icon
التغطية الحية

فيلم المترجم: أسئلة السينما النضالية عن جدلية التضحية- القمع

2022.04.04 | 17:54 دمشق

thumbnail_swr_mn_fylm_almtrjm_6.jpg
+A
حجم الخط
-A

يبدأ فيلم "المترجم" بمشهد من الاحتجاجات الشعبية التي حصلت في سوريا في عام 1980، والتي ما تزال حاضرة في ذاكرة الشخصية الرئيسية (سامي) ففي حينها يذكر مشهد اعتقال والده واختفائه، والذي يشهده مع أخيه في الحاضر من احتجاجات شعبية في عام 2011. هكذا، سيبني الفيلم استمرارية في موضوع فاعلية العمل السياسي وجدوى التظاهر والتمرد بين ثلاثة أجيال: الأب 1980، الابن الأول سامي، والأخ الأصغر زيد كما سنرى في حوارات متكررة في الفيلم.

 

thumbnail_صور من فيلم المترجم (6).jpg
بوستر الفيلم

 

تنتقل الحكاية إلى عام 2000، حيث كان سامي (تمثيل: زياد بكري) يعمل مترجماً من العربية إلى الإنجليزية للفريق الأولمبي السوري في سيدني- أستراليا. أجبرته زلة لسان على البقاء في أستراليا والعيش فيها قسراً كلاجئ سياسي.

في عام 2011، عندما اندلعت الثورة السورية وعلى أثر اعتقال شقيقه (زيد)، يخاطر سامي بكل شيء للعودة إلى سوريا والعثور عليه. وتقوم حبكة السيناريو على حكاية انتقال سامي من سيدني إلى دمشق، والدخول عبر لبنان إلى دمشق. ويحضر في السيناريو الظواهر الأساسية التي استجدت في المدن السورية في تلك المرحلة، طرق التهريب المخفية في الدخول إلى البلاد، دخول الصحفيين إلى سوريا في حالة المنع والحظر لعمل الصحافة في تلك الفترة، المظاهرات الاحتجاجية وخصوصاً الطلابية منها في الجامعات، توزع القناصة على أسطح الأبنية في دمشق، والحكاية الأساسية المتعلقة بالاعتقالات أو الاختفاء القسري كما ستصبح لاحقاً.

وبالإضافة إلى حكايات المدينة في تلك الفترة، فإن الفيلم يتضمن الحوارات الأهلية التي ترافقت مع هذه الأحداث: الانقسام الأهلي حول الثورة والنظام، القمع المستمر للناشطين والمعارضة، خطاب النظام الحاكم لاستمرارية حكمه، ضرورة المشاركة من عدمها في الفاعلية الثورية، ضمن إطار مفاهيم الشجاعة، الأخوة، الحب.

عوالم المغامرات الصحفية والألعاب الإعلامية

يختار سيناريو فيلم المترجم (كتابة: ماغالي نيغروني) لحظة تاريخية في الحياة السياسية والاجتماعية السورية المتمثلة في وفاة حافظ الأسد وانتقال السلطة إلى ابنه بشار والتعديلات الدستورية التي أجريت في حينها، وفي البعثة الأولمبية الرياضية السورية إلى سيدني يوجه السؤال إلى أحد اللاعبين بخصوص ذلك، لكن المترجم يدخل رأيه الشخصي في مهمة الترجمة فيضطر للبقاء في أستراليا بما اعتبر تصريحاً عن معارضة سياسية تتضمنها ترجمته. ومع مظاهرات عام 2011 يتعاون المترجم سامي مع صحفي أسترالي (شيس، تمثيل: ديفيد شيس) في إيصال وترجمة فيديوهات التظاهر والاعتداءات الأمنية القادمة من سوريا إلى القنوات الأسترالية. لذلك، فإن عالم الصحافة في تلك المرحلة من سوريا يحضر كتيمة أساسية. فدخول المترجم والصحفي الأستراليين إلى سوريا بالتعاون مع الصحفي السوري (جاد حداد، تمثيل فارس حلو) يذكر بالحكايات الواقعية لدخول الصحفيين الأجانب إلى سوريا في تلك الفترة (جيل جاكييه، ماري كولفن)، وكتاب (غرفة تطل على الحرب، للصحفية إيديت بوفييه).

 

thumbnail_صور من فيلم المترجم (10).jpg
من فيلم المترجم

 

يقتل الصحفيان اللذان يرافقان سامي الذي يضطر لمتابعة رحلته وحيداً، يتسلل إلى منزل عائلته القديم الذي تم الاستيلاء عليه بسبب موقف العائلة السياسي في المعارضة، ويبدأ متخفياً بالتعاون مع أخته (لولو: سوسن أرشيد)، وزوجة أخيه (كرمة: يمنى مروان) في عيش تجربة البحث عن الاختفاء القسري، المعتقل مجهول المصير، الذي هو أخوه زيد.

وبما أن أقارب المختفين قسراً يلجؤون إلى رجال السلطة للحصول على مساعدتهم في التعرف على مصير أقاربهم، فإن سامي يقع بين أيدي الأجهزة الأمنية التي تعرف ماضيه، وتقايضه بخروج أخيه وزوجة أخيه مقابل تسجيل فيديو اعتذار عن خطأه التاريخي في تقديم عبارات الاعتذار والولاء للرئيس. وفي المشهد النهائي في الفيلم، بعد قبول سامي بالمساومة، تنقل شبكات التلفزيون اعتراف سامي في اللحظة التي يفاجأ فيها المشاهد، وهو يصرح بهذه العبارات على الشاشة: "بدنا كرامة، بدنا حرية".

بالإضافة إلى الموضوعات الاجتماعية في تلك المرحلة، فإن الفيلم يركز في جزء أساسي منه على دور الإعلام المحلي والعالمي في تلك الأحداث. في واحد من المشاهد يرفض التلفزيون الأسترالي عرض فيديوهات مرسلة إليه من سوريا وينوه على أنها غير موثوقة المصدر. تقول المخرجة عن ذلك:

"اليوم ما يحصل في أوكرانيا أن الاعلام العالمي يؤكد على موثوقية الصور والفيديوهات القادمة من هناك، بينما كان في موقع التشكيك المستمر بالنسبة للفيديوهات التي كانت تصل من سوريا".

كذلك يظهر دور الإعلام، في الحبكة الأساسية حيث ارتكب المترجم خطأ في الترجمة ظهر على الهواء مباشرةً، ونتابع في الفيلم انعكاسات الأحداث عبر قنوات الإعلام الأسترالي، وتصل الفيديوهات عبر الناشطين إلى الإعلام هناك، تصور العديد من اللقطات بالكاميرا المحمولة التي عرفت في فيديوهات الناشطين (كاميرات الموبايل التي حملت على مواقع الإنترنت)، تدخل هذه الفيديوهات في السردية البصرية السورية في تلك المرحلة كما تدخل في تشكيل العديد من الصناعة السمعية- البصرية في الفيلم. كذلك يعمد (سامي) إلى الضغط على النظام السوري للإفراج عن المعتقلين عبر تصوير مظاهرة تطالب بذلك من المجتمع العالمي، فيهتف ويدلي المتظاهرون/ات بشهاداتهم عبر اللغة الإنكليزية، ويصور سامي نفسه عبر الكاميرا المحمولة ليعلن مطالبهم الجماعية. وأخيراً، فإن المقايضة التي تعرض على سامي المنشق في النهاية هي أن يعلن عبر القنوات الرسمية التلفزيونية السورية عن اعتذاره وموالاته للرئيس الحاكم، في إشارة إلى ممارسات إعلام الموالاة في تلك الفترة وإجبار الناشطين والفنانين على تقديم ولاءات الطاعة عبر الميديا.

أسئلة الأفلام النضالية عن الفعل السياسي

في فيلم المخرج البولندي (أندريه فايدا) بعنوان (رجل من حديد)، وهو من الأفلام السوفييتية النادرة التي حازت على السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي في عام 1980، نتابع حكاية تمرد– إضراب يطلقه عمال الشحن في المرفأ في بولندا الخاضعة للحكم الشمولي. فتطلب السلطات من مخرج عامل في الراديو الوطني تحقيق تقرير صحفي يشيطن الناشط (ماتسيج توماسزييك) القائد الحقيقي لإضراب عمال المرفأ، الذي يتوجب القضاء على سمعته لأجل القضاء على الإضراب. كما الإعلام الرسمي في سوريا وعمله في تشويه صورة الناشطين والمعارضين.

 

thumbnail_رجل من حديد بوستر الفيلم.jpg
رجل من حديد بوستر الفيلم

 

وبينما يجمع المخرج (وينكل) المعلومات عن ماضي الناشط وحاضره في غاية تحقيق التقرير الصحفي التضليلي، فإنه ما يلبث أن يميل إلى الطروحات التي تقدمها لجنة إضراب عمال المرفأ، فيتخذ قراراً في نهاية الفيلم بالانشقاق عن مهمته الموكلة إليه حكومياً والانضمام إلى صفوف العمال المضربين في المرفأ. إن هذا الانتصار الصغير أيضاً، يتقاطع مع فيلم (المترجم) حيث يقرر سامي نجار الاستمرار في التعبير عن رأيه السياسي وعدم الخضوع لخطة تقديم الولاء المطلوبة منه من قبل السلطة.

تقاطع آخر يجمع بين سيناريو فيلمي رجل من حديد والمترجم، وهو الذي يتعلق بجدوى الفعل السياسي والمطالبة بالتغيير في ظل الأنظمة التي عرفت بقمعها عبر التاريخ. فالعنف الذي تعرضت له الحركات الاحتجاجية في بولندا في عام 1968 حين خسر بطل الفيلم والده، ومن ثم القمع والضحايا التي نتجت عن احتجاجات عام 1970، جعلت الناشطين البولنديين يدخلون في نقاشات عن جدوى الإضراب في عام 1980 حيث تجري أحداث الفيلم.

إن ماضي العنف وسلسلة الضحايا التي نتجت عن الماضي النضالي ضد السلطة يجعل الناشطين مترددين اليوم في الدخول في حركة إعلام المطالب. ماذا لو تحولت في كل مرة المظاهرات إلى حمام من الدماء المقموعة؟ هل يستمر الاعتراض السياسي في ظل سلسلة الضحايا المتكاثرة؟ وكذلك الحال في فيلم (المترجم)، حيث يستذكر سامي العنف الذي مورس على المتظاهرين في أعوام الثمانينيات ويجري الحوار بين الشخصيات عن جدوى النضال السياسي في ظل تكاثر أعداد الضحايا في كل مرة. ورغم أن كلا الفيلمين يطرحان هذه الجدلية، إلا أن آراء صانعي الفيلمين تدفع باتجاه ضرورة النضال والتغيير، فذلك ما هو واضح في الخاتمة المتمردة في حكاية المترجم سامي النجار، كما هو واضح في القصيدة الافتتاحية في فيلم (رجل من حديد):

الأمل موجود إذا آمن كل إنسان،

بأن الأرض ليست حلماً،

لكنها جسد حي،

وأن كل شيء قد اكتشفه هنا،

يشبه الحديقة التي تُطل من خارج البوابة،

إذا نظرنا، بحكمة واهتمام أكثر،

سوف نرى زهرة جديدة أو العديد من النجوم في حديقة العالم.

يقول البعض إن العين خادعة، وإنه لا يوجد شيء هناك.

هذا مجرد وهم، فهؤلاء هم من فقدوا كل الآمال.


الفيلم: "المترجم"

إخراج: رنا كزكز، أنس خلف.

تمثيل: زياد بكري/ سامي نجار.

يمنا مروان/ كرمى

سوسن أرشيد/ لولو

ميراندا تابسيل/ جولي

دايفيد فيلد/ شايس.

فارس الحلو/ جاد حداد.

عرض الفيلم في المركز الثقافي الفرنسي في بيروت 30-03-2022