في أضرار حماس بعد استئناف العلاقة بالأسد

2022.09.17 | 07:02 دمشق

في أضرار حماس بعد استئناف العلاقة بالأسد
+A
حجم الخط
-A

وأخيرًا، نضج قرار حركة حماس باستئناف علاقتها بنظام الأسد، بعد مؤشِّرات سابقة تمهيدية. والخلفية العامة هي الظروف التي تعيشها المنطقة والتحديات التي تستهدفها، و"التطورات الدولية والإقليمية المتسارعة"، وتاريخيًّا، الدعم والاحتضان المزعوم لنظام البعث في سوريا لفلسطين والفلسطينيين، وكأن ذلك (الاحتضان) ونفقاته كان مدفوعًا من جيوب حكام دمشق، لا من مقدَّرات البلد والشعب، وكأن ذلك التقاسم والتعاون لم يكن مع أبناء سوريا الذين تربطهم أواصر الأخوة والعلاقات الراسخة والعضوية، قبل الأسد وبعده! بل كأن ذلك الظلم والحكم البوليسي لم يتشارك في تحمُّل قساوته الفلسطينيون مع إخوانهم السوريين!

جاءت لغة بيان حماس صريحة ومباشرة؛ بدعم القيادة والنظام في سوريا، في وجه الاستهداف الخارجي، في انحياز تام لرواية النظام وحلفائه من إيران وحزب الله.

وفي تجاهُل تام لموقف السوريين ومَطالبهم المُحِقَّة بالتغيير، وفي تناسٍ فجّ للظلم الكبير الذي وقع، ويقع عليهم. بل وفي تجاهُل تام لمواقف صدرت، من حماس، بدايات الثورة، ناصرت حق الشعب السوري؛ في رفع الظلم، وفي نيل الكرامة.

وفي تجاهل أكبر وأخطر، من وجهة نظر كثيرين من أنصار حماس وقواعدها، للمرجعية الإسلامية التي تقتضي الوقوف مع المظلوم ضد الظالم، ومع المستضعَف ضد الطاغية المتجبِّر.

هل استئناف حماس علاقتها بشكل رسمي مع نظام الأسد هو الذي سيوقف تلك الحالة التي أفضت بها لعبة الأمم في سوريا؟

وكأن تلك الدعاوى من الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها اكتشاف جديد، وتطورٌ حادث؛ مع العلم بأن النظام في دمشق كان أهم المتسبِّبين باستلاب جزءٍ كبير من سيادة البلد، لصالح روسيا وإيران، ولوجود أميركي عسكري مباشر، ولتلك المعادلة التي أفضت لفتح المجال واسعًا، لطيران العدو الإسرائيلي ليقصف مطارات سوريا، من دمشق إلى حلب، دون أن تعمل موسكو، أو تقدر إيران، على لجم تلك النشاطات الصهيونية، المتذرِّعة بالنفوذ الإيراني ومخططات طهران؛ بنقل الأسلحة إلى حزب الله، في لبنان.

والسؤال: هل استئناف حماس علاقتها بشكل رسمي مع نظام الأسد هو الذي سيوقف تلك الحالة التي أفضت بها لعبة الأمم في سوريا؟

اختارت حماس وقيادتها التي باتت أكثر قربًا من محور إيران الانحياز إلى نظام مأزوم، حتى عربيًّا، لم يُعَد تأهيله، كما لحظنا ذلك في عدم دعوته إلى القمة العربية المزمعة في 1 و2 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، في الجزائر.   

هذا فضلًا عن الأضرار الكبرى التي ستلحق بالتعاطف الشعبي بحركة حماس؛ بوصفها حركة مقاومة، من الشعوب العربية والإسلامية، ومن الشعب الفلسطيني نفسه، بل ومِن أنصارها أنفسهم، حيث لا يُنكَر، ولا يمكن تجاهل الاضطراب الذي سبَّبه هذا التحوُّل، حتى إنها لم تعد منسجمة مع الإخوان المسلمين، في سوريا، وغيرها. كلُّ هذا البُعْد والتحوصل، بعد تعدد الروافد واتساع القواعد، ماديًّا ومعنويًّا.

إن حركة حماس ليست دولة، وإن كانت لها (حكومة) محاصَرة في قطاع غزة، هي لا تزال ساعية إلى هدفها المفترَض، في معركة المقاومة، أو التحرير، وهي لذلك بحاجة إلى مضاعفة الدعم، وتوسيع قواعد التأييد. هذا الخيار الذي حسَم الحركة لصالح إيران ومحورها، وهو الذي يعرف أزمات متفاقمة، في أماكن نفوذه العربية، كما في العراق، وفي لبنان.

في العراق الشعب الأكثر معرفة بإيران وسياستها وأزلامها، انسدادٌ سياسي، وانقسام حاد حتى في البيت الشيعي، جعل الشعب العراقي على شفير نزاعات أهلية دامية، بين أنصار مقتدى الصدر الذي رجحت كفَّتُه، على نحو ملحوظ، في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، على قاعدة التخلُّص من زعماء الميليشيات الموالية والمدعومة من إيران، تتعالى الشعارات، بطرد إيران من العراق، وتحميلها المسؤولية عمَّا آل إليه العراق من بؤس وشقاء.

إن حماس ليس بمقدورها أن تقارن نفسها بالرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وتحوُّلات مواقفه، وظهور مؤشرات على عودة علاقة أنقرة بالنظام في دمشق. إذ حماس أقل قدرة في الحفاظ على استقلالية قرارها، بعد أن تكون ألقت بكلِّ بيضها في سلَّة إيران وحلفائها. ثم إنها، وهي تخوض معركة عادلة، وتواجه تغوُّل إسرائيل والدول الغربية المؤيدة لخطابها، ستتعرض دفوعاتها، ومنطلقاتها، عن حقوق الإنسان، في الحرية والعدالة، ومقاومة الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، ستتعرَّض تلك الدعاوى إلى اهتزاز صدقيتها، بتلك الانتقائية، في الوقوف ضد الظالم في فلسطين، ومع الظالم في سوريا.  

وأما البراغماتية والنفعية التي تستبطن خطابَها الراهن، وموقفها المستهجَن من نظام الأسد، فإنها حين تتجرّد من الثوابت الحقوقية والأخلاقية، ستدفع حماس إلى مزيد من المنزلقات الخطيرة مستقبلًا، وهذه البراغماتية، إنْ صلحت عذرًا هنا، لمَ لا تصلح عذرًا لما تعتبره حماس مواقف استسلامية، أو خيانية، أقدمت عليها قيادة منظمة التحرير، حين أبرمت اتفاقات سلام مع إسرائيل، أفضت إلى تضييع حقوق الشعب الفلسطيني، وزجّت بالسلطة الفلسطينية في هذه المنطقة المعلَّقة والحرِجة، في مواجهة شعبها الذي يحاول النضال لانتزاع حقوقه، أو الدفاع عن حياة أبنائه، من القتل اليومي، والانتهاكات المستفزة التي تمارسها قوات الاحتلال في القدس، وفي الضفة الغربية المحتلة.

إيران توظِّف حماس وتحاول استثمار فلسطين في معركة نفوذها في المنطقة والإقليم، بوصفها جماعة غير شيعية، وعربية غير إيرانية

هذا في حين لم يعد الأسد يملك من الثبات والثقة ما يؤهله للبقاء في موقف المقاومة والممانعة، بعد أن شتَّت شعبَه، وألحق دمارًا كبيرًا بوحدة الشعب السوري، فضلًا عن أرواح الأبرياء، وممتلكاتهم؛ إذ هذا الانفضاض الشعبي والوطني عن الأسد يلقيه في منطقة أبعد من بازار المساومات الدولية والإقليمية.   

وبعد فإن الدعم الذي تقدِّمه إيران ليس مجانيًّا، ولنا فيما حدث في العراق ولبنان مثل، وعبرة، إيران توظِّف حماس وتحاول استثمار فلسطين في معركة نفوذها في المنطقة والإقليم، بوصفها جماعة غير شيعية، وعربية غير إيرانية، لكونها لاعبًا مهمًّا في منطقة بالغة الأهمية والحساسية والمركزية، وهي فلسطين والقدس. ولذلك تبتهج كثيرًا، وتنتفع بعبارات الشكر التي لا تكاد تكفُّ قيادات في حماس عن توجيهها إلى طهران، كلما أُسدِل الستار عن مواجهة غير متكافئة مع إسرائيل، على قطاع غزة.

إن الشعب الفلسطيني يقاوم المحتل الإسرائيلي، قبل أن توجد "الجمهورية الإسلامية"، رافعةً شعار القدس، بينما القدس، والمسجد الأقصى يمعَن في تهويده وانتهاكه، يوميًّا، يقاوم بإمكانياته، مهما بدت متواضعة. لكنها وهي ذاتية، تكون أبعد عن الاحتواء، وأنقى من التلوُّث بأثمان غير نظيفة.

وفوق ذلك، فإن حركة حماس، بعد أن تجرَّعت الحكم، وتجشَّمت المسؤولية، عن قرابة مليوني نسمة في قطاع غزة، صارت أكثر استجابة للمساومات، على حساب معركتها المصيرية، وهدفها الاستراتيجي، في الدفاع عن فلسطين والقدس، فقد صارت في جانب الهدوء، والمعركة تدور حولها، كما في المواجهة الأخيرة في غزة، وهي سكتت عن اقتحام المستوطنين وانتهاكهم المسجد الأقصى، يوم مسيرة الأعلام، بوعود بانفراجات تغنمها في غزة، من قبيل زيادة تصاريح العمل، وتخفيف القيود.

وأخيرًا، هل مَن دمّر سوريا، الوطن والشعب والبلد، باذلًا الكثير من سيادة بلده، ومقدّراته، لروسيا وإيران، مؤتمنٌ على الوفاء لفلسطين؟