icon
التغطية الحية

فورين بوليسي: مقاتلون سوريون قد يتواجهون في حرب أوكرانيا

2022.03.16 | 17:19 دمشق

2018-02-28t132722z_1167377681_rc126cdb83b0_rtrmadp_3_mideast-crisis-syria-ghouta.jpg
عناصر من قوات النظام وروسيا في ريف دمشق ـ رويترز ـ أرشيف
فورين بوليسي - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أثار الغزو الروسي لأوكرانيا موجة شجب واستنكار عالمية وردة فعل دولية أتت أكبر من أي توقعات، وذلك لأن العشرات من الدول تعاونت على فرض عقوبات على روسيا والنخبة الأوليغارشية فيها. كما انسحبت شركات من روسيا بأعداد غفيرة، وسارعت دول في الاتحاد الأوروبي إلى إغداق الأسلحة والمساعدات المالية على أوكرانيا لتقف في وجه الغزاة الروس، في الوقت الذي أسست فيه أوكرانيا أيضاً فيلقاً يضم مقاتلين أجانب أبدوا استعدادهم لمحاربة روسيا. وبحلول الأسبوع الثاني من شهر آذار، أعلنت أوكرانيا عن وصول عدد المتطوعين الأجانب لديها إلى ما يقارب 20 ألف جندي.

إلا أن أوكرانيا لم تكن الطرف الوحيد الذي طلب مساعدة بقية الدول، إذ نشرت صحيفة وول ستريت جورنال خلال الأسبوع الماضي ما ورد على لسان مسؤولين أميركيين حول بدء روسيا باستقطاب السوريين للقتال في صفوفها داخل أوكرانيا. كما ترددت أنباء عن وجود بعض السوريين بالأصل داخل روسيا، واستعدادهم لدخول أوكرانيا. وفي تلك الأثناء وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نداءه إلى المتطوعين.

 

تجنيد موسكو للموالين 

ثمة منطق معين لاستقطاب هؤلاء الجنود ونشرهم، فقد جندت روسيا بعض السوريين للقيام بمهام شاقة في الأجزاء الانفصالية ضمن إقليم دونباس الأوكراني خلال السنة الماضية، ثم إن السوريين يمثلون مصدراً مناسباً للعمالة الرخيصة بالأصل، إلا أن الخبراء أكدوا عدم صحة مقطع الفيديو الذي يصور سوريين من المفترض أنهم يتطوعون للقتال في أوكرانيا بعدما بثه التلفزيون الروسي الرسمي. لكن محللين سوريين ذكروا بأن هنالك قائمة طويلة من السوريين الموالين للنظام الذين أبدوا استعدادهم للقتال إلى جانب روسيا في أوكرانيا مقابل أجر مناسب.

إذ يقول الباحث السوري سهيل الغازي من مركز دراسات الشرق الأوسط إن لدى روسيا "خزاناً كبيراً في سوريا على استعداد لتقديم خدماته للروس في حال تأمينهم للمال"، إذ قد تجد روسيا في السوريين خزاناً من المقاتلين المطيعين الذين يمكن أن تستخدمهم كوقود للنزاع عند الضرورة.

لم يعد لدى روسيا سوى القليل من الحلفاء، بينهم نظام بشار الأسد في سوريا. ولهذا قام ذلك النظام في أواخر شهر شباط بدعم اعتراف روسيا بانفصال الجمهوريتين الشعبيتين المزعومتين في شرقي أوكرانيا قبيل الغزو الروسي للبلاد. فلقد أنقذ التدخل الروسي في الحرب السورية الأسد من السقوط في عام 2015، فأخذت القوات الروسية تحارب إلى جانب قوات النظام منذ ذلك الحين، ولهذا فالأسد مدين بالكثير من صنائع المعروف لبوتين.

تشابه الظروف

قاتل السوريون في حرب بلادهم ذات الأوجه المتعددة طوال فترة امتدت لأكثر من عقد من الزمان، إذ شملت تلك الحرب قتالاً في المدن يشبه ما قد يرقى إليه الغزو الروسي لأوكرانيا خلال فترة قريبة. إذ استحالت المدن السورية إلى أطلال بسبب القصف المدفعي والجوي، وهذا ما هددت روسيا بفعله في أوكرانيا. ولهذا كان القتال في ساحات الوغى تلك صعباً وطاحناً، حيث جمع نظام الأسد وحلفاؤه بين استخدام أسلوب الهيمنة على الأجواء وميزات المدفعية والمدرعات لعزل الجيوب التي يسيطر عليها الثوار. كما فرض النظام حصاراً كذلك الذي حاولت روسيا أن تفرضه على المدن الأوكرانية، فضلاً عن استخدامه للأسلحة الكيماوية، ولهذا حذر قادة حلف شمال الأطلسي من أن روسيا باتت على وشك استخدام ذلك السلاح هي أيضاً.

لم تحارب معظم القوات البرية الروسية في سوريا، بل تركت القتال للنظام ولوكلائه الذين قامت إيران بتنظيمهم، ولسلاح الجو الروسي ولشركات المرتزقة المنحازة لروسيا مثل مجموعة فاغنر، التي قاتل مرتزقتها أيضاً في أوكرانيا، حيث ترددت أنباء عن تكليفهم بقتل الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي.

سوريون يجابهون بعضهم في بلاد غير بلادهم

خاض السوريون هذا النوع من الحرب لأكثر من عقد من الزمان، كما تمت الاستعانة بهم بوصفهم قوات أجنبية رديفة في الحرب الأهلية بليبيا، وذلك من قبل روسيا وتركيا، ضمن طرفين متصارعين. أي أن مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية استوردوا السوريين الموالين لنظام الأسد بغية دعم الجنرال خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي

لقد خلف عقد من الزمان على الحرب جيلاً من الشبان الذين لا يعرفون من الحياة سوى القتال، وباتت بصماتهم واضحة في أماكن أخرى خارج حدود بلادهم. ولهذا قد يتواجه سوريون ضمن طرفي النزاع في حرب أوكرانيا أيضاً، فقد أعرب بعض من خاضوا الثورة السورية عن رغبتهم بالقتال إلى جانب أوكرانيا ضد الغزاة الروس، كان أبرزهم وأشهرهم سهيل حمود الملقب بأبي التاو نظراً لاستخدامه لصاروخ التاو من طراز BGM-71 المضاد للدبابات.

إذ بحسب تحليل ورد في مصدر مفتوح، يرجح أن يكون هذا الشاب أهم مدمر للمركبات العسكرية في التاريخ، أو لعله الشخص الذي توافرت لديه أفضل الوثائق التي تثبت تفوقه في هذا المضمار، إذ أعلن هذا الشاب عبر تغريدة نشرها على تويتر: "كيف لي أن أذهب إلى أوكرانيا لأحارب إلى جانب الجيش الأوكراني؟ هل هنالك أية طريقة؟ لأنني مستعد لذلك". وعندما رد عليه أحدهم بأنه سيجد السبيل إن كان عازماً على ذلك، قال: "هنالك إرادة قوية، فأنا في إدلب الآن ومستعد للذهاب لدعم الجيش الأوكراني، لكني بحاجة إلى مساعدة".

لكن هذه ليست مجرد فورة مشاعر عابرة، إذ في عموم أرجاء سوريا حيث يلقي غالبية السكان فيها اللوم على روسيا بالنسبة للدمار الذي لحق ببلادهم، يتهامس المقاتلون السابقون والحاليون حول البحث عن ساحة قتال جديدة لمحاربة الروس. وفي الشمال السوري، رسم فنانون جداريات وكتبوا على الجدران ما يعبر عن أن أوكرانيا وسوريا ما هما إلا دولتان شقيقتان تعانيان من آثار الإمبريالية الروسية ونتائجها.

كتب المفكر السوري ياسين الحاج صالح لصالح مركز أبحاث DAWN بأنه: "في الوقت الذي قد لا تكون فيه هزيمة عدونا المشترك بوتين بمثابة انتصار لنا نحن السوريين بالضرورة، لا بد وأن يتحول انتصار النهج البوتيني إلى هزيمة أكبر بالنسبة لنا، لأن ذلك سيضعف من فرصنا القليلة بالأصل لاسترجاع بلدنا".

تركيا تتحكم بالوضع

إن حقق سهيل حمود ما يتمناه، فحينئذ قد يجد الثوار السوريون أنفسهم يقاتلون السوريين الموالين لنظام الأسد في حرب السيطرة على كييف أو أوديسا.

إلا أن هذا الأمر مستبعد، وذلك لأن تركيا تتحكم بسفر هؤلاء المقاتلين المقيمين في الشمال السوري سواء منه أو إليه، كما أن الثوار السوريين وعناصر الجيش الوطني الذين حاربوا خارج بلادهم لم يفعلوا ذلك إلا بتوجيه من تركيا وبتسهيلات منها، إلا أن تركيا أصبحت تقترب من مساندة الجانب الأوكراني يوماً بعد يوم.

إذ بعد ضغط مارسه زيلينسكي على تركيا، أغلقت الأخيرة مضيقي الدردنيل والبوسفور أمام السفن الحربية الروسية، وذلك بموجب اتفاقية مونترو. كما حققت مسيرات بيرقدار تركية الصنع نجاحاً في ساحة القتال الأوكرانية، وأصبحت لها شعبية بين صفوف الشعب الأوكراني الذي أصبح يدين لها بالفضل، إلى درجة دفعت بعضهم لتأليف الأغاني عنها، كما أطلق اسم بيرقدار على حيوان الليمور الذي ولد حديثاً في حديقة الحيوان بكييف. ثم أتت تركيا لتعلن أخيراً وسط ضجة كبيرة أنها ستزود أوكرانيا بالمزيد من المسيرات.

وهذا ما يتمناه بعض الثوار السوريين إلى جانب تمنيهم السفر إلى أوكرانيا مع المسيرات بفضل تركيا وبركتها، حيث بوسعهم أن يقاتلوا الروس وأي سوري أرسله الأسد للقتال هناك.

كتب الكثير عن الممارسات الوحشية لروسيا في الحرب، وعن تركيزها على القوة النارية واستخدامها للقصف الجوي والمدفعي وعن تدميرها للمناطق المدنية، فقد أقام الروس وحلفاؤهم ما يعرف باسم ممرات إنسانية، غير أنهم لغموها وقصفوها، ما جعل تلك الممرات لا تستحق اسمها. وهنا تقدم سوريا دروسها الكالحة في هذا المجال، ولهذا ينبغي على الأوكرانيين أن يتعلموا من التاريخ حتى يتوقعوا موعد الحصار ومتى يمكن لأي هجمة كيماوية أن تقع، كما يجب عليهم أن يتوقعوا استفزازات من نوع جديد كتلك التي سبقت قيام هذه الحرب.

قد تتحول أجزاء من الحرب الأوكرانية إلى أمور تذكرنا بالحرب السورية، ولكن في حال قامت روسيا باستيراد مقاتلين سوريين ونشرهم في أوكرانيا حتى يقاتلوا في صفها، فإن شباناً من أمثال سهيل حمود ما يزالون يحلمون بالقتال إلى جانب أوكرانيا، وعندئذ قد تكتسي ساحات القتال في أوروبا الشرقية بطابع سوري مميز خلال فترة قريبة، إذ من الممكن لذلك أن يحدث بطرق عديدة وليس بطريقة واحدة وحسب.

 المصدر: فورين بوليسي