icon
التغطية الحية

في ذكرى سقوطها.. كيف مهّدت الأندلس لعصر النهضة في أوروبا؟

2022.01.02 | 16:20 دمشق

qsr_alhmra.jpg
قصر الحمراء في غرناطة (إنترنت)
إسطنبول ـ تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

يستحضر العرب والمسلمون في مطلع كل عام، ذكرى سقوط غرناطة آخر حواضر المسلمين في بلاد الأندلس، إذ يستعيدون الحديث عن ذلك الفردوس الذي فقدوه بفقدانهم تلك البلاد، و"كالنساء بكى الرجال على ملكها الذي لم يحافظوا عليه"([1])، والذي صار نقطة تحوّل العرب والمسلمين من عصر النهضة إلى الظلمات، على عكس أوروبا التي تمكنت من إنهاء ظلامها ودخول عصر النهضة.

 وتمر اليوم الذكرى الـ529، على تسليم الملك أبي عبد الله محمد الثانى عشر (الصغير) الأندلس إلى ملك القشتاليين، وباعه كل أملاكه فى الأندلس قبل أن يغادرها في الـ7 من آب سنة 1493م، ولتطوى صفحة الحضارة العربية والإسلامية في الأندلس نهائياً.

مراحل حضارة الأندلس

فتحت الأندلس سنة 711م/ 92هـ على يد القائدين طارق بن زياد وموسى بن نصير خلال حكم الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وأقام المسلمون فيها دولة استمرت ثمانية قرون، وتربّعت هذه الدولة في عصر خلافة عبد الرحمن الناصر (300-350هـ/ 912-961م) على عرش دول العالم علمًا وتحضرًا ومدنية ورقيًا وقوة وتقدمًا، وعاش فيها المسلمون والنصارى واليهود في رغد من العيش؛ حيث الطبيعة الغنّاء والأرض الخصبة والمياه العذبة والمناخ المتوسطي المعتدل.

ونستدل على صفات تلك البلاد في قول الشاعر ابن خفاجة الأندلسي:

يا أهل أندلس لله دركم          ماء وظل وأنهار وأشجار

ما جنّة الخلد إلا في دياركم      ولو تخيرت هذا كنت أختار

و كذلك في قول شاعر آخر:

حـبذا أنـدلسٍ من بـلدٍ لم تـزل تنتج لـي كل سـرورْ

طـائرٌ شادٍ وظـلٌ وارفٌ ومـياهٌ سائحـاتٌ وقـصــور

وكانت مدن وحواضر الأندلس، كقرطبة وإشبيلية وغرناطة وطليطلية وغيرها، وجهة أبناء الأثرياء في أوروبا للدراسة في مدارسها وجامعاتها التي كانت مضرب اعتزاز وفخر لهم حين يعودون إلى بلدانهم متباهين أنهم تتلمذوا على أيدي علماء العرب والمسلمين الأندلسيين.

 

 

ليس ذلك فحسب، بل كان أولئك الطلبة يتقصّدون النطق بكلمات عربية كدلالة على الرقيّ والتعلّم والثقافة. وكان ملوك وأمراء الممالك المسيحية في شمالي إسبانيا يستنجدون بحكام الأندلس خلال صراعاتهم على الحكم مقابل التنازل لهم عن حصون وأراضٍ وبلدات من مناطق في الشمال الإسباني.

ضعف الحكم الإسلامي في الأندلس، وتقلصت أراضي الدولة تدريجيًّا حتى انحصرت في مملكة غرناطة التي سقطت في نهاية المطاف في مثل هذا اليوم من عام 1492م.

الأندلس ومؤشرات عصر النهضة في أوروبا

بسقوط دولة الأندلس، بدأت أوروبا بالخروج من ظلماتها والولوج إلى عصر النهضة. تلك النهضة التي قامت على إنجازات الأندلس العلمية والفكرية والثقافية، والعمرانية أيضاً، فمعظم كتب الأندلسيين التي لم تتعرض للحرق أو التلف كان مصيرها رفوف مكتبات القصور والكنائس والأديرة.

ويذكر الدكتور عبد الله عنان في مؤلّفه الضخم "دولة الإسلام في الأندلس- العصر الرابع" كيف تم حمل ثلاثمئة كتاب في الآداب والعلوم، كان قد استثناها الكاردينال "خمنيس" من الحرق، إلى الجامعة التي أنشأها في مدينة "ألكالا دي هنارس" (اسمها بالعربية قلعة عبد السلام أو قلعة النهر لوقوعها على نهر هنارس أحد أفرع نهر التاجه).

ويذكر المؤرخ "ل. أ. سيديو" في كتابه تاريخ العرب العام (ص425) أن العرب "تجلّى تأثيرهم في جميع فروع الحضارة الأوروبية الحديثة، وظهرت بين القرنين التاسع والخامس عشر للميلاد آداب تعد من أعظم ما عُرف، وتشهد الإنتاجات المتنوعة والاختراعات المهمة على ما كان يتصف به عرب ذلك الزمن من النشاط العجيب، وبما كان لهم من الأثر البالغ في أوروبا النصرانية، فجاء هذا مسوغًا للرأي القائل إن العرب كانوا أساتذة لنا".

 

 

ويضيف سيديو: "ما أتى به العرب من المواد التي لا تقدر بثمن عن تاريخ القرون الوسطى ومن كتب الرحلات ومعاجم تراجم الأحوال من ناحية، ومن صناعة منقطعة النظير، ومبان دالة على تفكير عظيم وتنفيذ جسيم ومن اكتشافات مهمة في الفنون من ناحية أخرى؛ كلها أمور يجب أن ترفع في أعيننا شأن الأمة العربية التي ازدريناها زمنًا طويلاً" بحسب تعبيره.

ومعظم تلك العلوم التي نُقلت من الأندلس إلى مختلف أصقاع أوروبا، كان العرب قد نقلوها في الأساس عن الرومان والإغريق وعملوا على ترجمتها إلى العربية، حيث اطلعوا عليها ودققوا فيها ثم طوروها واكتشفوا وأبدعوا ما لم يكن معروفـًا من قبلهم، وهكذا تمكنت الأندلس من تكوين تلك المكانة الاستثنائية من التطور العلمي والفكري.

وبقيت قرطبة عاصمة لمملكة العرب لنحو 500 سنة، ووصل عدد سكانها لأكثر من مليون نسمة. كثرت المكتبات في هذه المدينة، ومن بينها مكتبة الأمير التي كانت تضم نحو 40 ألف مجلد، كما عمّت شهرة جامعة قرطبة جهات العالم الأربع.

وأطلق الألمان على قرطبة مسمّى "زينة الدنيا"، وقد أم جامعتها الطلاب من جميع أنحاء الدنيا، وشعّت منها الفلسفة العربية حتى وصلت جامعات أوروبا الكبرى([2])، في حين كان إنشاء المدارس في فرنسا على سبيل المثال في القرن الحادي عشر، وكان يشرف عليها ويقودها آنذاك من تعلموا على أيدي العرب والمسلمين في الأندلس[3].

 


[1] - "ابكِ كالنساءِ ملكاً لم تدافع عنه كالرجال" قول منسوب لـ عائشة أم الأمير أبي عبد الله محمد الثانى عشر المعروف بأبى عبد الله الصغير، آخر ملوك الأندلس الذى سلم غرناطة للملك فرناندو والملكة إيزابيلا.
[2] من كتاب "لمحات من تاريخ العالم" لـ جواهر لال نهرو.
[3] من كتاب "وشهد شاهد من أهلها" لـ د.راغب السرجاني.