في تبرير التبعية ومواجهتها

2019.12.10 | 17:12 دمشق

78526532_277432386560345_8714693045372583936_n.jpg
+A
حجم الخط
-A

تبرير متهافت قدمته الحكومة السورية المؤقتة للصور التي انتشرت عن اجتماع رئيس الحكومة مع بعض الشخصيات في مقر مجلس مدينة عفرين المحلي قبل أيام، بعد أن أظهرت هذه الصور غياب علم الثورة بينما كان بارزاً العلم التركي وشعار الدولة العثمانية.

ادعت الحكومة في بيانها الذي جاء عقب حملة انتقاد واسعة أن ما حدث كان مجرد هفوة وخطأ بروتوكولي، وأن اللقاء لم يكن في قاعة الاجتماعات الرسمية في المبنى، إلا أن هذا التفسير لا يزيد سوى الطين بلة، فإذا كان غياب علم الثورة نتيجة خطأ، فما هو مبرر وجود علم وشعارات ورموز دولة أخرى في مبنى يفترض أنه مقر مؤسسة رسمية وطنية؟!

لا يمكن لأي تفسير أن يكون مقنعاً، ويزيد من تعقيد المسألة انتماء رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى إلى القومية التركمانية، التي نشطت في الفترة الأخيرة لتنظيم نفسها في أطر وكيانات سياسية خاصة، ما زاد من مستوى التحفظ على أداء ممثلي وقادة هذا المكون، بعد أن لم يعد ممكناً تجاهل التمييز الإيجابي الذي بات يحصل عليه مؤخراً في المناطق التي تسيطر عليها تركيا شمال شرق البلاد.

أعرف الكثير من ناشطي الثورة في حلب من الأخوة التركمان، تجمعني ببعضهم علاقة صداقة أو زمالة رسخها الانتماء الوطني العميق لسوريا الذي يجمعنا ببعض، وإيمانهم المطلق بسوريا الوطن الواحد الذي يحتضن جميع أبنائه، وسوريا الدولة الديمقراطية

اعتذار الحكومة المؤقتة ومحاولتها تبرير هذا الخطأ لم يأت إلا بعد موجة غضب وانتقاد كبيرة في أوساط الثورة والمعارضة

التي يحكمها القانون العادل، وقد أسعدني أن يكون أكثر هؤلاء في طليعة المتصدين لهذا (الخطأ البروتوكولي) الذي وقعت به (حكومة الثورة) ورئيسها، وأدى إلى تنامي المخاوف من ظهور مسألة عرقية جديدة في سوريا.

اعتذار الحكومة المؤقتة ومحاولتها تبرير هذا الخطأ لم يأت إلا بعد موجة غضب وانتقاد كبيرة في أوساط الثورة والمعارضة إذاً، لكن هذه الاستجابة تؤكد في النهاية أهمية النقد والسعي من أجل مواجهة الأخطاء والانحرافات، وعدم السماح بتبريرها أو القبول بها تحت أي مسوغ، خاصة مع ظهور فئة تتجاوز التبرير إلى مرحلة الدفاع عن الخطأ وإظهاره على أنه أمر طبيعي!

لقد دفعت الثورة أثماناً باهظة، بل ومدمرة إن أردنا الدقة أكثر، بسبب تكريس أخطاء وجدت دائماً من يفلسفها ويبررها، حتى تضخمت إلى كوارث أدت بنا إلى ما نحن عليه اليوم، ويفترض أن تكون دروساً كافية لنتعلم عدم السماح ما أمكن بتكرارها.

لقد دافع أغلبنا عن أخطاء الثوار وتجاوزات كان يرتكبها أفراد من الجيش الحر في بداية تشكيله، ثم بدأت ترتكبها جماعات منه، وتصدى الكثيرون بقوة لأي انتقاد أو حتى مجرد الإشارة للخطأ، وبات الاتهام بمعاداة الثورة وتخوين من يتحدث عن هذه التجاوزات والانحرافات سيفاً مسلطاً على الرقاب، حتى تضخمت هذه الأخطاء واستفحلت لتشكل أرضية مناسبة لظهور كارثة أخطر.

وجدت التنظيمات التكفيرية فيما سبق فرصة مناسبة لتقديم نفسها على أنها البديل الأفضل للجيش الحر ومؤسسات الثورة، التي كانت تقدم أداء استثنائياً رغم كل شيء، واستغلت تلك التنظيمات هذه الأخطاء التي لم تجد من يعالجها في الوقت المناسب للتغلغل، مستخدمة وسائل وطرق مختلفة، فشل معها كل من حاول التنبيه إليها والتحذير منها لأسباب مختلفة، كان على رأسها تبرير الظاهرة من قبل الكثيرين، والتصدي في الوقت نفسه لمن ينتقدها، لكن هذه المرة بسلاح التكفير والاتهام بمعاداة الدين!

واليوم سيستمر المدافعون عن التبعية المفرطة لتركيا التي تبديها فصائل وقوى

هذه الفئة من المعارضة تصر دائماً على إظهار تبعيتها للتركي وخضوعها له بشكل مثير للشفقة

وقادة في المعارضة في الهجوم على كل من يحاول التصدي لهذه الظاهرة وإصلاحها، وسيضيفون إلى مبرراتهم ذريعة أخرى جديدة ربما، هي حقوق الأقلية التركمانية، بعد أن كان المبرر السابق، عندما كان الأمر يتعلق بالتيار الاسلامي وطبيعة علاقته مع تركيا، هو حق الأغلبية!

تؤكد تركيا مرة بعد أخرى أن لا مطامع سياسية لها في سوريا، وأن هدفها الحفاظ على وحدة الأراضي السورية واستقلالها، إلا أن هذه الفئة من المعارضة تصر دائماً على إظهار تبعيتها للتركي وخضوعها له بشكل مثير للشفقة، إلى الدرجة التي لا يمكن معها تصور أن أنقرة يمكن أن تقبل بالتعامل مع هؤلاء على أنهم أتباع فضلاً عن كونهم حلفاء، وبالتالي فإن التصدي لهذه الفئة وعدم السماح لها بالتمادي أكثر في هذه الخطأ هو مهمة وطنية لا تقبل المساومة.

يعتقد أصحاب مشروع الارتماء في الحضن التركي من المعارضة السورية، أن هذا الخيار هو الضمانة الأفضل لهم من أجل الحصول على مكاسب سياسية في الحاضر والمستقبل، ويعملون على إلباس انتهازيتهم لبوس المصلحة الوطنية أو القومية أو الدينية من أجل تكريس أنفسهم في المناصب التي وصلوا إليها أو يسعون نحوها، ولا يرون أن ذلك ممكناً إلا بالتبعية لتركيا، لكنهم هؤلاء يتجاهلون أو يغفلون عن المصير الذي آل إليه القادة العراقيون الشيعة، الذين رهنوا أنفسهم لإيران ومكنوها من وطنهم ومن الدولة العراقية التي هيمنوا عليها، ليجدوا أنفسهم اليوم بمواجهة ثورة شاملة يقودها الشيعة العراقيون قبل السنة، ضد هؤلاء القادة الذين خسروا وطنيتهم وسيخسرون مكاسبهم التي حققوها بالطرق الخاطئة.