icon
التغطية الحية

في سوريا.. أطباء ومهندسون صباحاً وفي الليل مهن أخرى

2022.10.31 | 13:46 دمشق

شارع في العاصمة السورية دمشق
شارع في العاصمة السورية دمشق ـ رويترز
اللاذقية ـ علي أحمد
+A
حجم الخط
-A

كان مألوفا في سوريا أن تقابل طالبا أو خريجا جامعيا يعمل في غير مهنته وتخصصه، كسائق تكسي على سبيل المثال وخاصة في العاصمة دمشق ولكن.. كان من النادر أن تجد طبيبا يعمل عملا إضافيا في مهنة أخرى، فقد كان الطب المهنة "الحلم" لدى كثير من العائلات السورية لما تدرّه من أموال وما لها من مركز اجتماعي، إلا أن ذلك قد غيرته الحرب والأزمة الاقتصادية على ما يبدو.

في الصباح طبيب وفي المساء محاسب

"أخفي عن أهلي طبيعة عملي وأكذب عليهم"، هذا ما يقوله نورس لموقع تلفزيون سوريا، وهو طبيب أسنان وحالياً يختص في مجال جراحة الفكين. نورس تخرج في كلية طب الأسنان منذ عامين تقريباً وحالياً يتدرب في اختصاصه ضمن أحد مشافي وزارة الصحة التابعة للنظام، وفي المساء يعمل محاسبا في أحد محال الوجبات الجاهزة.

يشعر نورس بالخجل من نفسه لأنه لا يمارس مهنته إلا ضمن المشفى، ولكن عدم قدرته على تأمين نقود ليفتح عيادته الخاصة وصعوبة إيجاد طبيب يسمح له بالتدرب عنده وتطوير مهارته، ونتيجة للغلاء المعيشي وعدم كفاية الراتب الذي يقبضه من الدولة خلال فترة الاختصاص، اضطر للعمل محاسبا في أحد مطاعم الوجبات السريعة علّه يستطيع تدبير أموره ريثما ينهي اختصاصه ويعود لقريته أو يجد فرصة عمل في الخارج ويسافر.

نورس أجبر نفسه على العمل في مجال بعيد كل البعد عن مهنته، لكن محمود وهو طبيب أيضاً وما زال في مرحلة الاختصاص رفض أن يعمل خارج مجاله، ولم يستطع تدبر عمل في أحد المشافي الخاصة مثل بقية زملائه، فعرض على زملائه في المشفى أن ينوب عنهم في مناوباتهم الليلية مقابل أجر مادي يتفقون عليه.

يشعر محمود بالانزعاج أحياناً من قيامه بهذا الشيء لكنه يقارن الإيجابيات بالسلبيات، فمن جهة سيحصل على نقود إضافية ومن جهة أخرى سيكسب خبرة أكثر من رفاقه من جراء العمل المستمر ومشاهدة وعلاج حالات أكثر.

مهندسون يصممون إعلانات وآخرون في محال التجميل

لم يكن الأطباء وحدهم من بحث عن مصدر آخر للرزق، بل إن كثيراً من خريجي كليات الهندسة لم تسعفهم الظروف ليعملوا في القطاع الخاص وكسب أموال أفضل من رواتب الدولة الضئيلة، ما دفع هذه الفئة للبحث في مجالات بعيدة عن الهندسة، فمثلاً ليث خريج في كلية الهندسة المدنية توظف في أحد قطاعات الدولة وبسبب ضعف الراتب الذي يتقاضاه شهرياً وجد نفسه مضطرا للبحث عن عمل في إحدى الشركات الخاصة ولكنه لم يجد إمّا لقلة حظه وواسطته أو بسبب تعارض الوقت مع عمله في الدولة. فتعلم تصميم الإعلانات (Graphic design)  وبدأ بالعمل على تصميم بروشورات دعائية للمحال التجارية وهكذا حتى استطاع أن يصنع لنفسه اسماً في عالم تصميم الإعلانات وفي الوقت نفسه يعيل نفسه وأسرته.

الحال ذاته بالنسبة لـ هيا خريجة في كلية هندسة الاتصالات، وجدت أن تستغل خبرتها في المكياج وتعمل في المنزل وتزين الفتيات للأعراس والمناسبات.

اقرأ أيضا: عضو في برلمان النظام: راتب الموظف في سوريا لا يكفي لأكثر من يومين

"الأمر لم يكن سهلاً في البداية، وعانيت كثيراً سواء من ناحية تقبل الكثيرين لواقع أنني مهندسة وكوافيرة ولكن نجحت أخيراً". تقول هيا لموقع تلفزيون سوريا.

بالنسبة لهيا لن تدّخر فرصة لتستقيل من وظيفة الدولة "البائسة" بحسب قولها، والتي لا تقدم لها خبرة أو توسع مجال معرفتها، فتم توظيفها في مكان تقوم به بأعمال روتينية يستطيع أي حامل لشهادة البكالوريا أن ينجزها.

وبالنسبة لها فهي تترك راتب الدولة لمديرها في العمل ليتغاضى عن غيابها المتكرر تتابع "لا أريد هذا الراتب المخزي، فإذا زيّنت عروساً واحدة أحصل على ضعفي راتب الدولة إن لم يكن ثلاثة أضعاف، فلمَ أرهق نفسي!"

أحصل على الفتات وغيري يحصل على الملايين

بهذه الجملة لخص وعد المهندس في مجال الميكانيك معاناته ضمن وظيفته في قطاع الدولة، حيث يعمل جاهداً يومياً في تقديم خبرته في ورشات إصلاح الآليات المعطلة ضمن دائرة عمله وفي النهاية يحضرون ورشة عمل خارجية تقبض ملايين الليرات وهو يحصل على أجر زهيد مخجل ومُزرٍ لقاء تعبه على حد وصفه.

يعاني وعد شهرياً من مشكلات في صيانة المعدات والآليات ويجهد نفسه، ورغم ذلك في النهاية يقوم مدير عمله بتعويضه بمبلغ زهيد. هذه المشكلة يعاني منها صديق وعد أيضاً والذي يعمل في أحد مطارات سوريا والذي يعاني من أعطال مستمرة وآليات لم تعد تصلح للعمل في أيامنا هذه، وتحتاج لميزانيات كبيرة للتحديث ورغم هذا وتعب كل المهندسين الجدد لا يتم تقدير تعبهم وجهدهم.

ورغم كل الوعود من حكومة النظام بتحسين واقع العمال و"رشّ السكر على الموت" بإصدار قرارات تتعلق بزيادة طبيعة العمل والتعويضات والتي يعلم الجميع أنها مجرد إبر تخدير لن يتم تنفيذ شيء منها، ويبقى الأطباء ممن ما زالوا في فترة الاختصاص أكثر من يعاني في ظل فترات الدوام الطويلة وشح الراتب رغم وعود نقيب أطباء سوريا مؤخراً بزيادة أجور الأطباء والتغاضي عن الأطباء ممن يزاولون العمل الخاص في مراكز طبية أو عيادات في الريف والذي منعته وزارة الصحة سابقاً في محاولة لضمان بقاء الأطباء ولكن كل ذلك لم يُجد نفعاً.

ملحوظة: لم يذكر موقع تلفزيون سوريا الأسماء الواردة في التقرير كاملة بطلب منهم.