icon
التغطية الحية

في حال تسلمت السلطة.. هل تستطيع المعارضة التركية تنفيذ وعودها بترحيل السوريين؟

2021.07.25 | 06:59 دمشق

900b37df-4205-4f38-83a1-319c557d289d.jpg
إسطنبول - صالح عكيدي
+A
حجم الخط
-A

تزامنا مع ضغط أحزاب المعارضة التركية على الحكومة لتنظيم انتخابات مبكرة مستغلين انخفاض شعبية الأخيرة بعد ازدياد التحديات الاقتصادية على المواطن التركي؛ ترتفع درجات الاستقطاب والتجييش عند أطراف السياسة التركية.
ويتربع ملف الوجود السوري في تركيا على رأس الملفات التي تستغلها المعارضة لأغراض سياسية. استغلال نتجت عنه حملة حشد شديدة ضد وجودهم في البلاد، تبعتها وعود انتخابية من رموز معارضة عديدة بترحيل السوريين، على رأسهم رئيس الحزب المعارض الأكبر "حزب الشعب الجمهوري" كمال كلجدار أغلو، الذي أعلن مؤخرا في فيديو له أنه سيرسل السوريين إلى بلادهم خلال سنتين فور تسلمه السلطة.

ردّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على وعود كلجدار أغلو، وتعهد بأن تركيا لن تلقي باللاجئين السوريين في أحضان "القتلة"، ما دام بالسلطة في البلاد.

 

 

يبدو أن ملف السوريين في تركيا سيبقى نقطة تجاذب يتقاذفه السياسيون، وهنا يكون السؤال: في حال وصول المعارضة للسلطة، هل فعلا سيكون بمقدورهم ترحيل ملايين السوريين؟

السوريون في تركيا ليسوا "لاجئين"

سواء في خطابات الرئيس التركي أو تصريحات مسؤوليه، كثيرا ما طرح حقيقة أن السوريين ليسوا "لاجئين" بل "ضيوف" من دون التطرق لتفاصيل هذا التصنيف الفضفاض.

تعود أصول عدم تصنيف السوريين كـ "لاجئين" لعام 1951، حين وقّعت تركيا على اتفاقية جنيف الأولى من نوعها على الصعيد الدولي، حيث عرفت بوضوح من هو اللاجئ ونوع الدعم والحماية التي يستحقها من الأطراف الموقعة على هذه الوثيقة. إلا أن الوثيقة احتوت على "تقييد جغرافي" إذ اقتصرت على توفير الحماية للاجئين الأوروبيين فقط، ذلك في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
عام 1967، ومع انتشار أزمة اللجوء في مختلف بقاع الأرض، طُرح بروتوكول إضافي يرفع "التقييد الجغرافي" لتضمن الاتفاقية حقوق مواطني الدول الأخرى باللجوء، إلا أن تركيا كانت من الدول المتحفظة على القيد، بحجة كونها في منطقة تكثر فيها النزاعات والصراعات، وبالتالي موجات النزوح.

لذا فتعريف "اللاجئ" في تركيا ينحصر بذوي الخلفية الأوربية فقط، ويبلغ عددهم اليوم 28 لاجئا فقط، بحسب معاون مدير إدارة الهجرة التركية غوكشه أوك.

 

 

في عام 2013، ومع ارتفاع الحاجة لإعادة تنظيم حقوق اللاجئين لتركيا، صدر القانون 6458 والمعنون بـ "الأجانب وقانون الحماية الدولية"، الذي أضاف تصنيفات جديدة تحت مظلة الحماية الدولية متماشيا مع سياسات الاتحاد الأوروبي.

وأبقى القانون على حصرية وصف "اللاجئ" بالمواطنين الأوروبيين، لكن أضاف تصنيفي "لاجئ مشروط" و "حماية ثانوية" ليغطي أصحاب طلبات اللجوء الفردية المنحدرين من مناطق جغرافية أخرى.

الحماية المؤقتة وصلاحيات الرئيس

أما بالنسبة للسوريين، فلكونهم من المنحدرين من مناطق جغرافية أخرى، ولاستحالة تقييم طلباتهم بشكل فردي، لم يشملوا بمظلة الحماية الدولية، وصنفوا ضمن "الحماية المؤقتة"، والتي تعرف حسب القانون 6458 بالوصف الذي يعطى لمن أجبروا على ترك بلادهم ولا يستطيعون العودة إليها، ممن دخلوا الحدود التركية على شكل موجات نزوح جماعية طالبين الحماية المستعجلة.

وتحدد حقوق ومسؤوليات المندرجين تحت بند "الحماية المؤقتة" – ومن ضمنها حق البقاء- عبر المراسيم الصادرة من رئيس الجمهورية التركية.

رغم منع ترحيل المندرجين تحت "الحماية المؤقتة" في حال وجود تهديد لكرامتهم الإنسانية في بلادهم، بمرسوم صادر من رئاسة الجمهورية التركية، يمكن رفع المنع بمرسوم رئاسي آخر. ولذلك في حال وصولهم للسلطة، تمتلك المعارضة التركية الأساس القانوني لترحيل اللاجئين السوريين، على الأقل من الناحية النظرية، وذلك حسب ما أكده "سليمان كورت"، عضو مجلس إدارة جميعة "حقوق اللاجئين" التركية، لموقع تلفزيون سوريا.

ويقول كورت مطمئناً السوريين في تركيا: "في حال وصول المعارضة التركية للسلطة سيمكنها ترحيل السوريين، إلا أن الشعب التركي منع وصولهم لمدة تقارب الـ 25 عاما".

وأضاف: "نحن أصحاب الضمير نقف ضد محاولات التجييش ضد السوريين، خصوصا بالتزامن مع أخبار القصف التي تصلنا من إدلب.. الأتراك من أصحاب الضمير يدعمون بقاء السوريين بأمان حتى عودتهم لبلادهم طواعية".

صعوبة تطبيق الوعود

لتنفيذ الوعود التي تروج لها المعارضة، يعد خيار دفع اللاجئين السوريين للعودة طواعية هو الأسهل، لما سيوفره من أعباء إنسانية ومعارضة داخلية ودولية، لكن هذا الخيار مرتبط بالكامل بالواقع الميداني في سوريا مستقبلا من ناحية بقاء نظام الأسد في الحكم وكذلك استمرار سيطرة تنظيمات مسلحة على مناطق خارجة عن سيطرة النظام، بزوال هذا الواقع هو الشرط الرئيسي للعودة الطواعية عند معظم السوريين.

إذ صرح 74% من السوريين برغبتهم بالعودة لبلادهم في المستقبل، مع اشتراط 69% منهم "إسقاط النظام" قبل عودتهم طواعية، حسبما جاء في استبيان صادر عن منظمة "اليوم التالي" عام 2020. 

وفي حال بقاء النظام السوري يبقى للمعارضة التركية خياران، أولهما تضييق القوانين الناظمة لمعيشة السوريين، لزيادة نسبة من سيعود "طوعا"، أو اتخاذ مسار الإجبار المباشر.

ويترتب على كلا الخيارين دفع ضريبة باهظة الثمن، إذ سينتج عن كليهما معارضة داخلية ترتفع فيها أصوات منظمات حقوق الإنسان المحلية، وأخرى دولية، ما سيتسبب بضرر لصورة تركيا على الصعيد الإنساني الدولي.

في حال قبول المعارضة دفع الضريبة، فسيغيب عن الخيار الأول -والمتمثل بالتضييق على معيشة السوريين- عامل الحسم. أما الخيار الثاني فيمر بالتطبيع مع النظام السوري وقبول شرعيته غطاءً لعمليات الترحيل، وبالتالي تدهور علاقات تركيا مع الولايات المتحدة وأوروبا ومن معهم ضمن المعسكر الدولي المعارض لنظام الأسد، بالإضافة إلى خسارة تركيا لمناطق نفوذها ذات البعد الاستراتيجي في الشمال السوري الأمر الذي ستعارضه "الدولة العميقة التركية" بشدة، ما يجعله خيارا مستبعدا لحد بعيد.

تغيب السبل العملية لإرسال السوريين لبلادهم عن أذهان المطلعين، وعن أجندة المعارضة التركية على حد سواء. ويبقى احتمال كون هذه الوعود محض آمال لكسب الأصوات هو الأقوى، لكن الأكيد أن التأثير السلبي لارتفاع توتر البيئة السياسية في تركيا سيشمل السوريين، وقد تحمل المرحلة القادمة صعوبات جديدة للسوريين في تركيا مما يزيد أهمية الواجب على السوريين برفع درجة تنظيم جاليتهم في تركيا، وزيادة الحوار مع المجتمعات المحلية لكسر الصور النمطية المتسمرة في التراكم منذ سنين.