في لقاء بايدن.. هل سينزل بوتين عن الشجرة في سوريا؟

2021.06.16 | 06:09 دمشق

-1-17.jpg
+A
حجم الخط
-A

صرحت  الولايات المتحدة الأميركية أن استراتيجيتها مع الروس في سوريا تعتمد على إغراقهم أكثر فأكثر في المستنقع السوري ولم يكن كلام جميس جيفري حينذاك يعبر عن إدارة ترامب بل عن عقيدة الدولة العميقة الأميركية وقد سبق القمة تأكيدات من مصادر البلدين أن الملف السوري على أجندة اللقاء بين الزعيمين، تدخل روسيا وهي تريد وضع تصورها على الطاولة بينما تدخل  الولايات المتحدة لضبط إيقاع موسكو فقضية ضم أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي تؤرق موسكو واعتبرها بوتين خطاً أحمر، لا يمكن إغفال ذلك القلق الروسي رغم كل ما تبديه موسكو من تصعيد في مناطق النفوذ المتضاربة في سوريا كمثال واضح وصريح عن تضارب المصالح والرؤى الروسية والأميركية.

بوتين يبحث عن مخرج فعلي ويبدو أن التحليلات التي تشير إلى بيع بشار في مزاد المياه الدافئة واستحواذ الشركات الروسية على أعمال إعادة الإعمار ليست من الفراغ ولا من بنات أفكار أحد

بوتين الذي انهكته الحرب السورية:

رغم المكابرة الروسية لكن جولات لافروف وزير الخارجية الروسي على دول الخليج وطلبه "رجاءه" بإعادة النظام للجامعة العربية وتجنيد أقلام في صحف عالمية ومحلية ولبنانية للتسويق أن النظام يستعيد عافيته وعليكم القبول به ودفع الأموال يدل كل ذلك على حالة الإرهاق الروسي من الملف السوري، فحقن البوتكس التي بدت على وجه بشار الأسد هي تعكس ما فعلته روسيا من تجميل الوحش القبيح ونفخ الروح في الميت لكي تبيع وهماً لم ينطلِ على أحد، فمليارات الدولارات يحتاجها النظام لتضخ في عروقه كي يبدأ بالدوران ولكن هيهات لأن الأزمة يبدو تجاوزت حتى المال بمراحل فالنظام أصبح مترهلاً لدرجة غير معقولة وتفشى فيه الفساد بشكل مرعب وأصبح الحكم فيه لقيادات الميليشيات أكثر فأكثر من حالته المدنية السابقة، بوتين يحتاج فعلاً القمة مع بايدن ليس سهلاً اليوم اللقاء مع رئيس وصفه الآخر بأنه قاتل، بوتين يبحث عن مخرج فعلي ويبدو أن التحليلات التي تشير إلى بيع بشار في مزاد المياه الدافئة واستحواذ الشركات الروسية على أعمال إعادة الإعمار ليست من الفراغ ولا من بنات أفكار أحد.

عودة  الولايات المتحدة للمنطقة عبر الملف السوري أم مجرد معابر إنسانية

موسكو تتحسس الخطر القادم من معركة المعابر التي أعلنت عنها واشنطن مبكراً ـ عند انتهاء الـ100 يوم الأولى والتي ترسم استراتيجية الرئيس الأميركي لسنوات - هذا الإعلان المتكرر عن أولوية واشنطن بدا للوهلة الأولى مادة دسمة للمحللين ليبرروا الانسحاب الأميركي التدريجي من الملف السوري بل والشرق الأوسط لكن هذا لم يحدث بل ما حدث العكس عندما فرضت واشنطن الحل في ليبيا وبدأت تخط معالم الحل في اليمن وتحاصر النيران الإيرانية التي أشعلتها طهران في العراق وامتدت الاستراتيجية الأميركية الآن وعبر ملف المعابر إلى سوريا والتي يبدو وبحسب التقدير الروسي أنها ليست مجرد معركة معابر إنسانية بل هي إعلان العودة للساحة وأن موسكو بدأت تشعر بمحاصرتها من أوكرانيا إلى سوريا، وأن واشنطن تدق الناقوس للجميع إيذاناً بالعودة، وهي ليست بوارد التساهل مع المتجاوزين، هذه الاستنتاجات الروسية بدت تماما في حالة النزق الذي بدت فيه موسكو عندما اتهمت الولايات المتحدة بأنها تسرق نفط سوريا في الشمال والشرق، وبالتعاون مع جهات انفصالية ـ الجهات نفسها التي مارست موسكو ضغوطا جبارة عليها للقاء النظام السوري ـ ومن خلال إعلانها المبكر عن نيتها استخدام حق النقض في وجه أي مشروع غربي يجدد للمعبر الحالي فما بالك تعددها كما تطرح واشنطن، إذن يبدو أن الرسالة التي استشعرت بها موسكو وصلت أيضا للجميع وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي يبدو أنها راجعت حساباتها لجهة تفاعلها مع الضغط الروسي وممكن الأخذ بعين الاعتبار تصريح المُعلمي ممثل المملكة في الأمم المتحدة الذي حسم الجدل بشكل أوضح من الوضوح نفسه لجهة عودة النظام للجامعة العربية والتطبيع معه، العودة للمنطقة من قبل واشنطن قد تعيد التوازن في منطقة كان الروسي يلعب فيها بمساحات مريحة أتاحت له فرض إيقاعه بشكل منتظم لأعوام مضت. 

 

الأوراق الروسية المضادة في سوريا...

إيران الورقة التي تلوح فيها دائما موسكو بإمكانية الضغط عليها في سوريا وتحاول إيران الفكاك من البازار الروسي على وجودها في سوريا من خلال المفاوضات المباشرة مع دول الاتفاق النووي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ولكن طبيعة التعاطي الروسي مع ملف "الوجود" الإيراني في سوريا سيظل ورقة بيد موسكو بسبب التفوق الروسي الجوي وإمكانيات الرصد والمتابعة -وهذا ما تشك به طهران دائما عند تكثيف القصف الإسرائيلي على مواقعها في سوريا -،  كما تريد موسكو إثبات سيطرتها على ما تبقى من دولة أو شبه الدولة في دمشق والتي تمسكها موسكو بيدها ومن المفيد أن نذكر أنها ـ نبهت منذ شهرين أن هذه البقايا عرضة للانهيار إذا استمر وضع المحروقات على حاله ـ لا تملك موسكو الكثير أمام حالة الخنق الذي يعيشه النظام والعزلة التي يعاني منها فهي بحاجة لصفقة ما ولكن تحاول ألا تكون أي صفقة لا سيما أنها لم تنجح في تسويق إعادة التدوير لرأس النظام رغم حملتها الدبلوماسية التي أنفق فيها لافروف من رصيد موسكو السياسي كثيرا. 

ولكن تبقى موسكو اللاعب الأبرز في سوريا وهي ـ كعادة السياسة الروسية ـ لا تصنع حلاً بل لديها القدرة على عرقلة الحلول لذلك موسكو تراهن على حاجة الولايات المتحدة الأميركية لها كمنفذ على الأرض مما يمنح روسيا نقطة ارتكاز قوية أثناء عملية التفاوض وهذا الدافع أيضا سنراه حين تقوم روسيا بتقويض عوامل الاستقرار الذي خلفه التدخل التركي في شمال وشمال غربي سوريا رسالة تقول إن التفاوض معها ومعها فقط في ملف سوريا.

حدوث القمة بين الرئيسين الأميركي والروسي ليس حدثاً عادياً على الأجندة العالمية ومن المؤكد أن نجاحها سيكون عاملاً للاستقرار بعد سنوات طويلة من الصراع والتنافس وتضارب المصالح

سحب البطاقة التركية من يد الروس: 

على المقلب الآخر تجري قمة من نوع خاص بين الرئيس بايدن والرئيس أردوغان وملامح صفقة تلوح في الأفق كما أوردت مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع تشمل تجميد صواريخ الـ S400 وتطمينات تركية للولايات المتحدة الأميركية وفي المقابل ستعطي الولايات المتحدة الأميركية مساحة أكبر للتحرك التركي فيما يجري الحديث ـ الجدي هذه المرة ـ عن منطقة آمنة تنشئها تركيا حيث جرى اتصال بين وزيري الدفاع بين البلدين وتطمينات أميركية لتركيا بشأن وجود تنظيم الـPKK على حدودها الجنوبية بالمجمل ستكون القمة التي وصفت بالاستثنائية بمنزلة سحب ورقة تركية من يد الروس مما أغضب الروس وانعكس تصعيدا على الأرض أول أمس في قصف على إدلب خلف عشرات الشهداء ويبدو أنها تقف جانب قسد وراء جريمة قصف مشفى عفرين في رسالة واضحة أننا قادرون على زعزعة استقرار الجميع من دوننا لن يكون هناك أحد مستقر أو مرتاح.

بالنهاية إن حدوث القمة بين الرئيسين الأميركي والروسي ليس حدثاً عادياً على الأجندة العالمية ومن المؤكد أن نجاحها سيكون عاملاً للاستقرار بعد سنوات طويلة من الصراع والتنافس وتضارب المصالح، ولكنّ مخاوف الفشل الوارد جداً سينعكس حروباً تشتعل ومن الممكن أن تكون مباشرة أو من الجيل الرابع حروب الوكالة بين حلفاء الدولتين.