في العودة إلى معادلة: إيران منضبطة.. إسرائيل آمنة ومستقرة

2022.12.16 | 06:31 دمشق

في العودة إلى معادلة: إيران منضبطة.. إسرائيل آمنة ومستقرة
+A
حجم الخط
-A

في العودة إلى معادلة "إيران منضبطة.. إسرائيل آمنة ومستقرة".  وكان ذلك عنواناً لمقال في هذه الزاوية. دفعت إليه وقائع وشواهد لا بد أنها آخذة في التزايد والاتساع. من التشدد الأميركي في مقاربة مفاوضات الاتفاق النووي، إلى التظاهرات التي ما تزال متفاعلة في المدن الإيرانية على وقع الإعدامات التي يقوم بها النظام. وما بينهما من زيادة للضغوط الخارجية والداخلية على طهران. يحيلنا ذلك للعودة إلى مشاهد السبعينيات والثمانينيات أيضاً، خاصة أن أي حدث كبير في منطقة الشرق الأوسط لا بد أن يلقى أصداء في ساحات متعددة.

كان نجاح الثورة الإسلامية في إيران مرتكزاً لتحول استراتيجي في المنطقة في العام 1979، وهو جاء ضمن سياق سياسي عام انعكس في السعودية من خلال اقتحام جهيمان العتيبي للحرم المكي، في إشارة واضحة إلى تمدد الحركات الإسلامية المتشددة وارتفاع منسوب نشاطها في المنطقة، على خطّ مواجهة الاتحاد السوفييتي في تلك الفترة. حالياً ثمة مرتكز أساسي يجري على قاعدة التأثير العكسي، من السعودية باتجاه إيران. فمنذ فترة تشهد السعودية حركة تجديدية ناشطة على صعيد المجتمع إلى جانب الصعد الاقتصادية والاجتماعية، كان من أبرزها تعزيز دور المرأة في المجتمع، وهو سرعان ما كان له انعكاسه في إيران من خلال تظاهرات خلع الحجاب والتي تطورت لاحقاً إلى هجومات على رجال الدين وما يرمزون في إشارة واضحة إلى قطع جموع الإيرانيين مع جوهرية نظام ولاية الفقيه لأن استهداف رجال الدين هو بحد ذاته استهداف لمنطق الولاية.

لا بد من انتظار آثار الاحتجاجات في إيران والتي حتماً ستدفع النظام الإيراني للتركيز على الجوانب الداخلية والالتهاء عن ساحات المنطقة

لا يمكن فصل هذه التحولات الاجتماعية عن سياق ثقافي وسياسي سيكون لهما تداعيات على المدى البعيد، خصوصاً في ظلال التحولات السياسية والجيوستراتيجية التي يشهدها العالم ومنطقة الشرق الأوسط، إحدى أبرز الانعكاسات لها ستكون هنا ولا بد من انتظار آثار الاحتجاجات في إيران والتي حتماً ستدفع النظام الإيراني للتركيز على الجوانب الداخلية والالتهاء عن ساحات المنطقة، ولكن على المديين المتوسط والبعيد، لأنه في المرحلة الأولى للردود لا بد لإيران من اللجوء إلى التصعيد في الإقليم كنوع من الالتفاف على حركة الاحتجاج الداخلية، وثانياً بوصفها جزءاً من مؤامرة خارجية هدفها إضعاف إيران وبالتالي لا بد من الردّ عليها في ساحات الإقليم، وهو ما قد يدفع الأمور إلى التوتر العسكري أو الأمني، أو يؤدي إلى تصعيد منسوب التوتر السياسي.

على وقع هذه الاحتجاجات والتطورات، تتزايد التهديدات الإسرائيلية لإيران خصوصاً في ظل مساعي بنيامين نتنياهو لتشكيل الحكومة الجديدة وهو الذي يتوعد بتنفيذ المزيد من العمليات لمنع إيران من الوصول إلى مراحل متقدمة من إنتاج القنبلة النووية. يراهن نتنياهو في ذلك على التوتر الأميركي الإيراني وهو ما أدلى به المبعوث الأميركي لإيران روب مالي والذي كان من أشد المتحمسين لإبرام الاتفاق، إلا أنه وجد نفسه غير قادر على الدفاع عنه واستخدم لهجة تصعيدية ضد المسؤولين الإيرانيين.

سيكون هناك الكثير من الانقسامات داخل بنية النظام الإيراني في ضوء رفض العديد من الجهات والمسؤولين التورط أكثر بدماء الإيرانيين

ليس بالضرورة أن يقود ذلك إلى صدام مباشر وواسع مع إيران، إلا أن ثمة وقائع لم يعد بالإمكان تغافلها، أولها الواقع الاجتماعي المتحرك إلى حدود التحول الكبير، على إيقاع تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية في دول الخليج، وهذه يرصدها الشعب الإيراني ويتوق إلى ما يماثلها. ثانيها أن الاستراتيجية الأميركية والغربية في المنطقة ترتكز على توفير مقدرات الأمن والاستقرار لإسرائيل ورفض الاستمرار في حالة توجيه التهديدات لها من قبل إيران ومن قبل حلفائها. ثالثها، الحاجة الإيرانية الماسة إلى رفع العقوبات والحصول على أموال مجمدة تستخدم في تنمية الداخل لتخفيف حدّة التحركات الاحتجاجية. رابعها والأهم، سيكون هناك الكثير من الانقسامات داخل بنية النظام الإيراني في ضوء رفض العديد من الجهات والمسؤولين التورط أكثر بدماء الإيرانيين، وثانياً الصراع على خلافة المرشد علي خامنئي وهذا ما سيكون له تداعيات كبيرة على الواقعين الداخلي والخارجي.

كل هذه الملفات ستكون حاضرة على أي طاولة مفاوضات إيرانية غربية، كما ستكون حاضرة في خلفية قمة عمان الأسبوع المقبل والتي ما يزال الإيرانيون في حالة ضياع لحسم مستوى تمثيلهم فيها. إنه مسار جديد لا يمكنه أن يتوقف عند هذه الحدود، هو بلا شك مسار طويل، لكن نتيجته النهائية ستعيد إحياء منطق "إيران منضبطة وإسرائيل آمنة ومستقرة" وهو ما سيكون له تبعات على واقع المنطقة ككل، من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن.