icon
التغطية الحية

قائد أوركسترا أورنينا السورية: يرانا التقليديون كمخرّبين للموسيقا العربية

2025.02.21 | 03:05 دمشق

آخر تحديث: 21.02.2025 | 03:06 دمشق

789999
أوركسترا أورنينا السورية (تصوير عروة شيباني)
حوار: رامي العاشق
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- تأسست أوركسترا أورنينا السورية في المنفى عام 2016 بقيادة شفيع بدر الدين، بهدف جمع الموسيقيين السوريين في أوروبا والحفاظ على التراث الثقافي السوري، وتقديم مزيج من الألحان العربية الكلاسيكية والحديثة.
- تواجه الأوركسترا تحديات التنميط الثقافي في الغرب، ومع سقوط النظام السوري، تسعى لتقديم عروض في سوريا والدول العربية، بالتعاون مع مؤسسات محلية لتلبية رغبة الجمهور السوري.
- تسعى الأوركسترا لتقديم التراث الموسيقي برؤية جديدة تجمع بين الشعبي والنخبوي، مع التركيز على دعم الدولة السورية الجديدة للثقافة والفنون والتعليم الفني.

سقط النظام السوري، وهرب بشار الأسد، ورأى كثير من السوريين وطنهم بعد أن فقدوا الأمل، ويطمح كثير من السوريين اليوم إلى العودة. مشاريع كثيرة بدأت بالظهور، بعض مخططات الاستقرار في أوطان بديلة بدأت تتغير، منفيّون يضعون حداً للنفي ولسرديّات تهجيرهم، وما كان مستحيلاً وبعيداً عن التحقيق حدث حقاً.

نحاور هنا المؤلف وقائد أوركسترا أورنينا السورية الفنان شفيع بدر الدين الذي يعيش في المنفى منذ خمسة عشر عاماً، ونتحدث عن أورنينا ومشروع العودة إلى سوريا.

تخرج بدر الدين من المعهد العالي للموسيقا في دمشق عام 1998، باختصاص عُود وكلارينت والنظريات الموسيقية، ثم تابع دراسته في التأليف الموسيقي عام 2002 في المعهد الوطني لمدينة ليون الفرنسية، ثم درس قيادة الأوركسترا في المعهد الوطني بمدينة ديجون في فرنسا، وعمل قبل ذلك مدرّساً في المعهد العالي للموسيقا في سوريا بعد تخرجه، وكذلك بعد عودته عام 2007، وألّف العديد من الأعمال الموسيقية.

678678
شفيع بدر الدين (تصوير: عروة شيباني)

في نهاية عام 2010، غادر باتجاه أوروبا -دولة لوكسمبورغ-، ومن منفاه أسّس في عام 2016، مع نخبة من الموسيقيين السوريين في الشتات، أوركسترا أورنينا، التي انطلقت لتكون منارة للحفاظ على التراث الثقافي والتميز الفني، مكرسة للاحتفاء بالإرث الموسيقي الغني لسوريا مع تبني التحديثات المعاصرة التي تعكس الروح الديناميكية للثقافة السورية. سُمّيت تيمّناً بمغنيّة معبد عشتار، "أقدم موسيقيّة معروفة في العالم" دلالة على ديمومة الفن عبر العصور، وتقدم الأوركسترا مجموعة متنوعة من الأعمال الموسيقية التي تمتد عبر قرون، بدءاً من الألحان العربية الكلاسيكية والأغاني الفلكلورية التقليدية وصولاً إلى المقطوعات الحديثة المبتكرة.

"نشأت أوركسترا أورنينا السورية كحالة ثورية على المألوف الموسيقي من جهة، والارتباط بثقافة الناس من جهة ثانية"

تأسست أورنينا في المنفى، وكانت فكرتها قائمة على الموسيقيين الذين وصلوا إلى أوروبا. واعتمدت برامجها بشكل أساسي على الموسيقا التقليدية أو الكلاسيكية العربية لجمهور مختلط ومتعدد الثقافات. هل سيؤثّر سقوط نظام الأسد على هويّة الأوركسترا، على من سيشارك فيها في المستقبل، على طبيعة الموسيقا المقدمة، وعلى هوية المنفى أو المهجر التي تحملها؟

  • تأسست أوركسترا أورنينا السورية عام 2016، إحدى غايات تشكيلها بالفعل هي خلق مؤسسة فنية تجمع الموسيقيين السوريين الذين قدموا إلى أوروبا مع موجات لجوء السوريين عموماً. إذن، هذه إحدى أفكار الفرقة إلا أنها مبنية على عدة أفكار منها ما هو على المستوى الوطني-الإنساني الذي يتمثل بربط السوريين المنفيين بوطنهم عبر الموسيقا من جهة وتقديم ثقافتنا لمجتمعاتنا الجديدة، وتالياً وضع موسيقانا في المشهد الفني العالمي.

أما على المستوى الفني فهو مشروع قديم اشتغلتُ عليه وبعض الموسيقيين السوريين، ألا وهو خلق نسيج موسيقي تعددي خاص بموسيقانا المقامية البناء. وهنا من المهم التنبيه إلى أن اشتغالنا على الموسيقا الشعبية والكلاسيكية العربية يأتي في سياق تكتيكي لغاية تقديم مادة صوتية غير مألوفة لدى جمهورنا، هذه كانت المرحلة الأولى من عمل الفرقة، حيث انتقلنا في المرحلة الثانية إلى تقديم أعمال مكتوبة خصيصاً للتشكيل الأوركسترالي لأورنينا. هذا يحيلني إلى الوصول للقسم الثاني من سؤالك حول تأثير سقوط نظام الطغيان: في الواقع لقد كان خياري الشخصي في هذا التوجه الموسيقي قد نتج بعد اعتزال مؤقت دام لحوالي أربع سنوات بدأته مع هروب بن علي واشتعال ثورات الربيع العربي تباعاً إلى ما قبل تشكيلها بأقل من سنة، وبالتالي نشأت أوركسترا أورنينا السورية كحالة ثورية على المألوف الموسيقي من جهة، والارتباط بثقافة الناس من جهة ثانية.

لذلك، يمكنني القول إن هذا التغيير المفاجئ لن يؤثر على الهوية الفنية للفرقة إلا إيجابياً من حيث الارتباط أكثر بالمجتمع الحاضن ومن حيث رفدها بفنانين إضافيين، والأهم هو الأمل بتعميم هذا التشكيل الآلي للموسيقا السورية.

8759
أوركسترا أورنينا (تصوير: عروة شيباني)

منذ بضعة سنوات، وربّما حتى قبل شهرين من اليوم، كنت تحلم أن تقيم الأوركسترا حفلاً في بلد عربيّ،  وكنت ترى أن الغناء في سوريا "حسرة" وفكرة مستحيلة. كيف تتعامل اليوم مع الانقلاب السريع لسرديّة حرماننا من بلدنا؟ هل سنرى أورنينا على مسرح دار الأوبرا قريباً؟

  • لطالما واجهتنا وتواجهنا دائماً عقبات كبرى مرتبطة بالتنميط الثقافي نتيجة نظرة استشراقية مؤسفة منتشرة في الوسط الفكري/الثقافي الغربي، حيث أن الموسيقا العربية لا تتعدى في مخيالهم التخت الشرقي والآلات التقليدية العربية، إذ يندر أن تجد في برامج قاعات العروض الموسيقية في أوروبا غير فعاليات فنية تقليدية، وكأنّ التقدمّ والحداثة أمر بعيد المنال عن موسيقانا، لهذا كانت رغبتنا كبيرة ولازالت بأن نقدم هذا التشكيل الموسيقي وهذه الرؤية الفنية في الحاضنة الثقافية الأم، وعلى اعتبار استحالة هذا في سوريا، فكانت رغبتنا على الأقل أن نجد نافذة في الدول العربية، عموماً، حتى هذا الأمر، بكل أسف، لم يحدث لأسباب عدة منها ما كان مرتبطاً بالتشابك السياسي لسوريا، ومنها أسباب أُخرى تتعلق بالتواصل أو التكاليف بسبب حجم أورنينا الكبير.
    الآن من دون شك ومن حيث لا ندري انفتح أمامنا أفق جديد، والرغبة لا تُقاوم بتقديم عروض أورنينا في وطننا الذي حملناه طويلاً بين حنايا مدوناتنا الموسيقية واهتزاز أوتار آلاتنا لننقله لجمهور لوّعه الشوق والحنين.

وبالفعل بدأنا بالتخطيط لتقديم عدد من الحفلات في المدن السورية المختلفة، ونظراً للظرف القاسي للبلاد فالعمل منصب حالياً على إيجاد آليات عملية لتذليل العقبات اللوجستية أمام مشروع يتطلب الكثير من التنسيق والتنظيم لنقل أكثر من 60 فنان في عدة مدن، وتجدر الإشارة إلى أننا قمنا بالتواصل مع إدارة تلفزيون سوريا وهو المؤسسة السورية الأهم التي رافقت نشاطات أورنينا عبر شراكات عدة، ونأمل أن نتعاون معاً لتحقيق هذا المشروع.

نحن نعلم من خلال إحصاءات صفحات الفرقة على شبكات التواصل أن المشاهدات الأكثر للأوركسترا هي في سوريا وتصلنا يومياً رسائل ترغب بحضور حفلاتنا في المدن السورية، لذلك لن تقتصر الحفلات المستقبلية على دار الأوبرا وحسب، إنما سنزور مدناً عدة ونقدم في المسارح الممكنة وفي الهواء الطلق كذلك.

"التيار الذي اخترناه يقع في مرمى المتخاصمين فننال النصيب الأكبر من الرفض، إذ نحن نعتبر مخربين ومشوهين للموسيقا العربية من قبل التقليديين، أما من المؤمنين بالغرب وكل ما يُنتج فنحن نبذل جهداً ضائعاً لا جدوى منه".

تقدم أورنينا التراث برؤية جديدة، وتقوم موسيقا المنطقة أو ما يعرف بالموسيقا العربية أو الشرقية على الصوت الواحد. حين أفكّر بهاتين الجملتين خارج سياق الموسيقا أتذكر مباشرة إصلاحيين إسلاميين تحدثوا عن تقديم التراث برؤية جديدة، ومفكرين ديموقراطيين تحدثوا عن الصوت الواحد. ربّما ابتعدتُ قليلاً، ولكن هل ترى نفسك كمؤلف، والأوركسترا كمشروع، في سياق التجديد والتحديث، خاصة أنكم تجمعون ما هو "شعبي" كالتراث بما هو "نخبوي" كالأوركسترا؟ وهل واجهتم نقداً لأنكم تقدمون التراث بشكل مختلف؟

  • هذا سؤال بالغ الأهمية، والإجابة عليه محفوفة بالمخاطر لأنها تسير على خيط رفيع ما بين المفاهيم المتناقضة. نحن لا نقوم بتحديث التراث وشخصياً، لا أميل لهذا المصطلح، تراثنا ذو الصوت الواحد جميل وهذه خصوصيته. نحن بالفعل نقدم أعمالاً تراثية ضمن نسيج أوركسترالي متعدد الأصوات وهذا يبدو متناقضاً مع ما ذهبت إليه للتو، إلا أننا في الواقع لا نقدم التراث بهذا الشكل لغاية التحديث، إنما كوسيلة، إن صح التعبير، لتقريب الكتلة الصوتية المستحدثة من الأُذن العربية، وبطبيعة الحال يمكن اعتبار الأعمال التراثية التي أخضعناها لهذه المعالجة الصوتية بأنها قُدمت من وجهة نظر فنية حديثة، ولم نطور فيها شيئاً لأنها جميلة بشكلها الأصلي.
    إن الهم الأكبر بالنسبة لي على المستوى الفني هو خلق نسيج هارموني خاص بموسيقانا ذات الطابع المقامي والمحتوية على أرباع الصوت، نسيج منسجم معها لا دخيل عليها، معززاً لهويتها لا متعالياً عليها، هنا، أخشى الفهم الخاطئ ما بين الحق بامتلاك هوية خاصة مع الانفتاح على الفضاء الواسع، والتقوقع الهوياتي، هذه الأخيرة مرفوضة بشكل قاطع بالنسبة إليّ.
    أما عن النقد، فبإمكاني التأكيد على أن التيار الذي اخترناه يقع في مرمى المتخاصمين فننال النصيب الأكبر من الرفض، إذ نعتبر مخربين ومشوهين للموسيقا العربية من قبل التقليديين، أما المؤمنون بالغرب وكلّ ما يُنتِج، يعتبرون أننا نبذل جهداً ضائعاً لا جدوى منه.

في ظل تعطّل تام لوزارة الثقافة في سوريا اليوم، وإشكاليات الفنانين الذين تحالفوا واصطفوا مع النظام، وفي ظل غياب ملامح آليات محاسبة أو عدالة انتقالية في الوسط الثقافي. هل يملك شفيع بدر الدين تصوّراً لهذا الانسداد؟

  • لا، لا أملك تصورات بهذا الشأن، ولا أظن أن أحداً يملكه، هذا الأمر بحاجة لرؤى جماعية لتفادي الأحكام الجائرة أو المتراخية. شخصياً، ما يهمني وأصر عليه، هو استعادة القيم عموماً، وقيمة الرأي والموقف على وجه الخصوص، وهذا يقتضي ألا نقدّم الأمثولة الخاطئة من خلال القبول بتغيير الرأي وانقلاب الموقف تبعاً للمصلحة الشخصية أو للتقرب من السلطة، هذا كان أحد أهم أسباب استتباب الاستبداد.

بكل أسف، هذا يحصل الآن أمام أعين الجميع، فهاهم الذين عادوا الثورة وأهلها خلال أربعة عشر عاماً، سواء بالرأي أو بالعمل المؤذي، يقدمون أعمالاً فنية عن انتصارها! حقيقة، هذا كثير!

565656
شفيع بدر الدين (تصوير: عروة شيباني)

إذا أردنا النظر إلى المستقبل، كيف يرى شفيع بدر الدين مستقبل الفنون والموسيقا في المرحلة القادمة التي يقودها تيار ديني؟ ما هي مخاوفك؟ وعلامَ تعوّل؟

  • أعتقد أنه من المبكّر الحكم على المرحلة القادمة. ما يسعني قوله، إن سوريا كانت وستبقى بلداً حضارياً ينجز للحضارة ويقدم لها، والشعب السوري لصيق بالفن والأدب وهذا بالغ الوضوح.
    أما إن تجاوزنا مسألة الحكم، فأقول إن الخطر الأكبر على الثقافة والفنون هو الليبرالية الحديثة التي تسعى لخصخصة وتسليع كل شيء بما فيها الثقافة والفنون، وهنا تكمن الخطورة الكبرى، فجعل المنتج الفني سلعة يعني بالضرورة جعل المتلقي زبوناً، وهذا سيدخلنا قسراً في قواعد السوق وبأحقيّة الزبون بالحصول على ما يريد لأنه دائماً على حق، هنا تنكسر الحلقة الأهم في الفنون ألا وهي التفاعلية المتبادلة أو الحالة الدينامية ما بين المبدع والمتلقي.

لذلك، على الدولة السورية الجديدة أن تكون داعمة للثقافة والفنون الجادة، وأن تخصص نسبة من الناتج القومي لهذا المضمار، وأن تسنّ قوانين تنصف العاملين في حقل الثقافة بكل تفرعاته، وأن تهتم بالتعليم الفني وإدخال الفنون كمادة فعالة في المدارس الابتدائية.