في الحاجة إلى مؤتمر وطني لقوى المعارضة

2018.08.25 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تبدو المعارضة السورية، (وهي مصطلح فضفاض سياسياً)، في أضعف حالاتها، بعد أكثر من سبع سنوات من انطلاقة الانتفاضة السورية، في الوقت الذي تذهب فيه البلاد إلى مآلات كارثية، من حيث عودة النظام إلى إنتاج نفسه من جديد، في ظل انعدام البدائل الوازنة، والتفويض الدولي المستمر لروسيا في إنهاء المعارضات المسلحة (وهذا المصطلح أيضاً يتسم بالكثير من العمومية)، خصوصاً في معركة إدلب، والتي ستكون آخر المعارك، من أجل السيطرة التامّة للنظام وحلفائه على معظم الجغرافيا السورية، وإنتاج حلّ سياسي شكلي، يبقي الكتلة الصلبة للنظام في موقع إدارة البلاد، بما يتوافق مع المصلحة الروسية بالدرجة الأولى، ويتقاطع مع مصالح ووزن اللاعبين الإقليميين بالدرجة الثانية.

وبغض النظر عن مدى الصراع بين اللاعبين الإقليميين، من أجل تحديد أدوارهم المستقبلية، وهو صراع سيبقى مفتوحاً في الأمد المنظور، إلا أن الخاسر الأكبر في المعادلة السياسية هو المعارضة السورية، حيث فقدت هياكلها الكبرى أهميتها، مع عنادها للمحافظة على دور شكلي لها، أملاً منها في الحصول على مكاسب ما في أية عملية سياسية مقبلة، انطلاقاً من فرضية مفادها أن أي تسوية، مهما كانت شكلية، وغير ذات معنى، إلا أنها ستحتاج إلى ممثلين عن المعارضة السورية، من أجل تمريرها، ومنحها الشرعية المطلوبة.

قبول المعارضة، وبعض رموزها، بمكاسب سياسية من الدرجة العاشرة، سيعني القبول بفرضية أن الصراع الوطني السوري هو صراع على مكاسب سياسية، وليس صراعاً من أجل تغيير نظام الاستبداد، وفتح الأفق الوطني على مستقبل مغاير لما كان سائداً على مدار عقود، كما أنه سيكون حلقة جديدة من سلسة المواقف الانتهازية للكثير من رموز المعارضة، خصوصاً أولئك الذين طرحوا أنفسهم كصقور، من خلال خطاب سياسي رافض لأي تفاوض على طول الخط، إلا أنهم، ومن خلال ارتباطاتهم بالسياسات الإقليمية، يعلمون علم اليقين، بأنهم أصبحوا مجرد تابعين لإرادات تلك القوى، وأن رفض التوافقات الدولية والإقليمية سيعني نهاية وجودهم السياسي نفسه.

هل من الممكن عملياً التفكير بمسار جديد للمعارضة السورية من دون نقد جدي لأسباب فشلها خلال السنوات الماضية؟

في هذا السياق، وفي ظل تسابق القوى الدولية والإقليمية، من أجل تحديد مسارات الوضع السوري السياسية، فإن الغائب الأكبر هو المعارضة السورية، والتي تعاني علاقاتها البينية من أمراض مستعصية، تبدو غير قابلة للشفاء، ويعكس هذا الوضع حالة انهيار في الثقة على القيام بالفعل، أو اجتراح المبادرات، وكأنها في حالة استسلام كامل لمجريات الصراع، من دون أي تفكير جدي بطرح سؤال ما العمل، وهو السؤال المفصلي في مثل هذه اللحظة الحرجة، والذي يجب أن يكون بمثابة المقدمة النظرية والعملية، في مواجهة التحديات السياسية والوطنية المقبلة.

لكن، هل من الممكن عملياً التفكير بمسار جديد للمعارضة السورية من دون نقد جدي لأسباب فشلها خلال السنوات الماضية؟

لقد تجاهلت قوى أساسية في المعارضة السورية كل الانتقادات التي وجّهت لها، خصوصاً لجهة الاعتماد على الخارج، وتهميش القدرات الذاتية، أو لجهة التعويل على السلاح كعنصر وحيد وحاسم في المعركة مع النظام، أو انعدام القراءة الموضوعية لموازين القوى، وقد سقطت بذلك في فخ الرغائبية السياسية، وهي توأم الانتهازية، والتي قادتها إلى مقاطعتها للحوار مع قوى أخرى في المعارضة الوطنية الديمقراطية، كما انزلقت نحو تخوين شخصيات مهمة في النضال الوطني ضد الاستبداد، وبناءً عليه، يجب الاعتراف بأن الأولوية اليوم هي للخوض في مسار معاكس للمسار الذي اتبعته المعارضة، وهو ما يحتاج إلى شجاعة كبيرة في مواجهة الذات، أخلاقياً وسياسياً ووطنياً.

 إن وضع أولوية عودة المعارضة السياسية للحوار فيما بينها من شأنه أن يحرك الكثير من المياه الراكدة

قد يكون من الصعب تخيّل أن تقوم قوى سياسية، تبنّت مسارات خاطئة ومدمرة، بمراجعة جريئة لسياساتها وتحالفاتها وأدوارها، لكن من دون تلك المراجعة لا يمكن التقدم للأمام، ولن يكون هذا متاحاً من دون حوار جدي بين قوى المعارضة السورية، شروطه الأساسية المكاشفة والوضوح وتقبّل النقد والاعتراف بالأخطاء والقبول باستبعاد بعض الرموز الحزبية التي لعبت أدواراً سلبية في القيادة، ووضع مبادئ حاكمة، تكون بمثابة مرجعية سياسية ووطنية، حول ماهية الدولة السورية، وطبيعة العقد الاجتماعي المقبل.

إن هذا الأمر، يطرح فرضية إعطاء الأولوية لانعقاد مؤتمر وطني لقوى المعارضة السورية، وهو ما سيحتاج إلى جهود جبارة، خصوصاً مع الرفض الذي سيلقاه مثل هذا الطرح من قبل القوى الدولية والإقليمية، ومع خوف بعض الرموز السياسية في المعارضة لفقدان مواقعها في أي تشكيل جديد، ومع وجود خلافات كبرى حول مسائل جوهرية، مثل ماهية الدولة السورية، والعلاقة بين المكونات الإثنية للأمة السورية، ومع ذلك، فإن وضع أولوية عودة المعارضة السياسية للحوار فيما بينها من شأنه أن يحرك الكثير من المياه الراكدة، وأن يكشف مدى استفادة تلك القوى من الدروس التي أطلقتها التجربة السياسية السورية.

وفي طرح الحاجة إلى مؤتمر وطني لقوى المعارضة السورية، والعمل على هذا المشروع، يكمن مصير الخط الوطني الديمقراطي، فإما القبول بالتشرذم، تحت وطأة المعطيات السياسية التي فرضت على السوريين، أو وضع الوعي والإرادة على المحك، ورفع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبارات أخرى، واستعادة القرار الذاتي، ما أمكن، وتشكيل رؤية سياسية واقعية، من أجل استمرار النضال السياسي، وعدم ترك الواقع لإرادات الدول، بعيداً عن مصالح السوريين.