icon
التغطية الحية

في ذكرى الثورة.. مأساة اللجوء ودروسها المستفادة

2020.03.17 | 15:37 دمشق

1536820949.jpg
 تلفزيون سوريا - خاص
+A
حجم الخط
-A

تصادف هذه الأيام الذكرى السنوية التاسعة للثورة السورية ضد نظام الأسد، والتي شكلت منعرجاً مهماً في تاريخ سوريا بعد عقود من نظام الأسد الأب والابن.

وكعادة النظام الذي امتهن الحلول الأمينة منذ اليوم الأول لانقلاب الأسد الأب، اختار الأسد الابن منذ اليوم الأول للثورة الحل الأمني والعسكري في مواجهة تطلعات الشعب السوري لبناء دولة عصرية وديمقراطية أسوة بدول العالم المتحضر، معتقداً أن هذا النهج الدموي سيكون كفيلاً بكسر إرادة الشعب السوري في التغيير وإخضاعه مجدداً لقبضته الأمنية، التي جعلت من الحقوق الأساسية للسوريين مكرمة يمن بها النظام على السوريين ويسلبها منهما متى شاء.

ورغم المآسي التي خلفها هذا النهج والذي تسبب بمقتل مئات آلاف السوريين، وتشريد نصف الشعب السوري بين نازح في مخيمات الشمال السوري، ولاجئ في مختلف أصقاع الأرض، إلا أن الواقع الجديد للسوريين أفرز واقعاً مختلفاً لمى سعى له النظام، بل زاد من وعي السوريين بضرورة التغيير بعد اطلاعهم بشكل مباشر على تجارب الشعوب الأخرى ليدركوا بشكل عملي أن ما نادوا به خلال الثورة هو الحد الأدنى من حقوقهم الأساسية التي كفلتها كل القوانين والدساتير الدولية.

وخلال سنوات الثورة أظهر السوريين وعياً كبيراً في التعاطي مع كثير من القضايا، وخاصة قضايا الشأن العام وحرية الرأي والتعبير، وعبروا بشكل واضح وفي أكثر من مناسبة عن رفضهم لأي تجاوز أو انتهاك يطال الناشطين والصحفيين.

كما وقف معظم السوريين الثائرين بوجه أي تجاوز أو تقصير من قبل قوى المعارضة بشقيها السياسي والعسكري، في تعبير آخر عن وعي جديد ومختلف لما حاول النظام تكريسه لسنوات من خلال قبضته الأمنية الصارمة.

لكن بعد سنوات من تجربة اللجوء بدأ السوريون يدركون حجم الهوة التي باتت تفصلهم ليس فقط عن شعوب العالم المتقدم، بل حتى بالنسبة لدول الجوار التي قطعت أشواطاً كبيرة هي الأخرى فيما يخص الخدمات الأساسية التي توفرها الدولة للمواطنين، وأي تقصير من الدولة في هذه الخدمات سيكون ثمنه الإطاحة بالحكومة ومحاسبة المقصرين كائنا من كان.

فيما ما يزال النظام وأبواقه الإعلامية، يكررون أسطوانتهم المشروخة حول وعود الإصلاح الواهية التي أفشلتها المؤامرة الكونية على نظام الأسد.

وفي هذا الخصوص يقول الصحفي والباحث السوري محمد ربيعو لتلفزيون سوريا "إن مستوى الوعي لدى السوريين تغير بشكل كبير بعد الثورة السورية، فقبل الثورة كانوا يستحضرون النماذج الأوروبية رغم عدم اطلاعهم عليها بشكل مباشر، في محاولة للضغط على حكومة النظام وإظهار فشلها المستمر في التعاطي مع الشأن الخدمي، أما الآن فقد أتاح احتكاك السوريين المباشر في بلدان اللجوء مع واقع المجتمعات المضيفة وعياً أكبر خاصة فيما يتعلق بالواقع الخدمي والتعليمي والطبي ووجود مؤسسات تعنى بتطوير المواهب".

"وأضاف ربيعو "إن تجربة اللجوء لدى السوريين ساهمت في إعادة النظر بمفهوم الحكومة ودورها الوظيفي من خلال تقديم وتسهيل الخدمات للمواطنين وليس الخطاب الأيدلوجي الخشبي، وأصبح لدى شريحة واسعة من السوريين رؤية واضحة وعملية لمفهوم السلطة والحكومة والبلديات والمجالس المحلية".

في السياق ذاته ساهمت تجربة اللجوء في زيادة وعي السوريين على المستوى الحقوقي والقانوني، وخاصة فيما يتعلق بالحقوق الأساسية التي تكفلها كل دساتير العالم لشعوبها مثل حرية الرأي والتعبير، وتضمن للمواطن حق الحياة والملكية الفردية، وتمنع السلطة من أي تجاوز يمس كرامة المواطن وإنسانيته.

ويرى محمد عيسى دكتور القانون الدولي وعضو أكاديمية القانون الدولي في إسطنبول أن تجربة السوريين في بلدان اللجوء وخاصة في الدول الأوروبية ساهمت بشكل كبير في تنمية وعي السوريين للعديد من الجوانب القانونية التي تم تغييبها عنهم من قبل النظام.

وقال عيسى لتلفزيون سوريا "إن إطلاع السوريين على تجارب الشعوب الأخرى رسخ مفهوم الحريات الشخصية وحرية الرأي والتعبير، بالإضافة لإدراكهم المعنى الحقيقي لمشاركة المواطن في القرارات الهامة التي تتعلق بمصير البلاد والتي تعتبر من حقوقهم الأساسية، كما أطلع السوريين بشكل عملي على مفهوم التعددية الحزبية، وآليات عمل منظمات المجتمع المدني".

وأضاف عيسى "أدرك السوريون أن بعض الحقوق الأساسية مثل حق الضمان الصحي الذي يتوافق مع معدلات الدخل، والحق في تعويض البطالة هي حقوق أساسية للمواطن، وليست رفاهية قد تودي بصاحبها إلى غياهب السجون والمعتقلات بحال المطالبة بها".

وأوضح عيسى أن تجربة اللجوء القاسية قد تكون فرصة للسوريين للاستفادة منها في فهم الحقوق الدستورية للمواطن خلال صياغة دستور مستقبلي جديد لسوريا، وأن يضمن الدستور الجديد حقوق الإنسان السوري وكرامته أسوة بكل شعوب العالم المتحضر.

لا شك أن الثمن الذي دفعه الشعب السوري لقاء حريته وكرامته كان باهضاً، وأن مأساة التهجير القسري واللجوء التي سببتها آلة النظام العسكرية حفرت عميقاً في وجدان السوريين، لكن ما لا يدركه النظام هو أن انتقامه من الشعب السوري الذي طالب بحريته وكرامته من خلال تدمير مدنه وبلداته وتهجيره في مختلف أرجاء المعمورة سترتد عليه لا محالة، وأن الشعب السوري لم ولن يقبل بعد الآن بنظام لا يراعي حقوقه وحريته وكرامته أسوة بكل شعوب العالم المتحضر.