icon
التغطية الحية

فورين بوليسي: لا تتعلقوا أبداً بأي أمل يفضي إلى إخضاع بوتين للعدالة

2022.05.10 | 19:25 دمشق

هيرمان غورينغ الرجل الثاني بعد أدولف هتلر أثناء محاكمته في نورمبيرغ بألمانيا على جرائم الحرب التي ارتكبها، عام 1946في عام
هيرمان غورينغ الرجل الثاني بعد أدولف هتلر في أثناء محاكمته في نورمبيرغ بألمانيا على جرائم الحرب التي ارتكبها، عام 1946
فورين بوليسي - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

التزم البيت الأبيض بشكل صارم بمحاسبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الفظائع والجرائم التي ارتكبتها قواته في أوكرانيا، ولكن علينا ألا نحبس أنفاسنا بانتظار حدوث ذلك، وذلك لأن إدارة بايدن تتعلق بتفكير مبني على آمال وأمنيات بالنسبة للمحاسبة على جرائم الحرب، إذ تتمنى أن يتم إخضاع الرؤساء للعدالة بالنسبة لجرائم الحرب التي ارتكبوها وذلك عبر الاستعانة بالمحاكم الدولية وغيرها من الآليات القانونية، مثل ما حدث في محاكمات نورمبيرغ التي أقيمت للقادة النازيين، وعندما قامت محكمة لاهاي بإخضاع الطاغية الصربي المخلوع سلوبودان مليوزوفيتش للعدالة.

إلا أن قيام عملية مقاضاة ناجحة ما يزال استثناء نادرا، وذلك بسبب الفشل الذي مني به نظام المقاضاة على الجرائم ضد الإنسانية، قضية إثر قضية. إذ في ميانمار، ارتأت إدارة بايدن أن الطغمة العسكرية ارتكبت مجزرة جماعية بحق أقلية الروهينغيا، إلا أن الأمل ما يزال ضعيفاً بخضوع مرتكبي عملية الإبادة الجماعية تلك للعدالة. وفي إقليم تيغري بأثيوبيا، أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن، أن الجرائم المرتكبة هناك ترقى إلى عملية: "تطهير عرقي"، إلا أن شيئاً لم يترتب على ما قاله ذلك الوزير. أما في الصين، فيتجرع أكثر من مليون إيغوري الأمرّين في معسكرات الاعتقال، ولا أمل كبيرا بمحاسبة أي أحد متورط في تلك القضايا.

صورة الفشل الذريع للنظام الذي يعمل على إخضاع مجرمي الحرب للعدالة تتجلى بأبلغ صورها في سوريا، بعدما صار بوتين ووكيله، أي الديكتاتور بشار الأسد، يستعرضان كيف أفلت كل منهما من العقاب، على الرغم من ارتكابهما لجرائم حرب شنيعة بحق المدنيين، شملت استخدام أسلحة كيماوية، واستهداف المشافي والمستوصفات الطبية، ومسح مدن وأحياء بأكملها عن الخريطة. إذ أظهرت السنوات العشر التي مرت على تلك الحرب الوحشية المستمرة أن هنالك شيئا ناقصا بشكل واضح في العملية التي يتمنى الرئيس الأميركي جو بايدن هو وإدارته أن يجري تطبيقها على أوكرانيا اليوم.

إلا أن ذلك لا يعني أنه لا أمل يرجى من محاسبة بوتين، وذلك لأن العقوبات والعزلة الدبلوماسية تحمل وعوداً أكبر بوصفها وسيلة للمحاسبة، وتعود أحد أسباب ذلك إلى أنها تحرم المستهدف بالعقوبات من الموارد التي تغذي العدوان والجرائم. ثم إن روسيا بالأصل تعاني من نقص في الأسلحة ذات الدقة العالية مثل صواريخ كروز، وذلك لأن صناعة تلك الصواريخ تعتمد على التقانة الغربية، ولذلك يمكن للعقوبات الشاملة أن تضمن إضعاف قوات بوتين المسلحة بشكل يعيق قدرتها على شن أي اعتداء آخر على جيرانها الأوروبيين.

بيد أن التحدي الأكبر بالنسبة للعقوبات بوصفها وسيلة للمحاسبة يتمثل بالبقاء على استعداد لفرض تلك العقوبات وتعديلها في حال تكيف المستهدفين بالعقوبات معها. ففي سوريا مثلاً، أتى الالتزام الغربي بمعاقبة الأسد على فترات متقطعة في أحسن أحواله، ثم تراجع اليوم لدرجة أصبح معها بمقدور النظام البدء بعملية إعادة تأهيل على المستوى الدبلوماسي.

"كيف تقول ذلك بعد حلب وغروزني؟"

قبل معالجة المشكلة المتمثلة باختيار الطريقة الصحيحة لفرض تلك العقوبات، يتعين على القادة الأوروبيين أن يركزوا على الطريقة التي يمكنهم من خلالها السعي من أجل المحاسبة، كما عليهم أن يدركوا أن الأساليب القضائية ستفشل على الأرجح، إلا أن المؤسف في الموضوع هو أن وقتاً طويلاً سينقضي قبل أن يدركوا ذلك. إذ عندما كشف الانسحاب الروسي من مدينة بوتشا الأوكرانية عن أدلة تؤكد وقوع مجازر هناك، دعا بايدن لإقامة: "محاكمة لجريمة حرب".

وعندما قال بلينكن في مؤتمر صحفي: "بوسعي أن أقول وأنا على قناعة تامة أن هنالك محاسبة ستجري على كل جرائم الحرب التي تم الإقرار بوقوعها" في أوكرانيا، وقف في وجهه من يعارضه في ذلك وهو محق، وذلك عندما وجه له أحد الصحفيين السؤال اللاذع التالي: "كيف بوسعك أن تقول ذلك بعد حدوث ما حدث في حلب وغروزني؟ لقد كرر بوتين ما فعله مرات عديدة".

لم يعطه بلينكن إجابة محددة، بل رد قائلاً: "أتمنى أن تأخذ ما قلته على محمل الجد"، بيد أن الصحفيين تابعوا طرح أسئلة مختلفة تفضي إلى السؤال ذاته، ورداً عليهم، بدأ البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية بالتأكيد على تعاونهما مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومع المحكمة الجنائية الدولية، ومع العديد من المنظمات غير الحكومية التي تعمل على جمع أدلة حول جرائم الحرب في أوكرانيا.

وحتى نكون على يقين، فإن تلك الجهود مهمة، لأنها ترسخ الأساس الأخلاقي لمعاقبة مجرمي الحرب، وقد تخلق لحظات تنفيس وفاعلية نادرة بالنسبة لضحايا تلك الجرائم، إلا أن ذلك السجل يفتح المجال واسعاً أمام خطورة وجدية الموقف، إذ لم تتمكن جهود مماثلة بذلت حول سوريا من المس بالأسد أو داعميه الكبار في موسكو وطهران، بما أن قواتهم شاركت في ارتكاب العديد من الفظائع بصورة مباشرة.

"روسيا لن تستخدم الفيتو ضد المحاسبة"!

من الأسباب التي تجعل من الصعوبة بمكان الاستعانة بالمؤسسات الدولية لمحاسبة بوتين هو ذلك السبب المتمثل بتمتع روسيا بقوة ونفوذ داخل تلك المؤسسات نفسها، فقد استخدمت موسكو حق النقض مع 16 قرارا أمميا حول سوريا لدى مجلس الأمن، كان منها العديد من القرارات التي لم يكن لها أثر ملموس أكثر من توجيه اللوم والانتقاد لنظام الأسد، وهذا لم يمنع ليندا توماس-غرينفيلد، مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة من التصريح في أواخر شهر شباط بأن: "روسيا لا يمكنها بل لن تستخدم حق النقض ضد المحاسبة".

وهذا الخطاب القائم على الآمال والأماني الذي تقدمه الإدارة الأميركية يعتبر وصفة مجربة لخيبة الأمل وذلك بالنظر إلى التاريخ الطويل للجهود التي فشلت في محاسبة مرتكبي تلك الجرائم ومقاضاتهم. وعندما تظهر حالة خيبة الأمل الحتمية تلك وتستقر في النفوس، عندها تصبح عملية السعي من أجل المحاسبة أشبه بعملية إلهاء عقيمة، وبالتالي ستقل الأسباب التي تقف حائلاً دون العودة للتعامل مع الجناة، وتلك هي قصة سياسة إدارة بايدن تجاه سوريا.

وعود أميركية بقيت بلا تنفيذ

بعد مرور شهر على تنصيب بايدن رئيساً، أعلن بلينكن عن الالتزام: "بالتركيز على حقوق الإنسان وجعلها محور السياسة الخارجية الأميركية"، أما بالنسبة لسوريا، فقد تعهد مسؤولون لدى وزارة الخارجية الأميركية بالسعي وراء المحاسبة وفرض قانون قيصر الذي أقره الكونغرس بأغلبية من الحزبين في عام 2019، وذلك لأن إنفاذ هذا القانون يعني إخطار المستثمرين، خاصة من دول الخليج، بأن العقوبات ستكون بانتظار من يشاركون الأسد في مخططات إعادة الإعمار. وبالرغم من أن قادة الإمارات واصلوا البحث في مدى التزام واشنطن بعزل النظام في دمشق، إلا أن الأسد لم يحصل على أي دعم من قبل أي دولة خليجية كما كان يتمنى.

بالإضافة إلى العقوبات الجديدة، تعرض النظام السوري لضربات اقتصادية كبرى في عام 2020، أولها جائحة كوفيد-19، وثانيها انهيار النظام المصرفي بلبنان بما أن ودائع سوري تقدر قيمتها بمليارات الدولارات موجودة في تلك المصارف، كما توقفت الحملة العسكرية الكبرى التي شنها النظام على شمال غربي سوريا في آذار 2020 ولم تستأنف منذ ذلك الحين، على الرغم من استمرار القتال هناك على مستوى ضيق.

وهكذا ورثت إدارة بايدن ذلك الوضع الذي اتخذ فيه الأسد موقفاً دفاعياً بالأصل. ومع ذلك، وخلال الأشهر الستة الأولى للوصول إلى السلطة، تراجعت إدارة بايدن عن سياستها الساعية لعزل النظام، وذلك عندما أبلغ البيت الأبيض حلفاءه من العرب، وعلى رأسهم مصر والأردن ولبنان، بأنه يرحب بجهودهم الساعية لإشراك دمشق ضمن مجموعتين من صفقات الطاقة في المنطقة والتي يمكن أن تدر ملايين الدولارات على النظام السوري. إذ بعد انقطاع الكهرباء بصورة يومية عن لبنان، وتسبب ذلك بزيادة المآسي هناك، وسط أزمة اقتصادية حادة، أصبح هنالك أساس منطقي إنساني يبيح للأسد الحصول على تدفق نقدي.

لا داعي للتنازل

حاول بلينكن أن يقنع الصحفيين بأن السياسة الأميركية تجاه جرائم الحرب التي ارتكبها الأسد لم تتغير، إلا أن حكومات الدول العربية لم تجد غضاضة، وهي تقرأ ما بين السطور، في حصولها على موافقة لممارسة الأنشطة التجارية كما هو معتاد مع النظام السوري، ثم أتت صحيفة نيويورك تايمز لتنقل على لسان أحد المسؤولين الكبار في إدارة بايدن دون أن تذكر اسمه، قوله: "كان من الواضح أن الأسد بقي وأن العقوبات تمخضت عن بعض التنازلات، ولذلك فضلت الإدارة التركيز على قضايا أخرى". إذ بالرغم من وجود العقوبات، بقي الأسد ينعم بوارد ثابت من النفط الخام يصله من إيران، وبعوائد ترتفع بشكل سريع تأتيه من خلال الاتجار بالمخدرات. لذا، بما أن الولايات المتحدة لم تتكيف هي وحلفاؤها مع الأسد وأسياده، عندها لم يظهر أي داع أو مبرر لتوقع أي تنازلات من قبله.

من المحاسبة إلى التطبيع

المحزن في الأمر هو أن تحول إدارة بايدن من المحاسبة إلى التطبيع يقدم لنا صورة شاملة مسبقة حول السياسة الغربية المحتمل تبنيها تجاه روسيا بمجرد أن ينحسر الغضب العارم في الوقت الراهن. إذ يبدو وكأنه لا شيء يمكن أن يشفي غليل غضب الشارع الغربي اليوم، بعد ظهور سيل من التقارير القادمة من أوكرانيا حول الإعدامات والقبور الجماعية وعمليات الاغتصاب الجماعي، إلا أن هذا الغضب العارم هو ذاته الذي ظهر عقب مجزرة الكيماوي التي خلفت 1400 قتيل سوري بريف دمشق في عام 2013، فقد انتظر الأسد حتى هدأت سورة الغضب الغربية، ليواصل بعد ذلك هجماته الكيماوية على المدنيين.

تخيلوا شكل أوكرانيا بعد مرور ستة أشهر على اليوم، عندها ستكون الحرب قد وصلت إلى طريق مسدود موجع، إذ لن تتمكن القوات الروسية من التقدم، إلا أن مدفعيتها وهجماتها الصاروخية ستواصل الفتك بالمدنيين، في الوقت الذي سينهك فيه الجوع المدن الخاضعة للحصار. وعندها سينوء كاهل أوروبا عن حمل عبء ملايين اللاجئين واستقبالهم، وهنا ستعلن موسكو عن رغبتها بالتفاوض من أجل السلام، إلا أن ذلك لن يحدث إلا بناء على شرط واحد، ألا وهو رفع العقوبات الغربية عنها، ولكن، ألن يصبح ذلك العرض مغرياً بالنسبة للبيت الأبيض حينذاك؟ وذلك لأن السلام لا بد أن يحمل معه فوائد مباشرة على المستوى الإنساني. قد تقاوم كييف، ولكن بدون دعم من قبل الولايات المتحدة، لن يتمكن الأوكرانيون من مواصلة القتال.

درس من الحرب السورية

ثمة درس أساسي تعلمناه من الحرب السورية وهو أن الإفلات من العقاب سيؤدي إلى وقوع معاناة أكبر مستقبلاً، ولهذا فإن المهمة هنا لا تتمثل بمقايضة العقوبات بالسلام، بل بوضع نظام لعقوبات دائمة تستعد كل من الولايات المتحدة وحلفائها لفرضه بشكل ممنهج وقوي طوال سنوات عديدة أو حتى عقود. كما ينبغي على وزارة الخزانة الأميركية ونظيراتها في الدول الأوروبية أن يعدوا العدة لاستباق ما يفعله المسؤولون المتخصصون بإدارة أموال الكرملين، بما أن هؤلاء تدربوا بشكل جيد على التهرب من العقوبات بطرق ملتوية. إذ في ظل غياب أي منظور واقعي بالنسبة لفكرة إخضاع بوتين للعدالة، تصبح العقوبات والعزلة الطريقة الوحيدة لمعاقبة نظامه.

بعدما تعلمنا ما تعلمناه من الكارثة التي وقعت بسوريا، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها أن يستعدوا لمجابهة حالة معارضة متزايدة لتلك العقوبات، بعضها لأسباب إنسانية، وذلك عند انحسار موجة الغضب العارم. أما في الوقت الراهن، فيبدو الفخر على بايدن وهو يعلن أن "اقتصاد روسيا في طريقه للانخفاض إلى النصف خلال السنوات القادمة"، أما عملياً، لا يعني هذا الكلام سوى إفقار ملايين الروس الذين لا رأي لهم فيما تمارسه حكومة بلدهم من أفعال في أوكرانيا. لذلك، فإن سياسة العقوبات الدائمة تعتمد على إيمان راسخ بأن حماية جيران روسيا من هجماتها الوحشية، والحد من خطر وقوع أي حرب دموية في أوروبا مستقبلاً، ومحاسبة الكرملين، أولى من السعي لتجنيب الشعب الروسي من نتائج العقوبات وآثارها.

إجراءات لتقليم أظافر روسيا

ينبغي على إدارة بايدن، بالتنسيق مع حلفائها، أن تشن حملة طويلة الأمد تسعى لطرد روسيا من المنظمات الدولية أو تهميشها في حال عدم القدرة على طردها. كما أن سحب حق النقض من يد روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يعتبر خطوة صغيرة أولى نحو الاتجاه الصحيح. بعدها لا بد من أن تواجه روسيا حالة تجميد في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، بعد انتهاكها لقوانين تلك المنظمة بشكل صارخ، كما أن الدولة التي تقصف المشافي لا مكان لها في المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية. وفي مختلف المنظمات التابعة لمنظومة الأمم المتحدة، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها ومؤيديها عرقلة عملية انتخاب أو تعيين مسؤولين لدى نظام بوتين في مناصب قيادية ضمن تلك المنظمات.

يجب أن يتحول بوتين مع بطانته الحاكمة إلى شخصيات غير مرغوب بها، كما يجب رفض مشاركة روسيا في أي قمة إلى جانب قادة أميركيين أو أوروبيين ما لم يتعهد بوتين بإصلاح ما أفسده في أوكرانيا وغيرها.

ليس ثمة دليل عمل واضح حول حرمان شخصية منبوذة من العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، ولن يكون من السهل تهميش دولة تعتبر من أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، ولكن هذا السبيل يحمل معه وعوداً أكثر بالمحاسبة، مقارنة بعمليات جمع الأدلة التي توثق الجرائم بناء على وهم بأن يتحول ذلك إلى باب لمقاضاة بوتين وحاشيته.

بادئ ذي بدء، يمكن القول إن العقوبات التي تفرض بشكل عدواني تتمتع بالقدرة على عرقلة آلة الحرب الروسية، فقد كشفت الكارثة التي حلت بأوكرانيا عن عيوب ونقائص في جهود موسكو الساعية لتأسيس جيش يحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم. ولهذا بوسع العقوبات الدائمة أن تجعل من ذلك الهدف أمراً صعب المنال على الدوام، وذلك عبر حرمان روسيا من الأموال التي لا بد لها من استثمارها في قواتها المسلحة، إلى جانب حرمانها من الحصول على التقانة الغربية، وعلى رأسها أجهزة المعالجة الدقيقة للأسلحة الموجهة ذات الدقة العالية، ولعل هذا هو الأهم.

لذا، وبدلاً من اتباع استراتيجية مشبوهة تعتمد على ردع بوتين ومنعه من شن عدوان جديد داخل أوروبا، يسعى هذا النهج إلى حرمانه في المقام الأول من الوسائل والسبل التي تساعده على تخويف جيرانه. وبما أن بوتين لم يعد أكثر من منبوذ يستعين بقوات مسلحة مستنزفة ومتداعية، لذا لن يحقق رؤيته المتمثلة باستعادة أمجاد روسيا الإمبراطورية.

وبالطبع، لا بد أن تضر العقوبات بنمط حياة بوتين القائم على متعة شرب الشامبانيا وتناول الكافيار، بما أن تلك العقوبات تستهدف السلع المخصصة للرفاهية. إلا أن العقوبات، من هذه الناحية بالذات، لن تكون مرضية كتلك التي تزج به في سعير السجن في لاهاي. إلا أن المشكلة هنا تكمن في أننا لا نستطيع أن نقيم العدل حسب أهوائنا، بيد أن القيود التي تفرض بشكل دائم على القوة العسكرية الروسية ونفوذها الاستراتيجي تعتبر عقوبة مناسبة للجريمة، وتحد من خطر ارتكاب المزيد من الجرائم، ومن الممكن لذلك أن يمثل العدالة التي نريد.

المصدر: فورين بوليسي