا تميز بين المقاتلين على أساس النوع الاجتماعي (الجندر) أو العرق أو الدين.

اقرأ أيضا: أهالي الشدادي يتظاهرون ضد الوجود الأميركي و"قسد" في المنطقة

بيد أن الجهود التي بذلتها روسيا لم تذهب جميعها سدى، إذ مؤخراً، دعا وزير الخارجية سيرغي لافروف وفداً من المجلس الديمقراطي السوري الذي يمثل أعلى هيئة سياسية ضمن الإدارة الذاتية لزيارة موسكو، فوقع الوفد على مذكرة تفاهم مع حزب الإرادة الشعبية الذي يترأسه قدري جميل، ودعا إلى إقامة سوريا موحدة لا مركزية مع الاعتراف بجميع المكونات الإثنية والدينية الموجودة فيها.

ثم إن النجاح الجزئي الذي حققه بوتين في سوريا يعود الفضل الأكبر فيه إلى حقيقة بسيطة مفادها أن وزارتي الدفاع والخارجية الروسية نسقتا سياساتهما حول سوريا. أما في الولايات المتحدة، فقد ظهر خلاف وتنافر بين البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية وخرج إلى العلن في بعض الأحيان، ولعل أعنف تلك الخلافات هو ذلك الذي دفع بوزير الدفاع الأميركي السابق جيمس ماتيز إلى الاستقالة احتجاجاً على أوامر ترامب التي تقضي بالانسحاب في أواخر عام 2018. كما أن عدم وجود التزام قوي بشمال شرقي سوريا، باستثناء رغبة ترامب بحماية النفط، لعب لصالح الروس.

بيد أن وجود التزام أميركي أكبر بشمال شرقي سوريا لا يستلزم نشر عدد أكبر من الجنود أو ترك العدد مفتوحاً أمام أي زيادة. إذ تبين لنا خلال السنة الماضية أنه ما يزال بوسع الولايات المتحدة أن تقوم بمهام ضد تنظيم الدولة ضمن مساحات شاسعة من الشمال السوري حتى بعد تخفيض وجودها العسكري هناك. وقد شملت تلك العمليات الغارة التي نفذت في إدلب وأدت إلى قتل أبي بكر البغدادي. غير أن عمليات نشر الاستقرار وتلبية الاحتياجات الإنسانية كبيرة جداً مقارنة بالوجود الدبلوماسي الأميركي الضئيل.

ثم إن زيادة الوجود الدبلوماسي تحتاج لمراحل طويلة قبل أن تستعاد الثقة التي خرقها ترامب بقراره القاضي بتنفيذ انسحاب جزئي قبل عام. كما أنه من الضروري وجود عدد أكبر من الدبلوماسيين الأميركيين لضمان تنفيذ السياسات الأميركية المختلفة على الأرض، وهذه السياسات تتراوح ما بين الجهود الساعية لنشر الاستقرار والتي تهدف لإعادة سبل العيش والأرزاق لسابق عهدها، ومنع عودة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، مروراً بفرض عقوبات على نظام الأسد، وصولاً إلى ترحيل معتقلي تنظيم الدولة الإسلامية إلى بلادهم، ودعم المحادثات المتواصلة حول الاتحاد الكردي.

ومن بين الجهود المبذولة للهرب من الطريق المسدود على الصعيد السياسي، تسلم مظلوم زمام المبادرة وأطلق سلسلة محادثات حول الاتحاد بين الأحزاب الكردية. وفي تناقض واضح مع المحادثات التي ترعاها روسيا بين قادة تلك المنطقة ونظام الأسد، والتي لم تحقق أي تقدم، تبدو المحادثات حول الاتحاد الكردي التي تدعمها الولايات المتحدة تتجه نحو التقدم ولو ببطء شديد. وإذا نجحت تلك الجهود في مساعيها، عندها يمكن للمحادثات حول الاتحاد الكردي أن تمهد الطريق لتعددية سياسية أكبر في شمال شرقي سوريا، ومن المحتمل أن يقلل ذلك من التوتر بين تركيا وكردستان العراق، كما سيلقي هذا التغيير بتأثيره على المنطقة ككل، وسيسمح للجيش الأميركي بالانسحاب في نهاية المطاف أو تقليص عدده إلى أدنى حد، دون التخلي عن المنطقة لتقع ضحية للاضطرابات التي تهدد أرواح السكان البالغ عددهم قرابة 4 ملايين نسمة، أو خيانة حلفاء الولايات المتحدة.

اقرأ أيضا: أهالي قرية في الحسكة يطردون دورية لـ"قسد" 

ولزيادة احتمال نجاح محادثات الاتحاد، يتعين على الولايات المتحدة أن تلتزم بإشراك الإدارة الذاتية في المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة بجنيف والتي تهدف إلى إيجاد حل سياسي للنزاع.

فقد حان الوقت بالنسبة لواشنطن لتكف عن التعامل مع قسد على أنها مجرد أداة لدحر تنظيم الدولة، وذلك لأن قسد والإدارة الذاتية سيطرتا على المناطق بعد تحريرها من دولة الخلافة، الأمر الذي حول شمال شرقي سوريا إلى المنطقة الأكثر استقراراً في البلاد، بعدما رفضت الخضوع للأسد طيلة مدة تجاوزت الثماني سنوات. ما يعني أن البديل عن نظام الأسد موجود ويلوح في الأفق، وما على الإدارة الأميركية سوى أن تعترف به.

المصدر: فورين بوليسي