icon
التغطية الحية

فورين أفيرز: ما هي استراتيجية الخروج التي يجب أن تتبعها أميركا في سوريا؟

2022.10.10 | 15:56 دمشق

القوات الأميركية في سوريا
القوات الأميركية في سوريا
فورين أفيرز - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عندما وصل الرئيس جو بايدن إلى سدة الرئاسة، كانت السياسة الأميركية حيال سوريا منفصلة عن الواقع، ولهذا قررت إدارة بايدن إعادة تقييم الأهداف الأميركية، مع التخلص من الفكرة المتقلقلة من الناحية القانونية والتي تتصل بتأمين مرافق النفط السورية وتلك الرغبة غير العملية الساعية لطرد كل القوات الإيرانية من ذلك البلد الذي تربطه علاقات قوية بإيران منذ أمد بعيد. وهكذا قرر فريق بايدن بأن الوقت قد حان لإعادة تركيز الجهود الأميركية على المهمة الأصلية، ألا وهي هزيمة تنظيم الدولة. فقد أشار فريق الرئيس -مرة بشكل سري من خلال وفد رفيع وصل إلى سوريا في أيار عام 2021، ومن ثم بشكل علني من خلال تصريحات غير رسمية تم الإدلاء بها للصحافة في شهر تموز من عام 2021- بأن الولايات المتحدة ستحافظ على وجود عسكري محدود لها، يقارب 900 جندي في سوريا، كما ستواصل تقديم الدعم الموجه لإرساء الاستقرار ولعودة الخدمات الأساسية، مثل الماء والكهرباء، في المناطق التي تسيطر عليها قوات مدعومة أميركياً. أي إن الخطة كانت تهدف لذلك إلى أن تصبح الظروف مؤاتية لقيام تسوية سياسية قائمة على التفاوض بالنسبة للحرب السورية.

أتى هذا التعديل بعد إدراك الحقيقة بأنه بالرغم من أن القوات المدعومة أميركياً تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي السورية، إلا أن النفوذ الدبلوماسي والسياسي الأميركي مايزال محدوداً، أضف إلى ذلك بأن الخيارات البديلة كلها سوداوية. وذلك لأن الاستثمار بشكل أكبر في الموارد المالية والعسكرية، على أمل تحصيل نتيجة سياسية لم يتم تعريفها بشكل جيد، من غير المرجح له أن يقهر الخطر الأساسي في سوريا، أي نظام بشار الأسد الذي "كسب الحرب"، وهذا الخيار لا يمكن لأحد أن يوصي به، كما لا يمكن دعمه سياسياً. بيد أن القرار القاضي بسحب القوات الأميركية من سوريا مباشرة عقب الانسحاب الأميركي من أفغانستان لابد أن يكلف كثيراً على المستوى السياسي، إلى جانب دوره في هز ثقة تلك المنطقة بمدى التزام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط.

ومع ذلك أتى الوضع الراهن مع مخاطره، وذلك لأن ساحة الحرب في سوريا معقدة، فالقوات الروسية والسورية والأميركية كلها تعمل بالقرب من بعضها. وفي الوقت ذاته، ازدادت هجمات الميليشيات المدعومة إيرانياً على المواقع الأميركية بشكل كبير، وهنالك الخطر المتجدد المتمثل بعملية عسكرية تركية تستهدف قسد المدعومة أميركياً. وبالنظر إلى كل ذلك، يتعين على إدارة بايدن أن ترد على سؤالين، وهما: هل من الضروري للوجود العسكري الأميركي أن يبقى في سوريا؟ وهل يستحق الأمر كل هذا؟

يبدو أن إدارة بايدن تتمسك بأمل تغير الظروف أو تحسنها مستقبلاً ما يعني قيام تسوية أفضل على أساس التفاوض أو أن يصبح الانحدار واضحاً. ولكن مع كل يوم يمضي تزيد المخاطر التي تحيط بالقوات الأميركية، وتوهن موقف المساومة الأميركي بدلاً من أن تقويه، وذلك بالنسبة لما يمكن الحصول عليه من قبل الأسد وروسيا مقابل رحيل أميركا.

ولهذا، وبدلاً من التخبط، ينبغي على الولايات المتحدة أن تركز على عملية التفاوض على مخرج يضمن لها وبأسرع وقت ممكن اثنتين من مصالحها الأساسية في سوريا، وهما: الوصول الأميركي إلى الأجواء السورية، وتأمين السوريين الذين حاربوا إلى جانب القوات الأميركية لدحر تنظيم الدولة.

المهمة القديمة

أصبحت سوريا بيئة خطرة للعمل، إلا أن تنظيم الدولة ليس المسؤول الأساسي عن موجة العنف فيها، فقد ازدادت حوادث العنف في سوريا التي تشمل القصف الجوي والمدفعي، بنسبة 20% خلال هذا العام، بحسب ما أورده مركز موقع النزاع المسلح، عبر مشروع بيانات الحوادث، وهذا المركز هو عبارة عن منظمة غير ربحية تعمل في مجال جمع البيانات وتحليلها وتقدم مشروعاً يرسم خريطة الأزمة. ثم إن معظم أحداث العنف ارتكبتها عناصر دولية فاعلة، بينها نظام الأسد. أما نشاط تنظيم الدولة فهو في تراجع بحسب التقرير الأخير الصادر عن المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية، فقد تبنى تنظيم الدولة 201 هجمة خلال الفترة الواقعة ما بين 1 نيسان و30 حزيران، في تراجع بنسبة تفوق 60%، سنة بعد سنة. وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة مايزال خطراً جاثماً على العراق وسوريا، إلا أنه لم يعد باستطاعته أن يشن هجمات في هذين البلدين أو أن يخطط لتنفيذ هجمات مباشرة خارجهما.

وهذا يعني تراجع نشاط ما يقارب من 900 جندي أميركي تم فرزهم إلى سوريا عما كان عليه الوضع في السابق، إلا أن القوات الأميركية ماتزال تقدم الدعم وخاصة الاستخباراتي والدعم عن طريق المراقبة وإمكانيات الاستطلاع واللوجستيات، وذلك "للميليشيات" المتحالفة معها، وبينها قسد. إذ خلال كانون الثاني الماضي، لعب الدعم العسكري الأميركي دوراً محورياً في مساعدة قسد على تأمين أحد سجون الحسكة بشمال شرقي سوريا، بعدما شن تنظيم الدولة هجوماً على ذلك السجن لتحرير عناصره من الأسر هناك، فقتل 500 شخص خلال تلك المعركة بينهم 121 مقاتلا من قسد. غير أن القوات الأميركية بالعموم لا تنفذ الكثير من المهام المشتركة مع قسد، فهنالك عمليتان عسكريتان فقط حاربت فيهما قسد جنباً إلى جنب مع القوات الأميركية حتى تاريخ اليوم من هذا العام، وهذا بحسب التقارير العامة التي ترفعها وزارة الدفاع الأميركية وكذلك قسد.

في المواضع التي يقوم فيها نشاط عسكري أميركي يحدث تغيير أيضاً، وينتقل ذلك إلى المناطق التي تقل فيها عيون أميركا وجواسيسها على الأرض. ولهذا، وبدلاً من التركيز على شمال شرقي سوريا، حيث تنتشر القوات الأميركية، تجري عمليات تستهدف مواقع مهمة لتنظيم الدولة في إدلب، وغيرها من المناطق التي تقع اسمياً تحت سيطرة العديد من فصائل المعارضة السورية. فقد تم قتل زعيمين لتنظيم الدولة في محافظة إدلب، وهما أبو بكر البغدادي في عام 2019، وخليفته أبو إبراهيم الهاشمي القريشي في عام 2022، وفي حزيران من هذا العام، ألقت القوات الأميركية القبض على صانع قنابل لدى تنظيم الدولة في قرية تابعة لحلب تسيطر عليها قوات المعارضة السورية، وفي الشهر الذي تلاه، قتلت غارة جوية أميركية نفذت بطائرة مسيرة شخصية رفيعة أخرى تابعة لتنظيم الدولة في منطقة لا تبعد كثيراً عن تلك القرية. ثم استهدفت غارة أميركية نفذت خلال الأسبوع الماضي عناصر لتنظيم الدولة في قرية سورية خاضعة لسيطرة النظام. ويوحي تحويل وانتقال مركز محاربة تنظيم الدولة بأن القوات الأميركية ماتزال قادرة على اعتقال وقتل أكبر المتنفذين لدى ذلك التنظيم في مناطق سورية لا وجود أميركيا فيها على الأرض. ولهذا لابد لنا من أن نستقبل ذلك الخبر بترحيب وحفاوة، وذلك لأن الوجود على الأرض يعتبر ميزة، ولكنه غير ضروري لتأمين مصالح الأمن القومي الأميركية.

حقل ألغام جيوسياسي

حتى مع تراجع عنف تنظيم الدولة، ماتزال الأخطار تشتد على القوات الأميركية، وبعضها يعود لتوتر العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا التي جازفت بما كان يعرف بخط التواصل الذي يمتاز بمهنية نسبية بين القوات الأميركية والروسية التي تعمل في سوريا. ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، شارك الطيران الحربي الروسي في سلسلة من العمليات الخطرة، إذ في حزيران الماضي على سبيل المثال، استهدفت الطائرات الروسية وبشكل مباشر جيش مغاوير الثورة، وهو فصيل معارض تدعمه الولايات المتحدة، يتمركز بالقرب من قاعدة التنف الأميركية، وذلك داخل "منطقة خفض التصعيد" التي وافقت روسيا على حظر القتال فيها في يوم من الأيام. وقد وردت أنباء حول قيام روسيا بإبلاغ القوات الأميركية عن تلك الضربة قبل نصف ساعة من وقوعها وخرق تلك المنطقة. وهكذا تزيد تلك السلوكيات من خطر قيام نزاع مباشر غير مقصود بين الولايات المتحدة وروسيا.

وللحرب في أوكرانيا تأثير خبيث آخر، إذ في الوقت الذي تقوم فيه روسيا بتحويل مواردها لحربها مع جارتها في أوروبا الشرقية، تقوم إيران بملء الفراغ الحاصل في سوريا، لتصبح بذلك أشد نفوذاً وتقل المخاطر التي تتعرض لها. إلا أن القوات المدعومة من قبل إيران باتت تهدد العمليات الأميركية بنيران مباشرة أو غير مباشرة، حيث تم إطلاق ما لا يقل عن 19 صاروخا وهجمة بالطائرات المسيرة استهدفت مواقع أميركية في العراق وسوريا حتى تاريخ اليوم من هذا العام. وفي شهر آب، وبعدما نفذت القوات المدعومة إيرانياً هجمة بواسطة طائرة مسيرة ونيران غير مباشرة استهدفت نقطتين عسكريتين أميركيتين منفصلتين، ردت الولايات المتحدة بغارات استهدفت تسعة مواقع للميليشيات الإيرانية لا يوجد فيها جنود، لكنها تشتمل على أسلحة ومخابئ ونقاط تفتيش، ما تسبب بقيام المزيد من الهجمات المضادة من قبل الميليشيات المدعومة إيرانياً. وبما أن ملف المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران مايزال مجمداً، لذا من المرجح أن تستعين إيران بميليشياتها في سوريا لتزيد من الضغط على الولايات المتحدة في محاولة منها لتؤمن في ساحة المعركة ما بقي صعب المنال على طاولة المفاوضات.

أصبحت تركيا، وهي دولة عضو أيضاً في حلف شمال الأطلسي وحليفة للولايات المتحدة، تمارس ضغوطاً أكبر على قسد المدعومة أميركياً، فلقد هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن حملة عسكرية جديدة لتحقيق هدفه القديم وهو إنشاء منطقة عازلة بعمق 30 كم في سوريا، وتأمين الحدود التركية، وتمكين اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا من العودة إلى بلدهم. يذكر أن تركيا دخلت حرباً امتد لعقد من الزمان ضد حزب العمال الكردستاني في جنوب شرقي تركيا، ولهذا تعتبر تركيا اليوم وحدات حماية الشعب في سوريا امتداداً مباشراً لحزب العمال الكردستاني. وبالمقابل، صنفت الولايات المتحدة حزب العمال الكردستاني على أنه تنظيم إرهابي أجنبي لكنها تتعامل بشكل وثيق مع وحدات حماية الشعب في سوريا لمحاربة تنظيم الدولة، كما أن المسؤولين الأميركيين وصفوا وحدات حماية الشعب غير مرة بأنها العمود الفقري لقسد.

وبما أن إيران وروسيا وتركيا أجرت محادثات ثلاثية في شهر حزيران الماضي، لذا فقد وسعت تركيا من استخدامها للمسيرات والمدفعية والغارات الجوية ضمن الأجواء التي تسيطر عليها روسيا، وذلك لتستهدف شركاء الولايات المتحدة. فقد شنت تركيا ما لا يقل عن 56 غارة جوية بطائرات مسيرة حتى تاريخ اليوم من هذا العام، ما أدى لمقتل 50 عنصرا من قسد، بينهم عناصر لا تتبع لوحدات حماية الشعب، إلى جانب مقتل عشر مدنيين. وقد دفعت زيادة النشاط التركي منذ المحادثات الثلاثية قيادة قسد لترثي مأساتها على العلن ولتقول بأن روسيا أعطت الضوء الأخضر لتركيا حتى تزيد من نشاطها الجوي، كما أنحت باللائمة على الولايات المتحدة وروسيا بسبب عدم منعهما لذلك. الهجمات التركية أضعفت الموقف الأميركي في شمال شرقي سوريا، كما أجبرت قسد على طلب الدعم من روسيا ونظام الأسد لمواجهة تركيا. ففي مطلع هذا العام، سهلت قسد عملية انتشار المزيد من القوات التابعة للنظام السوري في المناطق التي تخضع لسيطرة قسد بهدف صد العملية العسكرية التركية. ومن المرجح أن يزداد الوضع سوءاً خلال الفترة التي تسبق الانتخابات التركية في عام 2023.

إن لم يكن كل ذلك السوء كافياً، أزيدك من الشعر بيتاً: وهو أن سيطرة قسد على مناطقها بدأت تضعف أيضاً، فلقد أسهمت جائحة كوفيد وحالة التضخم العالمية في تقويض الوضع الاقتصادي والصحي السيئ أصلاً في شمال شرقي سوريا، ناهيك عن تفشي الكوليرا في المنطقة، إذ يعتقد أن هنالك أكثر من ألفي حالة منذ 10 أيلول، فضلاً عن وجود عشر وفيات موثقة. وماتزال العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا توهن الاقتصاد المحلي الذي يعتمد عليه شمال شرقي سوريا. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قامت بدورها لدعم أشد السوريين حاجة، وذلك عبر تخصيص مبلغ وقدره 1.5 مليار دولار كمساعدات إنسانية موجهة لسوريا في عام 2022 وحده، إلا أن بوسعها أن تفعل ما هو أكبر من ذلك بكثير.

يذكر أن إدارة ترامب جمدت المساعدات الإنسانية الموجهة لسوريا في آذار 2018، في الوقت الذي كانت تدرس فيه فكرة الانسحاب من سوريا، وسعت لتأمين مساهمات إضافية من قبل شركاء أجانب، لتأتي إدارة بايدن وتفك التجميد عن تلك المساعدات بكل حكمة بعد ذلك، غير أن المبلغ المخصص لتلك المساعدات قليل مقارنة بنسبة الاحتياجات. ثم إن الولايات المتحدة وشركاءها في التحالف لمحاربة تنظيم الدولة، لا تهدف أبداً لتقديم مساعدات لإعادة الإعمار أو لإعادة بناء المناطق المدمرة بسبب الحرب في سوريا، بل إن هدفها استعادة المناطق التي سيطر عليها تنظيم الدولة وتأمين الخدمات الأساسية بشكل سريع مع إصلاح البنية التحتية الضرورية بما يساعد على استمرار الحياة بشكلها الأساسي هناك. ومنذ عام 2011، قدمت الولايات المتحدة 1.3 مليار دولار كمساعدات لدعم الاستقرار بغية تحقيق ذلك الهدف. ولكن بما أن الغرب لم يعد يقدم المزيد من الأموال، لذا فقد أصبحت قسد بحاجة للموارد حتى تحكم تلك المنطقة وتسيطر عليها بشكل فعال. وبالرغم من أن قسد تستثمر عائدات النفط، خاصة ذلك النفط الذي تبيعه لنظام الأسد، وتدفع منها رواتب للإدارة الذاتية في مناطق سيطرتها، إلا أن تلك العوائد لا تكفي لضمان استمرار الخدمات الإدارية والاجتماعية، كما لا يمكنها أبداً أن تكفي لإعادة بناء المناطق التي دمرت بسبب الحرب، إذ يخبرنا المسؤولون المحليون بأن ما لا يقل عن 30% من مدينة الرقة مايزال مجرد أطلال بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على انتهاء العمليات القتالية الكبيرة هناك. ثم إن نسبة البطالة مرتفعة، لا سيما بين صفوف الشباب. وبالنتيجة، أصبح أهالي تلك المنطقة يشعرون بالإهمال والتهميش من قبل السلطات، ما أدى لظهور موجة نزوح تصدرها هؤلاء الذين بوسعهم أن يدفعوا أجور المهربين، مع ظهور موجة تجنيد في صفوف تنظيم الدولة بين هؤلاء الذين يعانون من فقر مدقع يحرمهم من السفر خارج البلد.

التوجه نحو المخارج

مايزال خطر تنظيم الدولة ماثلاً، ولكنه لا يشبه خطره خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 2015 و2019، وذلك عندما سيطر ذلك التنظيم على مساحات واسعة من سوريا والعراق، بما أنه لم يعد لديه ملاذ آمن بوسعه من خلاله أن يخطط وينفذ هجمات"إرهابية" ضد الغرب. وهذا يعني بأن القوات الأميركية قد حققت مهمتها الأصلية، وذلك لأن خطر تنظيم الدولة الذي مايزال ماثلاً اليوم يمكن احتواؤه دون تعريض القوات الأميركية لأي أذى.

ولذلك ينبغي على الجيش الأميركي مواصلة استهداف قياديي تنظيم الدولة عبر الطائرات المسيرة والغارات الجوية، إلى جانب الغارات التي تستهدفهم وذلك لمواصلة الضغط من خلال عمليات مكافحة الإرهاب على فلول ذلك التنظيم، ولقد أثبت هذا الأسلوب فعاليته من قبل في مناطق سورية كان للقوات الأميركية فيها وجود فعلي على الأرض خلال السنوات الماضية. ومن العناصر المهمة بالنسبة لهذا النهج الانسحاب الودي بما يكفي للاحتفاظ بعلاقات مع شركاء أميركا من السوريين، بحيث يمكن للولايات المتحدة أن تواصل استعانتها بالمخبرين مع تأمين دخولها إلى الأجواء السورية. وعلى الرغم من التوترات الجيوسياسية الحالية، إلا أن خروج الولايات المتحدة بكامل حريتها بالتنسيق مع روسيا يعتبر السبيل الوحيد لتحقيق تلك الأهداف.

إذا قررت القوات الأميركية الخروج بلا تنسيق، فالنتيجة التي يرجح ظهورها هي حملة عسكرية تركية تهدف لتحقيق الأهداف المعلنة لأردوغان، وقد يتسبب ذلك بتخريب لا يمكن إصلاحه للعلاقات الأميركية مع قسد. وفي هذه الأثناء، يصبح الأسد غير قادر عسكرياً على احتلال كل تلك الأراضي التي تخضع لسيطرة قسد حالياً، أي إن القوات الأميركية إن رحلت غداً بموجب تسوية بالتفاوض مع روسيا، فإن وجوداً اسمياً للنظام، لا احتلالاً كاملاً، من المرجح أن يترتب على ذلك، في المناطق التي كانت تحت سيطرة الولايات المتحدة. ولكن حتى هذا السيناريو لابد أن يشكل تهديدات جسيمة بالنسبة لشركاء الولايات المتحدة الذين ستتركهم في تلك المنطقة، بما أن نظام الأسد بوسعه اعتقال وقتل أبرز قيادات قسد بهدف إضعاف النفوذ الأميركي في المناطق التي ستصبح تحت سيطرته إن حدث ذلك.

ولهذا يتعين على الولايات المتحدة أن تبذل كل ما بوسعها لتقلل من حجم جرائم النظام عبر ممارسة الضغوط الدبلوماسية والسياسية. كما ينبغي عليها أن تناشد الشركاء العرب في المنطقة، مثل الإمارات، التي طبعت العلاقات مع الأسد، حتى تحذو حذوها في ذلك.

لحسن الحظ، أثبت الإسرائيليون أن تأمين الدخول إلى الأجواء السورية أمر ممكن فعلاً وذلك عبر الجمع بين الدبلوماسية مع روسيا التي تسيطر على أكثر نظم الدفاع الجوي تقدماً في سوريا، والقوة التي تمارس ضد نظام الأسد في حال أصبح الطيران الإسرائيلي معرضاً للخطر. ولذلك لابد لرحيل أميركا بإرادتها وبالتنسيق مع غيرها أن يزيد من فرص عقد اتفاق دبلوماسي يتصل بالولوج إلى الأجواء السورية، وهكذا ستحتفظ الولايات المتحدة بحقها الأصيل في الدفاع عن نفسها في حال تعرضها للتهديد من قبل قوات النظام في أثناء تنفيذها لغارات ضد تنظيم الدولة.

مضت سبع سنوات تقريباً منذ أن وطئت أقدام الجنود الأميركيين أرض سوريا، ما يعني بأن الوقت قد حان حتى تقوم واشنطن بسحب قواتها من هناك، بما أن الوجود العسكري الأميركي في سوريا لم يعد مجدياً من الناحية الاستراتيجية، بل تحول لنقطة ضعف.

 

المصدر: فورين أفيرز