في السعي لتحسين العلاقات.. تركيا لا تواجه أوروبا واحدة

2021.02.02 | 00:06 دمشق

583f6a8d-460d-46c7-bd0e-37ab696f3ca7.jpeg
+A
حجم الخط
-A

قبل عدة أيام وخلال شهر يناير كانون الأول 2021 وصل وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إلى بروكسل في زيارة استغرقت 3 أيام التقي خلالها مسؤولي الاتحاد الأوروبي، ضمن المساعي الدبلوماسية لتحسين العلاقات الأوروبية التركية، الذين قالوا إنهم يريدون "أفعالا ملموسة" في تعليقات سابقة على تصريحات الرئيس أردوغان عن نية تركيا إصلاح العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.

يتضح أن أنقرة أخذت على محمل الجد قرار قادة الدول الأوروبية الشهر فرض عقوبات على تركيا لاستمرارها في عمليات التنقيب عن الغاز في المنطقة المتنازع عليها مع قبرص، وما زال إعداد قائمة الجهات التي ستتعرض للعقوبات قيد الإعداد. حيث قرر الاتحاد الأوروبي منح أنقرة مهلة شهرين لإثبات حسن نواياها.

وقد تعاملت أنقرة مع قرار المهلة على أنه فرصة لتحسين العلاقة حيث التقى وزير الخارجية التركي نظراءه في بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال، وأكد أن أغلب الأعضاء في الاتحاد يدعمون فرصة تجديد الحوار مع تركيا.

أدى قرار استئناف المحادثات التركية اليونانية أيضا إلى إرسال رسائل إيجابية من تركيا إلى أوروبا

كما خفت درجة التوتر بين تركيا وفرنسا حيث بعث ماكرون برسالة إيجابية إلى أردوغان، بعد توترات شديدة بين أنقرة وباريس على خلفية قضايا، أهمها النزاع على الغاز في البحر والصراع بين أرمينيا وأذربيجان.

وقد أدى قرار استئناف المحادثات التركية اليونانية أيضا إلى إرسال رسائل إيجابية من تركيا إلى أوروبا.

كما أن هناك تطورا في العلاقات التركية الهولندية حيث أوضحت وزارة الخارجية التركية أن لدى تركيا إمكانات كبيرة في التعاون الثنائي في مجال التجارة والاقتصاد والابتكار والتكنولوجيا، مؤكدا الحاجة إلى الحوار من أجل الاستفادة من الإمكانات المتوفرة وللتكيف مع التغيير.

تعطي هذه الفعاليات والتفاعلات رسائل بإمكانية تحسن العلاقات التركية الأوروبية بعد فترة من الشد استمرت خلال الأربع سنوات الماضية، ولكن هل هذه الرسائل حقيقية أم أنها مناورات من الطرفين في فترة غموض وترقب.

في الحقيقة يوجد لدى الطرفين مصالح مشتركة، وإذا توفرت النية لتحقيق تقدم وتم استخدام الحوار والمباحثات كوسيلة لذلك فإن حدوث التحسن في العلاقات يصبح أكثر احتمالا.

وبالنظر إلى تصريحات المسؤولين الأتراك فإن تركيا أعلنت نيتها ورغبتها في تحسين العلاقات حيث قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن تركيا ترى مستقبلها مع أوروبا، كما أن المطلع على الشأن التركي يمكن أن يرى حاجة تركيا لتحسين العلاقات مع أوروبا خاصة في مجال الاقتصاد والاستثمارات.

ومن المهم وكما يشير الأكاديمي التركي البروفسور كمال إنات الانتباه إلى أن تركيا لا تتعامل مع سياسات دول الاتحاد الأوروبي كرزمة واحدة فهناك 4 مجموعات يمكن رؤيتها بدرجة أساسية.

أولها دول مثل ألمانيا يمكنها أن توجه سياسة الاتحاد الأوروبي ويمكنها أن تتعاون كشريك مع تركيا، وهي دول تعاونت مع تركيا سابقا لحل عدة أزمات.

أما المجموعة الثانية فهي الدول التي لديها مشكلات ثنائية مع تركيا مثل اليونان وقبرص، وقد أدخلت فرنسا نفسها من خلال المواجهة مع تركيا في ليبيا وكاراباخ وغيرها في هذه الفئة.

أما المجموعة الثالثة فهي تضم دولا مثل هولندا وبلجيكا والنمسا وهي تدعو إلى الضغط على تركيا في موضوعات الديمقراطية وحقوق الانسان وتضم هذه البلدان جاليات تركية معارضة لحزب العدالة والتنمية يساهمون في جعل نظرة هذه الدول سلبية لتركيا. وتحتاج تركيا لتفعيل الحوار مع هذه الدول.

أما المجموعة الرابعة فهي بلغاريا والمجر وإسبانيا وهي دول منفتحة على تركيا وتحترم سيادة تركيا وتتعاون مع تركيا على أساس تطوير العلاقات الاقتصادية.

يبدو أن تركيا مضطرة لإقناع الدول الأوروبية المستاءة ببعض التغييرات وهو ما ظهر في التصريحات والحوارات التركية الأخيرة

يبدو العامل الاقتصادي مهما لتركيا في 2021 وربما حتى 2023 ولذلك ستسعى تركيا لتخفيف حدة التوتر مع جميع دول أوروبا وستقوي علاقاتها مع دول مثل ألمانيا ولكن في حال فشلت في إقناع دول أوروبا فإن عليها أن تبحث عن طرق جديدة وبديلة تخفف ما يمكن أن تخسره في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وهو أمر شديد الصعوبة في ظل القوة المالية للاتحاد الأوروبي والقوة السياسية التي ربما سيستعيدها الاتحاد بعد فوز بايدن ولذلك  يبدو أن تركيا مضطرة لإقناع الدول الأوروبية المستاءة ببعض التغييرات وهو ما ظهر في التصريحات والحوارات التركية الأخيرة.

وكما قال الأكاديمي التركي طلحة كوسيه "لن تحدث اختراقة في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب رغم التلميحات التوفيقية بين الجانبين. سيتحسن التعاون تدريجيا من خلال الجهود البناءة المشتركة وخطوات صغيرة بشأن بناء الثقة".

وعلى كل حال فإن التهدئة مع فرنسا والحوار مع اليونان والتعاون مع الأمم المتحدة حول مستقبل قبرص والتعاون الاقتصادي مع هولندا وإسبانيا ستخلق بيئة جيدة في العلاقات التركية الأوروبية على المدى القريب بشكل قد يسمح مرة أخرى بإلغاء أو تأجيل العقوبات مرة أخرى في مارس آذار.