في حيثيات فشل اجتماع موسكو الرباعي

2023.03.21 | 06:18 دمشق

الاجتماع الرباعي
+A
حجم الخط
-A

يشير الفشل في عقد اجتماع موسكو الرباعي بين نواب وزراء خارجية كل من تركيا ونظام الأسد وروسيا وإيران، إلى استمرار تمنّع النظام حيال خطوات تطبيع علاقاته مع تركيا، على الرغم من سعي ساسة موسكو نحو التوصّل إلى عقد مصالحة بينهما، الأمر الذي يطرح أسئلة حول ممكنات مخالفة بشار الأسد لما يريده ساسة موسكو، وحقيقة امتلاكه القدرة على وضع شروط على الأتراك، من دون موافقة موسكو، أو دفع من طرف ساسة نظام الملالي القابع في طهران.

بالنظر إلى طبيعة الوضع في سوريا، فإن نظام الأسد، تحوّل منذ سنوات إلى سلطة أمر واقع، مثله مثل سلطات الأمر الواقع الأخرى، ولم يعد مثل الأنظمة الأخرى في المنطقة، حيث لا يترأس دولة حقيقيّة، وبات لا يملك من أمره شيئاً، سوى الجثوم على صدور السوريين وإنهاكهم بممارساته الإجرامية، وذلك في ظل وجود خمس قوى احتلال أجنبية أبرزها الاحتلالان الروسي والإيراني، اللذان ثبّتا سلطته. وأصبحت سوريا، في الواقع، مجموعة مناطق نفوذ وسيطرة، فيما تشتت غالبية الشعب السوري بين ملايين مهجرة قسرياً خارج بلادهم، وملايين أخرى نازحة في داخلها.

الأدهى من ذلك هو أن بشار الأسد لم يخجل من نفسه، حين اعتبر أن توسيع الاحتلال الروسي في سوريا بالأمر الجيد، وأن مسألة توسيع القواعد أو زيادة القوات الروسية فيها، هي "مسألة فنية أو لوجستية".

والأدهى من ذلك هو أن بشار الأسد لم يخجل من نفسه، حين اعتبر أن توسيع الاحتلال الروسي في سوريا بالأمر الجيد، وأن مسألة توسيع القواعد أو زيادة القوات الروسية فيها، هي "مسألة فنية أو لوجستية"، ويبدو أنه لا يعي حجم انشغال روسيا بإرهاصات فشل غزوها لأوكرانيا، وأنها بحاجة إلى زج المزيد من قواتها فيها.

لا شك في أن نظام الأسد بات مجرد تابع وفاشل بكل المعايير، ولا يمتلك أي مقومات لاتخاذ أي قرار "مستقل"، بالتضاد مع الرغبة الروسية أولاً والإيرانية ثانياً، لذلك فإن حيثيات تمنّعه حيال التطبيع التركي تقف وراءها أصابع روسية ودفع إيراني، وتهدف إلى ابتزاز الساسة الأتراك الراغبين في تحقيق خطوات تقارب سريعة مع نظام الأسد، لتحقيق مكاسب قبيل الانتخابات العامة، المزمع إجراؤها في 14 مايو/ أيار المقبل، ومعروف ممارسة الروس للابتزاز في علاقاتهم الدولية، حتى مع أقرب حلفائهم وأصدقائهم، وقد مارسوه مرات عديدة.

يذهب التحليل إلى تلمّس أسباب موقف الساسة الروس البارد حيال فشل الاجتماع الرباعي، وإطلاقهم تصريحات تؤكّد على إصرارهم بذل مزيد من الجهود نحو إكمال خطوات التطبيع والمصالحة بين تركيا ونظام الأسد، فيما كان المفترض بالوفود التي ذهبت إلى موسكو لعقده البحث في تفعيل مسار التطبيع، على الرغم من تحفظات أبداها نظام الأسد قبل أيام من عقده، حيث ربط مشاركته فيه بالحصول على ضمانات مسبقة، حصرها في انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، ووقف الدعم التركي لفصائل المعارضة.

ومع موعد الاجتماع أرسل وفده إلى موسكو، ثم جرى استدعاء بشار إلى موسكو، ولو بطريقة مختلفة عن المرات السابقة التي شُحن فيها سرّاً إليها، وأشاع الروس بأن ثمة لقاء قد يُعقد بين بشار وأردوغان على هامش الاجتماع الرباعي، لكن بشار جاهر باشتراطاته على مسمع موسكو، وراح يتشدّق بالقول: إن لقاءه مع أردوغان "مرتبط بالوصول إلى مرحلة تكون تركيا فيها جاهزة بشكل واضح ومن دون أي التباس للخروج الكامل من الأراضي السورية، والتوقف عن دعم الإرهاب، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب في سوريا".

ولم يكتف بشار بذلك، بل هاجم الرئيس أردوغان ووصفه بالإخواني والانتهازي وعديم الوفاء، وأنه يفضل مصالح حزب "الإخوان المسلمين" الذي ينتمي إليه. إضافة إلى اعتباره أردوغان شخصاً "لا يمكن ضمانه"، فيما تعامى عن إهانة قناة "روسيا اليوم"، التي تعمدت تقديم "سماور" لتحضير الشاي، يعمل من دون وصله بالكهرباء، التي يحرم السوريين منها في مناطق سيطرته.

الأرجح هو أن ساسة الكرملين أرادوا استثمار جنوح تركيا نحو التصالح مع نظام الأسد على مختلف المستويات السياسية، خاصة في علاقتها مع الغرب عموماً، والولايات المتحدة بشكل خاص، عبر إظهار تمنّع بشار تجاه المضي في تطبيع علاقاته معها، وذلك في محاولة منهم لإعطاء الانطباع بأنه بات يمتلك قراره، وليست روسيا أو إيران، وإخفاء حقيقة أنهم دفعوه لإطلاق تصريحاته واشتراطاته من عاصمة بلادهم. ولعل حيثيات ذلك مرتبطة بانزعاجهم من تحسن علاقات تركيا مع الولايات المتحدة الأميركية، والتي جسدتها الزيارة، التي سبقت لقاء موسكو الرباعي، وأجراها الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، إلى واشنطن، والتقى فيها مستشار الأمن القومي جاك سوليفان، ومسؤولين أميركيين آخرين. إضافة إلى تأكيد الرئيس أردوغان موافقة تركيا على انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقد توافق على انضمام السويد لاحقاً.

الإعلان عن تأجيل عقد الاجتماع الرباعي، هو نوع من التستر على الفشل في عقده، حتى وإن جاء كرد تركي على شروط نظام الأسد، التي يراها الأتراك غير واقعية، لأن انسحاب قواتهم مرهون بالتوصل إلى حل سياسي يرفض بشار الدخول فيه..

يبدو أن الإعلان عن تأجيل عقد الاجتماع الرباعي، هو نوع من التستر على الفشل في عقده، حتى وإن جاء كرد تركي على شروط نظام الأسد، التي يراها الأتراك غير واقعية، لأن انسحاب قواتهم مرهون بالتوصل إلى حل سياسي يرفض بشار الدخول فيه، ومرتبط بانسحاب القوات الأخرى، وبانتفاء هواجس تركيا الأمنية المتجسدة في التهديد الذي يشكله حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ومخرجاته العسكرية والمدنية، في مناطق شرقي الفرات.

ثمّة قناعة، بأن نظام الأسد، لا يريد تحقيق ما ترغب به تركيا، سواء على المستوى الأمني، أم على مستوى إعادة ملايين السوريين إلى داخل مناطق سيطرته، لأنه هو من عمل بشتى الطرق من أجل إجبارهم على الهجرة القسرية، لكنه يحاول اللعب بهذا الملف بغية إثارة قلق الأوروبيّين، ويستخدمه في حملة منسقة مع روسيا، من أجل تحويل الدول، الواقعة تحت عبء اللجوء السوري، إلى وقود في بروباغندا يشنها ضد العقوبات الأميركية والأوروبيّة المفروضة عليه، ومع ذلك يحاول الأتراك المضي في خطواتهم، ولهم في ذلك مآرب عديدة، على مستوى الداخل والخارج.