في أبعاد تكاثُر الجرائم الإسرائيلية

2022.12.08 | 06:15 دمشق

في أبعاد تكاثُر الجرائم الإسرائيلية
+A
حجم الخط
-A

أجدد جرائم الاحتلال كانت اغتيال الشاب عمار مفلح، وهي الجريمة التي رآها العالم، في بلدة حوارة، قرب نابلس، وقبلها كانت جريمة اغتيال الشاب رائد النعسان، من قرية المغيّر، شمال شرقي رام الله، وقبلها بأيام قليلة، قتلت قوات الاحتلال سبعة فلسطينيين، فقط في غضون 48 ساعة.

وتأتي هذه الزيادة، قبيل تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة، التي تضم إليها وزراء متطرِّفين وعنصريِّين، مستوطنين، أبرزهم إيتمار بن غفير، من حزب "القوة اليهودية"، وبتسلئيل سموتريتش من حزب "الصهيونية الدينية"، وهي أحزاب لا تخفي عنصريتها ضد العرب الفلسطينيين، واستباحتها دماءهم، لتتكوَّن حكومة صهيونية وُصِفتْ بأنها الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.

في استقبال هذه الحكومة الفريدة من نوعها، تفاقمت جرائم جنود جيش الاحتلال، وهو الجيش الذي يزعم التزامه بقواعد أخلاقية تضبط تصرفات جنوده

مفرداتها توسيع الاستيطان، وشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية، حتى من وجهة نظر المؤسسات الإسرائيلية، والتضييق على الفلسطينيين في مناطق ج، وهي المناطق التي تشغل قرابة 60% في المئة من مساحة الضفة الغربية، بما يعني هدم بيوتهم، ومنع البناء فيها، بالإضافة إلى تكثيف تهويد المسجد الأقصى، وتغيير الوضع القائم فيه، منذ احتلاله، عام 1967، بالسماح لليهود بالصلاة فيه. فضلًا عن منح جنود الاحتلال صلاحيات أسهل لقتل الفلسطينيين، تلك الصلاحيات غير المنقوصة، أصلًا، في الحكومة المنصرفة.

وفي استقبال هذه الحكومة الفريدة من نوعها، تفاقمت جرائم جنود جيش الاحتلال، وهو الجيش الذي يزعم التزامه بقواعد أخلاقية تضبط تصرفات جنوده. لكن الجريمتين الآنفتي الذكر، أثبتتا تحلُّل الجنود وقيادة الجيش من تلك الأخلاقيات المزعومة، حيث كان بإمكان الجندي الذي قرر اغتيال الشاب مفلح، (تحييده) بسهولة، دون قتله. ولكنه صوَّب على مقتَل، ثم مُنِعت سيارات الإسعاف من إنقاذه.

تلك الأخلاقية المزعومة أثبتت الجريمتان المذكورتان، هشاشتها، إذ أورد مراسل الـ بي بي سي فيديو يثبت كذب البيان الرسمي لجيش الاحتلال، والذي ادّعى أنَّ الشاب رائد النعسان، كان يهم بإلقاء زجاجة حارقة على جنود الاحتلال، في حين لم يظهر تقرير موقع bbc   وجود أي زجاجة حارقة في يد الشاب، قبيل قتله. ولم يكن يمثل أيَّ خطورة على حياة الجنود.

هذا الأسلوب الجديد القديم، أسلوب القتل الفوري، الطائش والمتهوِّر، طالما جُرِّب سابقًا، لكنه لم يخمد روح المقاومة في الشعب الفلسطيني، بل كان يفاقم ردّات الفعل الغاضبة.

وتنبع خطورته حتى من الزاوية الأمنية الاحتلالية في كونه يهدِّد بتوسيع دائرة المواجهة؛ حين تستشعر أعداد أكبر من الفلسطينيين الخطر، على حياتهم؛ لأهون الأسباب، فقد تكون النتيجة المستخلَصة: ما دمتُ مقتولًا، فلا بدَّ أنْ لا أٌقتَل، مجَّانًا.

وهذا ما لا تحبُّه قيادات الاحتلال؛ أنْ تتوسَّع دائرة المنخرطين في عمليات المقاومة والمواجهة، إذ لا تزال، محدودة نسبيًّا، ملحوظة في مناطق جنين ونابلس، أما في حال استمرّت هذه الوتيرة الإجرامية فإن مدن الضفة وقراها ومخيماتها ستكون مرشَّحة للاشتعال. ولا سيما مع انسداد الآمال بالحلول السياسية، وضيق الفرص المعيشية.

وهنا منعطف مهم على مجمل الحالة الفلسطينية؛ إذ إن الاستمرار في إزهاق أرواح الفلسطينيين، وبدعم من القيادات السياسية والعسكرية، الاحتلالية، فضلًا عن المرجعيات الدينية، مِن شأنه أن يضاعف الضغط على السلطة الفلسطينية المُصِرَّة (برغم عجزها، وإخفاق طريقها التفاوضي) على رفض المقاومة العنيفة، بل المستمرة في التنسيق مع دولة الاحتلال أمنيًّا، من أجل إحباط أي عمليات موجهة إلى جنود الاحتلال أو إلى مستوطنيه.

لم تخفِ الإدارة الأميركية انزعاجَها من انضمام وزراء متطرفين ينهجون نهْجَ زعيم حركة كاخ، الحاخام، مائير كاهانا، وهدَّدت بعدم الاتصال بهم

هذا الاستخفاف الاحتلالي بصورة السلطة الفلسطينية في نظر شعبها، يعكس استهانة إسرائيلية، وتحديدًا من المكوِّنات الحزبية المتطرِّفة الجديدة بأهمية السلطة الفلسطينية، وبأهمية الحفاظ، ربما، على الرمق الأخير منها. وهو الأمر الذي يلقى معارضة قوية من المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، من واقع معرفتهم القريبة والعميقة بالفوائد التي يحققها بقاء السلطة. وخطورة انهيارها، والتبعات الأمنية والمالية والسياسية المرجَّحة، على دولة الاحتلال، إذ ستضطر إسرائيل، بوصفها الدولة القائمة بالاحتلال إلى الحلول محل السلطة في إدارة شؤون الفلسطينيين، في التعليم والصحة، وغيرها، فضلًا عن انعدام الشريك الفلسطيني أمنيًّا، بأجهزة أمنية فلسطينية، من المؤكَّد أنها قادرة على تحقيق مستوى من الأهداف الأمنية لا تقدر عليه أجهزة أمن الاحتلال، وهي إن اقتربت من ذلك المستوى فإن ذلك سيكون بأثمان كبيرة، بنشر مزيد من الجنود، وبذل مزيد من النشاطات الواسعة والدائمة، ولا سيما بعد أن كثر السلاح بين الفلسطينيين، مقارنة بما كان عليه الوضع، قبل السلطة، وارتفاع الخبرة العسكرية، لدى أفراد فلسطينيين ليست أعدادهم محدودة.   

ولعل الأنظار تتجه صوب العلاقة الأميركية الإسرائيلية؛ إذ لم تخفِ الإدارة الأميركية انزعاجَها من انضمام وزراء متطرفين ينهجون نهْجَ زعيم حركة كاخ، الحاخام، مائير كاهانا، وهدَّدت بعدم الاتصال بهم، هذا وإنْ كان الحزم الأميركي مشكوكًا فيه، تاريخيًّا، تُجاه قادة إسرائيل، بالمجمل، إلا أن خطوطًا حُمْرًا، يُفترَض أنْ تراعى؛ تتمثَّل في المصالح الأميركية الإستراتيجية، في حفظ استقرار الأوضاع في منطقة بالغة الحساسية، في تأثيرها في المحيط العربي والإسلامي. فحتى لو لم يكن بمقدور الإدارة الأميركية الظهور بصورة خصم إسرائيل دوليًّا، وفي المحافل الدولية، فإن بمقدورها رفع جزء من الغطاء عن جرائمها، أو السكوت عن أطراف دولية أخرى لديها هامش أوسع لانتقاد إسرائيل، وانعكاسات تحوُّلاتها البنيوية الخطيرة، عليها، أوَّلًا، وعلى ما تنتظره الدول الغربية منها، كدولة لا تنزع عن نفسها رداء الديمقراطية، بالكلية، وتسفر عن دولة يهودية بقيادة متطرفة وعنصرية.

هذا على فرَض استمرار العناد الإسرائيلي الرسمي، والمضيّ في هذا الاتجاه الأكثر دموية واستخفافًا، ليس بالفلسطينيين، فقط، وبل وبالعالم، وحتى بحلفائها الغربيين.