في المعاني المحتملة لتغريدة ترمب بشأن الجولان

2019.03.24 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في تغريدة جديدة إنه "آن الأوان" للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية الكاملة على الجولان. لا يحتاج الأمر تأويلات من أي نوع، فكما اكتسبت أسرلة القدس شرعية أميركية قبل أشهر، سيكتسب ضم الجولان السوري إلى إسرائيل شرعية مماثلة على يد الرئيس الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة. التغريدة واضحة وصريحة. ما أريد التوقف عند تفسيره هو تعبير "آن الأوان" أو بصيغته المبتذلة المعروفة: "لماذا الآن؟".

لا نستبعد أن يكون الجواب بسيطاً بقدر سطحية شخصية قائلها، كأن يعني بذلك أن وجوده في البيت الأبيض هو الفرصة المناسبة التي طال انتظار الإسرائيليين لها للقيام بهذه الخطوة، بعدما أحجم كل الرؤساء السابقين عنها، تماماً كإحجامهم المديد عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس. أو أن يكون المقصود هو بداية العد التنازلي نحو العام الانتخابي في الولايات المتحدة، وما يعنيه ذلك من حاجة ترمب لأصوات اليهود في الانتخابات الرئاسية القادمة.

ولكن لا بأس من محاولة ربط التوقيت بـ "اللحظة السورية" الراهنة، سواء قصدها ترمب أو لم يقصدها. ذلك أن قرارات من هذا النوع لا يمكن عزلها عن التطورات السورية المشؤومة.

تقول لنا اللحظة السورية الراهنة إن العام الحالي، 2019، وربما العام القادم كامتداد للحالي، يحتمل أن يشهدا تطورات كبيرة بشأن تقرير مصير "سوريا الأسد" ومستقبل الكيان السوري بصورة عامة. فمن الواضح أن التسوية وفقاً للرؤية الروسية دخلت في طريق مسدود، مؤشر ذلك غياب موضوع "الحل السياسي" من التداول في الآونة الأخيرة، لمصلحة السجالات والتكهنات بشأن

هناك خمس دول لديها وجود عسكري أو أنشطة عسكرية على الأراضي السورية، هي بالترتيب من حيث الأهمية: روسيا وإيران وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة

الانسحاب الأميركي من شرق الفرات وما قد يستتبعه من تداعيات أو تداعيات معاكسة إذا تراجع الأميركيون عن قرار الانسحاب كما يمكن الاستنتاج من تصريح جيمس جيفري الأخير بهذا الخصوص.

هناك خمس دول لديها وجود عسكري أو أنشطة عسكرية على الأراضي السورية، هي بالترتيب من حيث الأهمية: روسيا وإيران وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة، إضافة إلى قوات رمزية تحت المظلة الأميركية لكل من فرنسا وبريطانيا. تأخر الحضور الأميركي في هذا الترتيب يعود إلى غموض أو تذبذب القرارات الأميركية، مما يمكن أن يشير إلى غياب استراتيجية واضحة متفق عليها بين البيت الأبيض والبنتاغون والخارجية ووكالة المخابرات المركزية. مع ذلك هو حضور مربك لروسيا وتركيا يمنعهما من التقدم بثبات لتحقيق أهدافهما، مقابل تشجيعه لإسرائيل على مواصلة حربها بالمفرق على الوجود الإيراني في سوريا.

إضافة إلى موضوع ملء الفراغ الذي سيحدثه انسحاب أميركي محتمل، أو ما قد يترتب على بقاء القوات الأميركية أو قسم منها، هناك موضوع إدلب الموجود على رأس سلم أولويات التحالف الأسدي – الروسي – الإيراني، في حين تريد تركيا الحفاظ على الوضع القائم في تلك المنطقة كما هو لأطول فترة ممكنة قبل اضطرارها للتخلي عنها. وتشير كل المعطيات إلى أن تركيا لن تنال ما تصبو إليه من موافقة على اجتياح شرق الفرات، مقابل تخليها المحتمل عن إدلب، سواء انسحبت القوات الأميركية أو استمرت في البقاء. عفرين ومنبج مؤهلتان أكثر لبقاء الأولى وإضافة الثانية إلى مناطق النفوذ التركي. يمكن للروسي أن يقدم عفرين جائزة ترضية لتركيا مقابل تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، كما يمكن للأميركي أن يقدم لها منبج جائزة ترضية مقابل غض نظرها عن بقاء مناطق الإدارة الذاتية شرقي الفرات في يد "قوات سوريا الديموقراطية" و/أو تخليها عن شراء صواريخ s400 الروسية. فإضافة إلى اقتراح بوتين العودة إلى اتفاق أضنة، وموافقة أنقرة المبدئية على ذلك، يجري العمل حالياً على إعادة فتح خط غازي عنتاب – حلب التجاري. ومن جهة أخرى تضغط روسيا على تركيا من أجل الوفاء بالتزاماتها بشأن فتح الخطين الحيويين: حلب – دمشق، وحلب – اللاذقية. في حين يعلن الأميركيون بتواتر عن عدم تخليهم عن "قسد"، ويخصصون ملايين الدولارات لدعمها في ميزانية البنتاغون للعام القادم، على الرغم من الإعلان رسمياً عن القضاء على آخر معاقل داعش في الباغوز.

في هذه المعمعة من الصفقات المحتملة على جثة "سوريا الأسد" يكون قد "آن الأوان" فعلاً لتحديد الحصة الإسرائيلية من الكعكة. فلا يعقل أن يحصل الجميع على نصيبهم من الوليمة ويبقى الإسرائيلي المتعطش دائماً إلى مزيد من الأراضي بلا حصة، وخاصةً إذا نظرنا إلى سجلها "الغني" في تقديم خدماتها بسخاء إلى كل من الطغمة الأسدية وإدارة ترمب. فبعدما اقترحت على إدارة أوباما صفقة الكيماوي الشهيرة، فمدت بذلك في عمر النظام، ها هي تحارب إيران في سوريا بالنيابة عن الأميركيين. ولابد أن تنال شيئاً مقابل خدماتها، قد لا يقتصر على اعتراف أميركي بضمها للجولان. تقول أحدث الأخبار، مثلاً، إن الميليشيات الإيرانية

إسرائيل وتركيا لديهما، إذن، مطالب محددة في جثة "سوريا الأسد" لا يستبعد أن تنالاها إذا تحقق التوافق الدولي بشأن إنهاء "المشكلة السورية" بطريقة ما

غادرت مطار دمشق. ولن نفاجأ إذا طالبت إسرائيل، على طاولة "الحل النهائي"، بمنطقة منزوعة السلاح تمتد حتى أطراف العاصمة دمشق. وبالنسبة لبشار فلا مشكلة لديه في ذلك ما دام يستطيع الإمساك بالميكروفون في دمشق.

إسرائيل وتركيا لديهما، إذن، مطالب محددة في جثة "سوريا الأسد" لا يستبعد أن تنالاها إذا تحقق التوافق الدولي بشأن إنهاء "المشكلة السورية" بطريقة ما. أما إيران المطلوب خروجها أميركياً وإسرائيلياً، ولا تجد سنداً موثوقاً في روسيا، فقد تضطر للاكتفاء بمناطق حدودية في القلمون يحتلها حزب الله، إضافة إلى استثماراتها العقارية في دمشق وأنحاء مختلفة في سوريا. أما الولايات المتحدة فهي قد تحصل لحلفائها الميدانيين (قسد) على وضع دستوري خاص في المناطق الواقعة شرقي نهر الفرات.

إنما بهذا المعنى من تقاسم جثة "سوريا الأسد" يمكن تأويل توقيت تغريدة ترمب وسبب عبارته "آن الأوان". فهل يشهد العام الحالي فعلاً هذه النهاية اللائقة بالمجرم التافه الذي يحتل قصر المهاجرين؟ هل يشهد العام الحالي التوافق الدولي على تقرير مصير سوريا؟ وهل تكون تغريدة ترمب، في هذا الإطار، هي النهاية البائسة لقصة الجولان مع عائلة الأسد، تلك القصة التي بدأها وزير الدفاع حافظ الأسد في العام 1967 بالانسحاب المفاجئ أمام الجيش الإسرائيلي، مخلياً له الساحة ليتقدم؟