icon
التغطية الحية

فورين بوليسي: مقتل سليماني قد يغير الشرق الأوسط نحو الأفضل

2020.01.08 | 12:33 دمشق

photo_2020-01-08_13-34-50.jpg
فورن بوليسي - ترجمة وتحرير ربى خادم الجامع
+A
حجم الخط
-A

خلال السنوات الأخيرة أصبحت عمليات الاغتيال لشخصيات رفيعة المستوى تتخذ شكل المسرح السياسي أكثر من كونها مهمة من الناحية العملية، إلا أن الوضع قد يختلف في حال تطبيق الاستراتيجية الصحيحة.

بدءاً من مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وصولاً إلى مقتل زعيم تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي، أصبحت عمليات الاغتيال لأعداء الولايات المتحدة من الطراز الرفيع تتسم برمزية كبيرة خلال السنوات الأخيرة. بالرغم من المغالاة في أهميتها من الناحية العملية.

فإن الغارة التي قتلت قاسم سليماني، قائد قوات فيلق القدس الإيراني، وهي من وحدات النخبة ضمن الحرس الثوري الإسلامي تعتبر عملية نوعية ومختلفة، إذ بإمكانها أن تغير الشرق الأوسط من نواح أساسية، وقد تغيره للأفضل في حال تم إلحاق الاستراتيجية المناسبة بها.

ولفهم سبب أهميتها لا بد لنا أن نعترف بأن سليماني لم يكن مجرد جنرال إيراني عادي، بل كان صاحب مبدأ بالنسبة لأيديولوجية النظام الإيراني التي تتسم بالعنف والتطرف، فهو شخص حارب لتحقيق الحلم الطوباوي لآية الله روح الله خميني.

فكرة "فيلق القدس"

ومنذ اللحظة التي سيطرت فيها المؤسسة الدينية في إيران على ثورة الشعب الإيراني عام 1979، أخذ رجال الدين الذين يحملون لقب آية الله بالتفكير بتصدير العلامة التجارية القتالية لتلك النزعة الإسلامية إلى دول أخرى في الشرق الأوسط، وكان طموحهم الأكبر إنشاء دولة شيعية، تدور في فلك الخميني الذي سيصبح مركزها بوصفه يتمتع بالسلطة الأعلى وذلك ليس فقط ضمن إيران بل على سائر المسلمين، ولقد احتفظ هذا الدور بقدسيته ضمن دستور الجمهورية الإسلامية حتى يومنا هذا.

ولتحقيق هذه الغاية، خرج أتباع الخميني بفكرة إنشاء فيلق القدس، وهو عبارة عن جيش إسلامي تم تخصيصه لتصدير الثورة ولتحرير فلسطين عبر تدمير إسرائيل. غير أن فيلق القدس هذا لم يظهر ويُشتَهر إلا عندما تولّى شخص قيادته عام 1998 وهو ابن فلاح يبدي ولاء أعمى لخلف الخميني علي خامنئي، وهذا الرجل هو سليماني الذي يعتبر تجسيداً لأيديولوجية الدولة الشيعية في إيران.

كان سليماني مهندس نشاطات إيران خارج حدودها، فهو المسؤول عن تنسيق سائر المخططات الإرهابية المرتبطة بالنظام الإيراني، والتي بلغت مناطق في تايلاند وبلغاريا، كما يمثل القوة التي تقف خلف إنشاء ما يعرف بالهلال الشيعي لإيران، أي ذلك القوس الذي يمثل النفوذ الإيراني والذي يمتد من العراق إلى سوريا حتى جنوب لبنان. وقبل أشهر من مقتله؛ أخذ قائد فيلق القدس يتباهى بالطريقة التي تمكنت من خلالها قواته وتحت قيادته من إنشاء حلقة إقليمية بين المقاومة (الشيعية) تربط إيران بالعراق وسوريا ولبنان. وبالطبع لا أحد ينكر أن سطوة إيران الحالية في الشرق الأوسط ترتبط ارتباطاً وثيقاً بذلك الجنرال الإيراني وقدرته على سفك الدماء. إذ على مدار عقدين من الزمان، أصبح سليماني راعي المقاتلين الشيعة من بغداد إلى بيروت ووضع استراتيجية الإرهاب على مستوى دقيق من البراعة لم يحلم به كل من بن لادن أو البغدادي.

سليماني في العراق

ففي العراق خلال عام 2003 على سبيل المثال، وعقب سقوط الديكتاتور البعثي صدام حسين، عمل سليماني وزملاؤه بلا كلل أو ملل على تجنيد وتنظيم الشباب الشيعة وتحويلهم إلى مقاتلين متطرفين موالين ليس للدولة العراقية، بل للمرشد الأعلى في إيران. وعبر تزويدهم بصواريخ وقنابل زرعوها في الطرقات، تمكن هؤلاء من قتل المئات وإصابة الآلاف من الجنود البريطانيين والأمريكان. وعبر الميليشيات؛ تمكن هذا الجنرال الإيراني من البدء في إنشاء علاقة قائمة على القيادة والسيطرة في العراق. إلا أن أجندة طهران الطائفية وصلت بالعراق إلى شفير الحرب الأهلية، كما أسهمت فيما بعد بظهور تنظيم الدولة عام 2014.

سوريا

غير أن الاختبار الأكبر لعمل سليماني أتى على أرض بعيدة عن حدود إيران، ألا وهي سوريا، فابتداء من عام 2011، عندما خرج ملايين السوريين إلى الشوارع ضد الرئيس بشار الأسد، هرع قائد فيلق القدس لإبقاء هذا الديكتاتور في السلطة. فتحت حكم الأسد كانت سوريا الشريان الأساسي الذي يمكن لإيران عبره أن تقوم بتسليح ميليشياتها. ولهذا كان كم العنف المفرط الذي استخدمه لإبقاء الأسد في السلطة مثيراً للاستغراب، وهذا ما تسبب بمقتل نصف مليون سوري جراء ذلك. ولهذا لا عجب أن يندفع السوريون إلى الشوارع لدى سماعهم بنبأ مقتل سليماني ليحتفلوا بهذا الحدث وهم يهتفون: "سليماني طار طار، وهلأ دورك يا بشار!"

وبالنسبة لذلك النزاع، وبالرغم من سطوع نجم سليماني بوصفه الرجل الذي ساعد على هزيمة تنظيم الدولة، فإن ظهور مجموعة مقاتلة معادية للشيعة في سوريا والعراق كان هبة من الله بالنسبة للنظام الإيراني، إذ مكّن ذلك طهران من تبرير تورطها العميق بأمور خارج حدودها، وأسبغ على ذلك غطاء من التبرير الديني لسفك الدماء الذي حدث نتيجة لذلك. إذ فجأة أصبح الحرس الثوري الإيراني ومن معه من مقاتلين شيعة أجانب ممن عملوا على قمع المتظاهرين السنّة المناهضين للأسد مدافعين عن المقامات الشيعية المقدسة إزاء خطر تنظيم الدولة الإسلامية. وهكذا لبس سليماني لبوس مقاتل ديني شبيه بالإمام الحسين ولكن بشكل عصري، وهو الإمام الثالث المعصوم بأمر إلهي في المذهب الشيعي والذي قام ضد الخلافة الأموية عام 680 ميلادية ثم استشهد خلال سعيه للدفاع عن خلافة آل البيت.

غير أن هذا اللبوس الديني لم يُخف أجندة طهران الحقيقية عن الناس الذين عايشوا العواقب الوخيمة لأفعال إيران. ففي شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 2019؛ خرج الشعب العراقي إلى الشوارع ليطالب بإنهاء التدخل الإيراني في شؤون البلاد طيلة سنوات حيث قام مواطنون عراقيون بإحراق صور خامنئي وسليماني في تلك التظاهرات. بيد أن هذه الخطوة كانت بعيدة عن بلوغ الهدف. إذ بعد يوم واحد من اندلاع تلك الاحتجاجات في العراق، سافر هذا الجنرال الإيراني إلى بغداد ليعطي أوامر للميليشيات التي تدعمها إيران لتقوم بقمع المتظاهرين العراقيين، فترتب على ذلك مقتل 500 شخص، وجرح أكثر من 27 ألفاً. وبعد مرور أسابيع على ذلك؛ وتحديداً في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2019؛ تكرر المشهد ذاته في إيران، ما دفع الحرس الثوري لاستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين المناهضين للنظام، ما أدى إلى مقتل 1500 شخص في غضون أسبوعين فقط من تلك الاحتجاجات.

 

المصدر: فورين بوليسي

 

 
كلمات مفتاحية