icon
التغطية الحية

في ذكرى اغتيال ناجي العلي.. "حنظلة" الفلسطيني يحاكي واقع السوريين

2021.08.29 | 21:57 دمشق

najy_ally-_tlfzywn_swrya.png
+A
حجم الخط
-A

في وقت متأخر من ليلة شتائية في منتصف ديسمبر 2002، وعلى مسافة لا تبعد أكثر من خمسمئة متر عن منزلي في حيّ (المزرعة) الدمشقي حيث كنتُ وأصحابي نلملم ما تبعثر من بقايا سهرة الأمس الطويلة والمرهقة والباردة؛ كانت النار تلتهم آخر ما تبقّى من عمر الفنان التشكيلي الفلسطيني "مصطفى الحلّاج" أثناء محاولته إنقاذ لوحته/ جداريته "ارتجالات الحياة" من الحريق الذي شبّ داخل مرسمه/ مرسم "ناجي العلي"، فنان الكاريكاتير الفلسطيني الذي أحرقت عمره هو الآخر رصاصة غادرة في مثل هذا اليوم من عام 1987.

قبل 34 عاماً بالتمام والكمال، بكى "حنظلة" صاحبه ناجي العلي الذي اغتيل بسببه فقط ولا شيء آخر دونه! فناجي لم يحمل في حياته سلاحاً سوى ريشة الرسام وصورة حنظلة، يقاتل بهما ويدافع من خلالهما عن الحق الفلسطيني في شتى أصقاع الأرض.

رسم ناجي اللجوء والمنافي والخذلان والتشرد والثورة والكفاح ومقاومة الأعداء، والانتهازيين، وكل ما يصبّ في نصرة فلسطين والفلسطينيين وقضاياهم وهواجسهم إلى أن دفع حياته ثمناً لكل ذلك.

سيرة ناجي

ولد "ناجي سليم حسين العلي" عام 1938 في قرية "الشجرة" بين الناصرة وطبريا في الجليل الشمالي من فلسطين، واضطر للنزوح مع أسرته إلى مخيم عين الحلوة جنوب صيدا في لبنان عام 1948 بسبب هجمات الميليشيات "الصهيونية". وهناك عاش الطفل ناجي مع إخوته الأربعة (3 ذكور وفتاة) وأمه وأبيه، وشَبّ داخل خيمة مهترئة تشابه إلى حدّ كبير خيام النازحين واللاجئين السوريين اليوم.

سافر الشاب ناجي العلي عام 1963 إلى الكويت وعمل في مجلة "الطليعة" هناك، ومن صفحاتها بدأ بنشر رسوماته الكاريكاتيرية؟ وبقي ناجي يعمل في المجلة حتى عام 1968، وهو العام الذي تلى نكسة حرب حزيران المؤلمة وتأسيس "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بزعامة جورج حبش (الحكيم).

 

naji-al-ali-1170x600.jpg

 

وفي العام نفسه، شهدت الكويت موجة أحداث سياسية ملتهبة قادتها جهات مُعارِضة ودفعت الحكومة الكويتية إلى ترحيل العديد من العرب وخصوصاً الفلسطينيين، العاملين في الصحف والمجلات الكويتية. وأثناء ذلك غادر ناجي -طوعاً- عائداً إلى لبنان ليتزوج لاحقاً من "وداد نصر" وليتعرف أيضاً على التشكيلات والفصائل الفلسطينية المنضوية تحت قيادة حركة (فتح) عن قرب، ويتابع عملياتها النوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

عاد ناجي إلى الكويت بعد أن هدأت الأوضاع فيها. وخلال تلك الفترة صبغ رسوماته بالدعوة إلى الكفاح المسلّح ضد الاحتلال بوصفه السبيل الوحيد لاستعادة الوطن السليب، وخصوصاً بعد أن تأججت مشاعره الوطنية على إثر انتصار الجيش الأردني مع الفدائيين الفلسطينيين على الجيش الإسرائيلي في معركة "الكرامة" بآذار 1968.

سكن ناجي في الكويت ضمن حي فقير يطلق عليه حي "الفروانية" وخلال تلك المرحلة نمت لديه المفاهيم والمدارك السياسية ليصبح مدافعاً عنيداً عن القضية الفلسطينية في المحافل ومختلف الأنشطة، كما توثقت علاقته أثناء ذلك مع الشاعر الفلسطيني الراحل مريد البرغوثي والعديد من الصحفيين والأدباء الفلسطينيين والعرب.

انتقل ناجي للعمل في صحيفة "السياسة" الكويتية بعد إيقاف صدور مجلة الطليعة، وظلّ يعمل في صحيفة السياسة حتى عام 1974، حيث عاد إلى لبنان وعمل في صحيفة "السفير" قبل أن يعود مجدداً للعمل في صحيفة السياسة الكويتية حتى عام 1978.

رجع مرة ثالثة إلى لبنان ليعمل في صحيفة السفير مرة أخرى حتى عام 1983، وعمل بعد ذلك في صحيفة القبس الكويتية وكذلك في القبس الدولية.

نتاجات ناجي العلي الفنية

أنتج ناجي العلي أكثر من 40 ألف عمل فني، ما عدا الأعمال التي مُنعت من النشر. كما أنجز 3 كتب في أعوام 1967، 1983، 1985، وعرضت أعماله في كثير من الدول والمدن وخصوصاً في بيروت ودمشق وعمان وفلسطين والكويت وواشنطن ولندن، ويشكل "حنظلة" الشخصية الأشهر في رسوماته الكاريكاتيرية.

"حنظلة"

تُعدّ شخصية الطفل "حنظلة" المرافقة لمعظم لوحات ناجي العلي، بمثابة توقيع خاص للفنان الراحل. وهذه الشخصية عبارة عن رسم لطفل صغير حافي القدمين يجسّد حالة الأطفال الفلسطينيين اللاجئين والنازحين المقيمين داخل الخيام، وناجي كان واحداً منهم.

ولا تختلف حال أطفال سوريا اليوم عن حال "حنظلة" الفلسطيني في ذلك الوقت، بل ويكاد أن يجسّد حنظلة واقع عموم اللاجئين السوريين والفلسطينيين- السوريين المهجّرين من مدنهم وأحيائهم داخل سوريا، بأطفالهم وشبابهم وشيبهم.

 

حنظلة
حنظلة

 

في لقاء خاص أجرته معه الكاتبة المصرية الراحلة "رضوى عاشور" زوجة صديقه الشاعر مريد البرغوثي، تحدث ناجي العلي عن حنظلة فقال: "قدمته للقراء وأسميته حنظلة، كرمز للمرارة. وفي البداية قدمته كطفل فلسطيني، لكنه مع تطور وعيه أصبح له أفقه القومي ثم أفق كوني وإنساني. وفي المراحل الأولى، رسمته ملتقيًا وجهًا لوجه مع الناس، وكان يحمل الكلاشينكوف، وكان أيضًا دائم الحركة وفاعلًا وله دور حقيقي، يناقش باللغة العربية والإنكليزية، بل أكثر من ذلك، فقد كان يلعب الكاراتيه. يغني الزجل ويصرخ ويؤذن ويهمس ويبشر بالثورة".

وأضاف الفنان الراحل: "سيظل حنظلة في العاشرة من عمره حتى يعود الوطن. عندها فقط يكبر حنظلة، ويبدأ في النمو. قوانين الطبيعة المعروفة لا تطبق عليه، إنه استثناء، لأن فقدان الوطن استثناء، وستصبح الأمور طبيعية حين يعود الوطن".

رحيل ناجي العلي

في الـ 22 من تموز 1987، كان ناجي العلي متجهاً إلى مكتبه في صحيفة القبس الدولية بلندن حين تعرّض لعملية اغتيال من خلال إطلاق النار على رأسه بشكل مباشر من قبل ملثمين كانوا يترصدونه، ونقل على إثر ذلك إلى أحد مستشفيات العاصمة البريطانية.

وظل العلي يصارع الموت حتى جاء يوم الـ 29 من آب 1987 ليلفظ أنفاسه الأخيرة داخل المشفى. وحتى اللحظة لم تحدد السلطات البريطانية هوية القاتل أو تعثر على منفذي الاغتيال.

رحل ناجي العلي ولكن نبضه ما يزال حياً يُحرّك حنظلة على الدوام.